في اعماق البحر

47 2 0
                                    

البداية :
بقيت أحدق في قطرات المطر التي كانت تداعب زجاج نافذة منزلي بكل أريحية ، ملمس الزجاج النافذة بارد ، كم اشتقت اليه !! هل هو بخير الآن ؟؟! لقد صار عمره الآن ثماني سنوات ، أنا حقا أشتاق اليه ، أشعر بألم يقطع قلبي على فراقه وهو منذ السن الثالثة ، لقد أرغمتني الظروف على فعل ذلك ، أشعر بضيق واختناق بسبب شجاري مع زوجي يوميا بسبب النقاش عن هذا الأمر ، زوجي حساس جدا بشأن هذا الأمر ، لقد فعل كل شيء من أجل انقاذ ابنه ، نعم لقد فعلنا كل شيء من أجله ، ولكن بسبب شجاراتنا اليومية بشأن هذا الأمر حصلت على الطلاق من زوجي قبل سنة تقريبا ، لانني لم أحتمل برودة العلاقة بيننا بسبب فراق ابننا ، مجرد احساس مؤلم يولد كراهية بيننا ، أنا أعيش الآن وحيدة في منزل متواضع ، بل بقيت في كآبة حزينة وأنا أراقب قطرات المطر وهي تهطل بهدوء وأنا أحتسي فنجال قهوة شعرت أنها سيئة الطعم رغم جودة صنعها ، انه لنفس السبب ، ابني أنت دائما في قلبي ، أنا أحبك .
ليلا كنت مازلت جالسة في نفس مكاني وأنا أرى شهب الليل واضحة من نافذة منزلي استرجع ذكريات الماضي المؤلم ، بالتحديد منذ اليوم الذي قدم ألين فيه عرضه للزواج بي ، بالطبع أنا قد وافقت عليه بكل أريحية وأنا أظن أنني سأعيش براحة مع ألين الذي عاش معي كأخ لي ، ظننت أن هذا سيكون راحه لنا ، بعد سنة من زواجنا حملت بابني ريان ، كان كل من ألين وحماتي ايفان سعيدين جدا ، بل على وشك القفز من فرحهم ، نعم كنت سعيدة ، انجبته بعدها لأسميه باسمه ريان ، كلنا كنا سعيدين ، لقد كبر حتى صار عمره سنتين ونصف ، حتى هذا العمر كان كل شيء سعيد ، حتى رجع ألين من عمله وهو يدخل علي المنزل لاستقبله وعلى وجهه تعابير غريبة ، كان غاضب وقلق ومتوتر وكأنه يشعر بالضيق ، صارحته وأنا قلقة عليه فقلت : ألين ما الأمر ؟؟! هل كل شيء بخير بعملك ؟؟! أم أن يومك كان سيء قليلا ؟؟!! تجاهل ألين كلامي وهو متضايق ودخل الغرفة وهو يتركني خلفه ، شعرت بقلق لأدخل عليه وهو جالس على السرير لأجلس الى جانبه وأقول وأنا أمسك بكتفه : هل كل شيء بخير ؟؟! قال وهو يبعد يدي عن كتفه ويقول وهو يستلقي على السرير : فقط أشعر بالضيق يا هانا ، ليس شيء مهم يذكر . قلت وأنا أبتسم : هذا جيد ، لتخلد للنوم ، أنا سأخرج من الغرفة لنتام بدون ازعاج . خرجت من الغرفة وأنا قلقة ، تعابيره كانت تشكي من شيء غامض لم يخبرني به ، مرت الأيام وقد تغير علي ألين تماما ، كان يتصرف ببرود عند لقائي وفي بعض الأيام كان يبيت خارج المنزل ، حيث نكون أنا وابني ريان في المنزل ونحن ننتظره ، مرت اسابيع ونحن على هذا الحال حتى انتهى بنا الحال وأنا على شجار مع ألين فور قدومه من عمله ، كنت قلقة ومرتابة ، هذا ما يحدث لكل امرأة متزوجة تغيب عنها زوجها عدة أيام ، حيث ظننت أنه لم يعد يحبني ليضع حبه في امرأة أخرى ، حيث بدأت حواري معه : أين كنت ؟؟! كيف لك أن تترك ابنك وزوجتك هكذا لعدة أيام ؟ يبدو انك لم تعد تبادلني نفس المشاعر ، فقط يبدو وكأنك تكن بها لامرأة أخرى . قال وهو ينظر الي بأعين لحق الهم بها : هل لنا أن نتحدث بعد أن ينام ريان ؟! قلت بأعين جادة : نعم ، لينام ريان .
