هُناك حيث يملئُ صوت صفير الرياح ذاك المكان الشاسع ، و هناك على تلكَ الأرضِ التي مُلئت بذاك اللون النقي ، طُبعت أقدام لشخصين ، تخف حدهُ الرياح ليتضِحَ بأنها آثارٌ لفتاتين تحملان مُقلتين بذاك اللون القُرمزي الامع ، تتكتَل الثلوج و تتعثرُ إحدى الفتاتين لِتهم بالبُكاء لتصرخ بها الأخرى ليشتد بكائئها تقترب الأخرى جاذبه إياها لتخبرها بأسفها راجيهََ إياها أن تكف عن البكاء ، هي فقط بضعه ثوانِِ وتلاصقت أجسادهما في عناق جانبي ليظهر ذاك الفرق الطفيف بين طول قاميتهما ، تتساقط البلورات الثلجية لتستقر مُتحاذيهً على الطرقات الفارغه و تشتد الرياح مره أخرى لتحجب جسديهما الهزيلين.
__________
تلفتت الفتاتان حولهما قبل أن تسرعا لتلك الصناديق الخشبيه الضخمه لتهمس إحداهُما : إنها فِكره سيئه زين.
فتحت زين إحدى تلك الصناديق الضخمه : ثقي بي دارين ، إنها الفكره الأفضل في هذه الظروف.
أومئت الصغيره بصمت مُدخلهً جسدها الهزيل في ذاك الصندوق الصخم و هي تضمُ ساقيها لصدرها منزلهً رأسها ذو الشعر الأشقر الداكن ، لتغلق زين الصندوق بهدوء هامسهً : تناولي طعامك و لا تخرجي أبداً.
ثم أدخلت جسدها في إحدى تلك الصناديق لتستقر محاذيهً لشقيقتها الصغيره.
بدأ العاملون في الميناء ينقلون الصناديق بحذر ، فقد كانت تحوي الكثير من البضائع الفخمةِ و غاليةِ الثمن ، انتصف النهار و إمتلأتِ السفينةُ ، و إنطلقت في عمق المحيط الشاسع.
شعرت دارين بالرعب حين أحست بإهتزاز السفينه العنيف ، و أرادت الخروج لتجلس مع شقيقتها ، لكن أصوات الأقدام منعتها من الهمس بحاجتها لشقيقتها الكُبرى.
فتحت دارين حقيبة الطعام و تناولت شطيره ما و هي تفكر بعمق بما آل إليهما الحال ، صناديقٌ خشبيه تحمل أجسادهما لوجهةٍ مجهوله ، أناسٌ آخرون و لغةٌ أخرى رُبما ، أوقف سيلَ تلك الأفكار فتح الصندوق و إطلالةُ وجهِ زين المُبتسم.
زين: يمكنكي الخروج الآن فلا أحد هنا.
دفعت دارين جسدها للخارج لتستنشق أكبر قدر ممكن من الأكسجين.
قهقهت بصوت خافت : ستؤلمين قفصك الصدري هكذا.
دارين: ليس مُهما ، إنني بالكاد ألتقطُ أنفاسي في هذا الصندوق.
زين بإستنكار: لكنني حرصتُ على وجود ثقوب بشكلٍ كافٍ للتنفس.
دارين: إنها لا تكفي.
تجاهلت زين آخر ما تفوهت بها شقيقتها و أخذت شطيرة لتسكت صوت بطنها الصاخب.
ألقت دارين بجسدها خلف الصناديق و هي تتلحفُ بلحافٍ خفيفٍ جلبته معها ، أسندت رأسها على كتف شقيقتها التي تتناول طعامها لتغط بنومٍ متقطعٍ أثر تلك الإرتجاجاتِ الكثيره ، و لكن تلك الإهتزازات إستمرت بالإزدياد لعده ساعات طويله لتُحَرِم النوم على عيني الفتاتين المُرهَقتين.
