قصة شهيدة العشق الالهى رابعه العدويه
_________- إلهى .. ما عبدتُك رغباً ولا خوفا ؛ فإن كنت أعبدك خوفاً من نارك فألقني فيها ؛ وإن كنت أعبدك طمعاً في جنّتك فاحرمني منها ؛ إنما أعبدكَ لأنك تستحق العباده -
كلماتٌ قليلةٌ .. كثيرةُ المعنى ؛ تنمُ عن قلبٍ قد اخضمت جوارحه بالعشق .. عبادة اللهِ دون متطلباتٍ إلا لأنه الله .. إنها رابعه العدويه حين قالتها
شهيدة العشق الإلهى , أم الخير كما لُقِّبت أيضاً , ولكن من أشهر ما اشتهرت بهِ هو إسم رابعه العدويه ؛ ورابعة العدويه ليس اسمها الحقيقي , وإنما هو رقمها بين إخوتها السبعه
ولدت عام 100 هجرياً بالبصره – العراق
كانت السيده رابعه العدويه فى رعونةِ نشأتها مثل الإمام عبد القادر الجيلانى , لم تحظ هى الأخرى بوالدها إلا لعشر سنواتٍ فقط ثم توفى وهى فى ذاك العمر , كان عابداً فقيراً , ولم تلبث سنواتٍ قله حتى تبعته أمها بوفاتها المنيه , فلم ترث منهما إلا مرارة العيشِ وفقرهما إلى الناس ؛ وأخوة وأخواتٍ عليها أن تكون عوناً فى معيشتهم ؛ فلم تكن تمتلك سوى قارب صغير تنقل به الناس على إحدى أنهار البصره , ولكن لَعِبَ القدر دورهُ بأسً معها فدّب الفقرُ والمجاعه فى أرض البصرةِ كلها ؛ فاضطرت لأن تغادرها مع أخوتها حتى افترقا هم ايضا فأصبحت وحيدةً لا تملك من أمرها شيئا , حتى أكرمها أحد الأكرمين الصالحين بمنزلهِ فتعمل فيهِ وتكفى قوت يومها
وبالرغم ما أوصلته إلى أذهاننا السينما العربيه عن هذه العابده , إلا أنها لم تذهب يوماً إلى حياة الغواية والرقص والشهوات ؛ فلم ترقص يوماً .. ولم ترتع بأحضانٍ أحد الأسيادِ يوماً , بل كانت ابعد ما يكون عن ذلك ولم تذكر أية مصادر تاريخيه أى شئ من هذه الجوانب التى بأسفٍ شديد أظهرتها السينما المصريه فى الفيلم الشهير لها
بل أن ذاك الكريم الصالح الذى قد أكرمها فى بيته قد رأى فيها حسن العبادة والتقوى وأنها لم تنشئ لتكون على هذه الصوره البائسه من الفقرِ الشديدِ المجحظ أنيابه , فأعتقها وثبّت أجر معيشتها والتحقت رابعه العدويه بدراسة العلوم الدينيه وحفظ القرآن الكريم وتدبر آياتهثم استقلت بمنزلٍ أصبح هو خلوتها ومعيشتها وأصبحت تأتى بقوتِ يومها من عملِ يداها وتحولت رابعه العدويه إلى حياة العشق الإلهى بعد أن تدبرت المعرفه الإلهيه قائله ( إذا عبدتُ الله لكى يدخلنى الجنه فلقد أصبحت عابده للجنه , وإذا عبدته خوفاً من نارهِ فأصبحت أعبد اللا نار , ولذلك فأنا لا أعبد الله طمعاً فى جنتهِ أو خوفاً من نارهِ بل لأنه يستحق العبادة فقط )
ظلّت السيده رابعه العدويه طيلة حياتها عذراءاً على غيرِ زواج ؛ رغم أن أصلح القومِ وأعظمهم تقدموا لزواجها , ولكنها رفضت كل هذا قائلةً لقد وجّهتُ كلَّ كلي إلا الله , فلم يعد منى لكم شيئاً سوى جسد فانٍكما اشتهر أيضاً عن رابعه العدويه إنشادها لعذبِ الكلماتِ بل وخوضها فى بحار الشعرِ أيضاً التى أظهرتِ فيهِ حالا من الزهد والتجرد الذى قلّما قد نراهُ على لسانٍ إمرأةٍ وصلت إلى هذا الحال فى الفيوض الإلهيه , وما أقلّهن .. وما أكثرهن ؛ فتقولُ فى إحدى قصائدها
إنى جعلتكَ فى الفؤادِ محدثى ... وأبحتُ جسمى من أراد جلوسي
فالجسم منى للجليس مؤانثٌ ... وحبيبُ قلبى فى الفؤادِ أنيسيكانت نشأة رابعه العدويه فى تلك الحقبه المبكره من التاريخ الإسلامى حيثُ عاصرت القرن الثانى الهجرى سبباً فى أن تكون من مؤسسى هذا المنهج التربوي ؛ وكان الشئ العجيبُ هو كونها سيّده ؛ فقلّما ما نسمعُ في التاريخِ عن عابداتٍ زاهداتٍ قد سلكنَّ هذا المسلك ووصلوا إلى ما وصلت إليه ؛ وعلى الرغم من وجود ناسكاتٍ أخرى في عصرها مثل ليلى العدويه وأم الخير اليمنيه ؛ إلا أن رابعه العدويه كان لوقعِ كلماتها رنينا على الآذان أجمع ؛ فلم تكن فقط هي السيده العابده الناسكه التي أعرضت عن الدنيا واكتفت عن السوى بالله ؛ بل كانت منارةً أيضاً للعلومِ التي قد تعلّمتها في صغرها ؛ حتى أن الإمام ذو النون المصري وهو من هو ؛ يقول : أخذت عن الناسكة رابعه في الفقهِ ما لم أحظى بهِ على أيدي الآخرين ؛ وما وجدتُّ حالا أقرب للزهدِ إلا فيها
توفّت السيده رابعه العدويه ببيت المقدس عام 180 هجرياً
-( علينا أن نُحِب من أحبنا أولاً .. وهو الله )-
رابعه العدويه