بعد أن نام ريان توجهت اليه لأجلس معه على الكنبة التي في مجلس المنزل لأبدأ الحوار بدموع متألمة قائلة : ما الذي دهاك يا ألين ؟ أنا أرى هم في عينيك . قال وهو يزفر : لانه أمر أكبر منا .
قلت : ما الذي تقصده ؟؟ قال : لقد زارني منذ عدة أسابيع أوين الذي ودعته للأبد ، كنت في البداية أظن أنها مجرد زيارة ، نعم لم اعبترها شيئا ، ولكنه أخبرني بشيء جعل قلبي يتشرب هما . قلت بقلق : وما هو ؟؟!
قام بحك رأسه وقال بعدما تنهد : لقد أخبرني أن الساحر هيم وكما حدث هو لم يمت ، أقصد أنه مازال حيا ولم يمت في نزاله الأخير مع أوين وإيدن . قلت بصدمة : ماذا !! لا يمكن ؟؟!
قال : أخبرني أنه لم يعد يستهدفنا ، انه يستهدف ابننا ريان . قلت وأنا مصدومة : ابني ريان ؟!لا يمكن ...انه .. قال وهو يزفر بهم : بدأت افكر بالحل وأنا احاول تجاهلك ، أقصد انني لم أخبر أمي حتى ، لم أكن أريد لها ولك الهم .
قلت وأنا ادمع : مهما كان لا تحمل نفسك فوق طاقتك ، كن صريحا معي ، أخبرني عن كل مشاكلك ، أنا زوجتك ، لست غريبة .
قال : لا يوجد حل سوى أن أخفيه .
قلت : تقصد أنك تخفي ريان ، انه بعد عده اشهر سيكون بعمر الثلاث سنين ، مازال صغيرا وهذا صعب .....أنت ...تعرف هذا . قال : لا يوجد حل سوى هذا . قلت وأنا ادمع بألم صامت :.......
قال : لقد أخبرني أن هيم يلاحق مكاننا ويتعقبنا ، لانه يعرفنا ولكنه لا يعرف ابننا وهذه فرصة كبيرة لكي ينجو . قلت : حسنا اذن لنأخذه لمنزل أمك .
قال وهو يمسك بيداي : هو يعرف مكانها أيضا ، فقط ما أريد أخبارك هو أنك أنت وأنا يجب ان نكون منفصلين عن ريان لفترة حتى لا يعرف الساحر هيم مكانه . قلت بدموع مترقرقة : لا اظن أنني استطيع الا اذا اخبرتني كم هذه المدة .
قال وهو يترك يداي ويتنهد وضيق : ستكون اكثر من سنة وقد تمتد لسنوات ولكن مع ذلك .....
قاطعته وقلت : لا يمكننا ترك طفل صغير هكذا أرجوك . قال بغضب : لا يوجد حل آخر .
قلت وأنا أقف مكاني: وهل سنثق بكلام اوين ؟؟!
نظر الي وقام من مكانه وقال : لنستدعي إيدن ولنسمع كلامه ان كان كلام اوين صحيح .
قلت : ولكنه مربوط بي . قال : امي تركت ما كانت تمارسه ولكنني استعرت كتاب تحضير منها .
قلت وأنا مترددة : ماذا ؟؟؟ ستفعل هذا ؟
أخذنا لندخل الى غرفة خلفية للمنزل وبدانا نحضر بها إيدن ، بعد فترة ظهر لنا إيدن وهو يقول : ما المطلوب ؟؟! قلت : إيدن ، لقد سمعت كل محادثاتي مع ألين ، الآن أخبرنا اذا ما كان كلامه صحيحا ؟ قال إيدن : نعم كلامه صحيح ، ظننت أنتي أنا وأوين قد نلنا من ذلك المدعو هيم ولكننا كنا مخطئين ، مؤكد انه عرف ذلك منذ عدة أشهر ولكنه بادر باخباركم ، بالطبع كنت سأخبرك يا هانا لولا رباطي بك . قلت وأنا انظر الى ألين بصدمة : ريان .....ابني .... قال ألين : سأدعك تذهب يا إيدن لتحضر لي أوين ، أريدكما معي هنا . قال إيدن : موافق .