___________
قبيل الصباح بقليلٍ لامست أضواءُ المصابيحِ القادمةِ من خلفِ الصناديقِ وجنةَ زين لتفزع من قُرب إكتشافِ أمرهما ، فأخذت تهز دارين بقوه : دارين دارين ، إنهم قريبون!.
توسعت حدقتا دارين القُرمزيتان و أخذت تلهثُ برعب و هي تُسحبُ من قبل شقيقتها المُتماسكه ، أخذت دارين تزحفُ بجانبِ زين على تلك الأرضيهِ المُتكدسةِ بأطنان الأتربَةِ و الغُبار ، و هي تدعوا بالنجاةِ من هذهِ المحنه ، أما زين ، فصوتُ قلبها يكادُ يصِلُ لمسامع الرجال.
إنطلقَ صوتٌ ما : كيفن ، لابُد أن الجرذان تكادُ تملئُ المكان هذه الفتره ، أقسِمُ أن أصواتها تكادُ تخترِقُ طبلةَ أُذني معَ حلول الظلام.
كيفن بحمق: و كأنني أستطيعُ النوم ياهذا ، علينا القضاءُ عليها بأسرعِ وقت.
وهنا أصدرت دارين شهقه مرتفعه وصلت لمسامِع الرجلان.
كيفن : هل سمعت ذلك ليام .
ليام بفزع: إلهي ، إنني لا أخال هذا الصوت سوا تمتماتِ الأشباحِ السفاحه.
أخذ كيفن يتمتم بشيءٍ ما ، ثم أردف: نحتاجُ لصائد أرواحِ أيضا.
ليام: المزيدُ من التكاليف ، هذا لن يعجبِ السيد الصغير.
أدار الآخرُ عيناه : إذا فليتعفن هو و هذه السفينَةُ النتنه ، حقا إن الأغنياءَ أعجوبةٌ من الأعاجيب. ثم أخذ كيفن يُمرر الضوء في الأنحاء لتتراكض تلك المخلوقاتُ مُختبأةٍ هُنا و هناك .
رفعت زين جسدها و ملئ الرعب قلب دارين ، فالفئرانُ تكادُ تلتصقُ بجسديهما من سرعتها .
زين بهمس: إرفعي جسدك.
إنزلقت دموعُ دارين و أخذت تجاهد لرفعِ جسدها المُغبر ، سامحةً لتلك الكائنات بالعبور دون أي ملامسات.
دارين : بإمكانها تناولنا على العشاء ، إنني لا أرغبُ بالموتِ كطعامٍ دسم لها .
أمسكت زين بيدِ شقيقتها : لن نكون كذلك ، سيمضي كل هذا و نفدوا بحالةٍ أفضل.
دارين : أتمنى ذلك.
و فجأه ، إختفى ذاكَ الضوءُ الأصفرُ المرعب ، و أصدرَ بابُ المكانِ صريرا مزعجا ، ليحل الظلامُ الدامس ، و تحلِ السكينَةُ في قلبِ الفتاتينِ المرعوبتين.
إستلقت زين على ظهرها : لقد نجونا .
دست دارين جسدها بين أضلع شقيقتها : أريد العوده للصندوق.
زين: أعتقد أنه الخيار الأمثل ، لا نريد المزيدَ من المواقف المرعبه .
ثم عادت الشقيقتان للزحفِ مرةً أُخرى ، ثم خلدتا للنومِ في تلك الصناديقِ الخشبيه دون الخوفِ من كونهما عشاءً للجرذان.
أنت تقرأ
لَن أَنحَنِي.
Pertualanganهل نظرت إلى ها هُناك ، أم هل رأيت كُل مُكابداتي و إنكِساراتي لِتحكم علي ، أنا لن أنحني أبدا ما دامت تلك الأنفاس تنعشُ هذا الجسد البائِس ، مادام يتحرك يُمنه و يُسره دونَ سكون ، ما دامت دَقاتُ قَلبه تقرعُ متتاليهً كقرعِ الطبول ، مادام كل حرفٍ و نبسهٍ...