بعد رحيل إيدن كنت أبكي بين يدي ألين بحرقة ، بعد دقائق حضر كل من إيدن وأوين وهما يلقيان التحية على ألين وعلي أنا ايضا ، فقلت باكية : هل ..هل كلامك صحيح يا أوين ؟؟! رد علي : نعم للأسف ، أعتذر منك يا هانا . قال ألين وهو يوجه كلامه لأوين : وكما قلت يجب ان نأخذ ألين لمكان بعيد ، هل تعرف أين يمكن ان يكون ؟؟!
قال بهمهمه : اههممم نعم ، سيكون منزل في مكان معزول ، يجب أن يرافقه أحد منا الى هناك ، ثم لنتركه هناك في كفالة عجوز مزارع طيب أعرفه جيدا . قلت بدموع وأنا انظر الى ألين : لن أترك ابني في كفالة رجل غريب ، ارجوك يا ألين .
قال ألين وهو يتجاهلني : وكيف عرفته جيدا .
قال أوين : انه مزارع يعيش في منطقة معزولة زرته عدة مرات ، بالطبع هو لا يمارس سحرا أو أي شيء من هذا ، ولكنه معتاد على هذا لانه يعيش وحده ، فقط هو يظن أن منزله مسكون ، لذا هو متعايش مع الوضع ، بل هو لا يؤذي جنسنا ، بقيت في منزله عدة أيام ، بصراحة مع انه رجل كبير بالسن الى أنه يستطيع رؤية الجن ، لذا تعرف علي بينما انا لم أؤذيه وهو كذلك لنكون أصدقاء حتى مدة سنين ، بعدها زارني في منزله إيدن ليتعرف أيضا على أيدن هو ايضا . قال إيدن : نعم انه رجل طيب ولا يحمل حقد في قلبه ، ليس لديه عاىلة وحياته عادية واسمه ديلان .
قال ألين : ديلان ، يجب ان أزوره .
قلت وأنا اوجه كلامي لأوين وإيدن وأنا باكية : يجب أن أتفقد منزل هذا المزارع بنفسي وأؤمن غرفة مناسبة لطفلي ، انه صغير جدا ......لا اظن انني استطيع تركه . قال ألين وهو يتجاهل مشاعري : ستأخد يا اوين ريان وأنا معك لزيارة هذا العجوز . قلت وأنا غاضبة : أن لم اقرر بعد حتى تقرر . قال ألين : لا يوجد وقت لمشاعرك العاطفية يا هانا . قال أوين : أعتذر منك يا هانا ولكننا مضطرين وقد افهم سبب تجاهل ألين لك الآن ، كل هذا لانه يعرف أن الساحر هيم ووضع يوم ووقت لأخذه منا ، سيكون غدا ، لا يوجد وقت . قلت وأنا اتألم : لم يبقى له الا عدة اسابيع ليتم السن الثالثة . قال ألين : سنأخذه اليوم ....هانا يجب أن نفعل هذا . قلت وأنا اغمض عيناي وأحاول تهدئة نفسي : حسنا ..حسنا ...أعطني ساعة حتى افكر ..حتى أجهز طفلي لهذا . قال اوين : بالطبع .
خرجت من الغرفة تاركة الجميع وتوجهت نحو غرفة ابني ريان لأدخل عليه بينما هو نائم بعمق ، أخذته واحتضنته وانا أبكي بحرقة وأقول : لا يمكنني فراقك يا ابني الغالي ، لا يمكن أن يحدث هذا ......لقد .....أخذ ذلك اللعين هيم ابي مني ، لا يمكنه أن يأخذ ابني مني .......رياااااااان .
بعد ساعة من التفكير الذي كان كله عبارة عن حزن وألم وبكاء ، دخل علي ألين وعلى عينيه دموع متألمة ، فقلت وأنا أحتضنه باكية : فقط ...فقط لنتمنى أن يكون ابننا بخير . قال وهو يحتضنني بحزن : أنتي تعرفين أنتي سأفعل أي شيء من أجل ابننا ريان ....أي شيء .
قلت وأنا مازلت باكية : نعم أي شيء ...حتى رغم ألمنا ...أهم شيء هي حياته . قال وهو يبتعد عني : هل جهزتي أغراض خاصة به ؟!
قلت بحزن : ألين لنفعل أنت هذا ...أنا ..لا أظن انني سأستطيع فعل ذلك . قال وعلى وجهه نظرات الحزن والألم : سأفعل هذا ...لا تقلقي .
جهز ألين بعض الثياب والحاجات من اجله ، تركني وحدي لأنني أخبرته انني أذا رأيت ريان لن أستطيع توديعه ، فقط اخذه معه و قد أخذهم أوين الى المكان الذي يقطن فيه هذا الرجل المزارع ، حيث عندما وصلوا كان منزله صغير وسط مزرعة واسعة تطل على البحر بمسافة ، حيث قال ألين وهو يضع ريان في يدي أوين : خذه الآن اليه . قال أوين وهو مستغرب : ألن تودع ابنك ؟؟ قال ألين : فقط لتذهب به .
أخذه أوين ودخل منزل العجوز ليستقبله العجوز وهو سعيد ويبتسم ويدخلهم المنزل ويغلق الباب ، كان ذلك المشهد يقطع قلب ألين ألما وحزنا ، حيث كان غاضب ومنزعج وحزين ويدمع بألم ، مشاعره كانت مختلطة جدا ، حيث عندما دخل أوين المنزل جلس على أريكة بسيطة رثة في منزله حيث كان ريان يجلس على الكنبة بصمت ، حيث جرت محادثة بين الرجل العجوز وأوين ، حيث قال اوين : ها هو الطفل وكما اتفقت معك .
قال الرجل العجوز : سأعامله وكأنه ابن لي ، بل أكثر ...كل هذا بسبب شوقي لحفيدي الميت .
قال أوين : والداه قلقين عليه حد الموت .
تبسم ذلك الرجل العجوز بحزن وقال : لابد انهم يتذوقون طعم فراق طفلهم المؤلم ، ولكنني وعدت نفسي الا أفرط فيه ، انه حفيدي الآن ريان رغم صغر سنه . بعد دقائق من انتظار ألين خرج عليه أوين وعلى وجهه ابتسامة مريحة ، أخذ أوين ألين ليعودا الي ، حيث كان أوين وإيدن يتناوبان زيارة ريان كل فترة عند الرجل العجوز ، مرت سنة ونحن على هذا الحال ، بل مرت سنتان اخريتان ، بعدها حيث أخبرنا أوين انه هو وإيدن سيقطعان زيارلتهما للرجل العجوز حتى لا يتضرر ريان من زياراتهم العديدة اذ ان الرجل العجوز يراهم ولكن ريان لا يراهم مما يسبب ضرر لريان ويشعر بالخوف من الرجل العجوز ويظن أنه خرف أو مجنون ، وافقت أنا وألين على ذلك ، بشرط عمل زيارات له كل ثلاثة أشهر فقط ، وقد وافق إيدن وأوين على ذلك ، كنت على حالة تردد ، حيث تبددت علاقتي مع ألين ، لم نعد نحب بعضنا ، بل كان الحزن يضرب قلبي كلما رأيت ألين ، حتى هو يبادلني نفس الشعور ، كانت شجاراتنا عنيفة جدا ، فقط لأسباب بسيطة ، توتر شديد بيننا ، كانت تمر علي الأيام وألين لم يكن يعود للمنزل ، حيث كنت أبقى به وأنا أكن في صدري حزن عميق ، لم تكن حماتي ايفان تعرف بهذا أبدا ، كانت في كل زيارة لها أرفض الذهاب اليها ، شعرت أن علاقتي تشتتت تماما وأنها لن تثمر بشيء ، كان ألين يعتزلني ويتركني بحزني ، لم يكن بسبب شيء مادي ، فقط شيء معنوي قطع بيننا ، قمت بزيارة أمه يوما وحكيت لها كل شيء ، وأنني أريد طلب الطلاق منه ، لم يكن في قراري رجعة أبدا ، وما آلمني أكثر أن ألين وافق عليه بسرعة ، مرت سنة كاملة على طلاقي منه ، عشت في منزل صغير معزول خارج المدينة ، كان وسط قرية صغيرة ، كنت أشعر بأمان فيها ، كل الوحدة المؤلمة التي كنت اعيشها تلاشت فيها ، حيث وكما حدث بقيت أعيش فيها وكان لي جيران لطيفين ، لم أرد لأيدن أن يكون مربوطا بي وطلبت منه العيش معي حتى لا أشعر بالوحدة ، هو قد رفض في بادئ الأمر ولكنه وافق في نهاية الأمر ، كنت أستطيع رؤية الشهب والنجوم بوضوح شديد لانها قرية معزولة عن المدينة ، عشت أيام كثيرة فيها حتى صارت الآن سنة ، قلبي الذي ينادي ابني ليحتضنه متألم ومجروح ...ينتظر رؤية وجهه ، لقد كبر ، أريد رؤيته كيف نشأ ، حتى نهاية الحال أظن أنني أم سيئة ، مقصرة في حقوق ابنها وحتى زوجها .

قرناء _||consort||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن