-آنسة هيوليت. تفضلي يا عزيزتي.
قال الاستاذ بنستون.
وقف يستقبلها واشار الى كرسي امام مكتبه وقدمه لها لتجلس عليه. استدار المفتش من وقفته امام النافذة وجلس على حافتها ويداه في جيوبه. وبدا عابساً وهو بتصفحها بدقة.
بدت لين شاحبة الوجه متوترة الاعصاب يائسة. ورفعت يدها المرتجفة الى شعرها لترتبه. استدار المفتش ليبعد نظره عنها وشعرت لين بخيبة، وهي ترى ظهره ومنكبيه العريضين. ورغبت ان تضربه بقبضة يدها بشدة.
-يا آنسة هيوليت، خاطبها المدير: لدينا بعض الامور نريد ان نبحثها معك ولن نستبقيك كثيراً. اعرف انك تمارسين لعبة كرة المضرب مع الاستاذ كين مارشال اغلب الاحيان بعد الدوام. اليس كذلك؟
هزت لين رأسها موافقة. انه يتودد اليها ويساير.
-سأدخل في صلب الموضوع. انا والاستاذ يورك (نظر المفتش مستغرباً حين سمع اسمه) كنا ندرس ونحلل نتائج الامتحانات الدورية لصفوفك. وجدنا ان نتائج صفوفك اقل من مستوى نتائج بقية الاساتذة في الدائرة. هل يمكنك ان تشرحي لنا الاسباب؟
-نعم. اعتقد ذلك. اعتدنا في الدائرة ان يحضر احد الاساتذة الامتحانات لجميع الصفوف، وبالتالي يأخذ طلابي امتحانات وضعها غيري. وبما ان وسائل تعليمي تختلف عن وسائلهم، فستأتي الاسئلة بطريقة تختلف والاستاذ المسؤول عن وضع الاسئلة سيسأل عما اعطى هو تلاميذه.
سألها المدير:
-اليس هناك منهاج تتبعينه؟
-طبعاً ولكنني لا التزم به كلياً كما يفعلون وليس بنفس الترتيب.
ترك المفتش مكانه قرب النافذة وجلس في مقعد قرب المدير في مواجهتها ويداه لاتزالان في جيوبه. كان ينظر الى المكتب ويتفحص الخشب الصقيل بكل اهتمام.
-في نهاية السنة المدرسية ستنتهين من تعليمهم المنهاج المقرر.
قال دون ان ينظر اليها:
-وربما اشرح لهم اشياء اضافية اخرى.
رفع كريس يورك حاجبيه وسألها:
-مثلاً؟
قالت لين مترددة:
-انا اؤمن بالتقارير.
سأل المفتش بدهشة:
-تقارير؟ للغة الانكليزية؟
-التقارير يا استاذ يورك تحتاج للكثير من الكتابة وتدوين ملاحظات وقراءة مراجع وروايات ومسرحيات وأشعار.........
توقفت لين لتأخذ نفساً بينما مال المفتش بجسمه الى الأمام وهو يقاطعها.
-اود ان ابحث معك مسألة اخرى يا آنسة هيوليت. مسألة قراءة الشعر مع خلفية موسيقية فوق المسجلة.... كيف تساعد في تعليم اللغة الانكليزية؟
كان يتساءل بتهكم.
-حتى المواد التي كانوا يسجلونها لا تمت بصلة الى الشعر الكلاسيكي المقرر في المنهاج مثل شيللي وكيتس وميلتون. حين سمعتها لم افهم اية كلمة. وبدا لي كأن الكلمات المسجلة من اختراعهم.
-يا استاذ يورك!
هتفت لين محدقة به:
-كانت الكلمات من تأليفهم ولم تكن غامضة كما تقول.
وشعرت بحرارة في خديها لشدة غضبها:
-يوماً ما، سأريك بعض اشعارهم.
هز كتفيه كأنه يقول: حتى لو رأيتها فلست مقتنعاً بهذا الاسلوب.
-اشعارهم كلها خيال وصور جميلة. عندما يحضرهم الالهام يأتي الشعر بسهولة وعفوية كالتنفس. انه يفوق بجودته اشعار المحترفين الكبار.
-ولماذا الموسيقى؟
-لأنك يا استاذ يورك لو استمعت اليهم بتجرد، بدلاً من الاستماع اليهم بصفة المفتش الذي يفتش عن الخطأ ليشير اليه، ولو لم تكن متحيزاً لأمكنك ان تلاحظ كيف تحرك الموسيقى خيالهم وتضفي على القراءة حالة مسرحية. هذا كل ما في الأمر.
منتديات ليلاس
لم يقتنع الاستاذ يورك ولن يقتنع. كان المدير الاستاذ بنستون خارج المناقشة. امسك قلمه وبدأ يرسم خطوطاً يتسلى بها ثم نظر الى لين واضاف:
-يا آنسة هيوليت. استلمنا شكاوى من بعض اهالي التلاميذ عن اسلوب تعليمك. هؤلاء يجادلون انهم يرسلون ابناءهم الى هذه المدرسة لأنهم يرغبون في تعليمهم وفق الطرق التقليدية. ولو انهم رغبوا في الأساليب الحديثة في التعليم لأرسلوهم الى مدارس من هذا النوع.
-الطرق التقليدية..... هل تعني الطريقة القديمة المعتادة؟
تحرك المفتش قلقاً وبدل جلسته ولكنه لم يعلق.
-يقولون اننا نجري التجارب والاختبارات على اولادهم.
اكمل المدير اتهامه وقد ازعجه جدلها.
-طريقتي في التعليم مجربة وموثوق بها. انها تستعمل منذ فترة في معظم المدارس الحديثة.... اعني حديثة البناء.
تحرك المفتش حركة سريعة ولكنه لم يتكلم.
افهم ما تقصدين.
قال المدير بمرارة:
-انت شابة تنقصك الخبرة. تريدين ان ترمي كل شئ قديم مهما كان ثميناً. ولكننا لا نوافقك.
-وسائل تعليمي تعطي نتائج افضل.....
تدخل المفتش بسرعة وقاطعها:
-هل نجحت ياآنسة هيوليت؟ اذا كانت المسرحية الهزلية التي شاهدتها في صفك بعد الظهر شاهداً، فأنا واثق من انها فاشلة.
كلماته المنمقة اشعلت الحرب بينهما. استدارت لين اليه كأنها حيوان جريح ينزف دمه قبل الموت.صرخت:
-السبب هو وجودك معنا في الغرفة. كنت عنصر ازعاج وتخريب ليس للتلاميذ فقط بل لي ايضاً......
قال المدير يعتذر عن عدم لياقتها ووقاحتها:
-يا آنسة هيوليت ارجوك. لايمكنك ان تخاطبي مفتشاً في هيئة التربية الوطنية بهذه الطريقة. لن اسمح لك! عليك ان تعتذري.
-انا. انا آسفة جداً يا استاذ بنستون.
رفضت لين ان توجه اعتذارها الى المفتش. ونظرت اليه ولكنه رد اليها نظرة مصطنعة باردة وابتسم ابتسامة ساخرة كأنه يقول: انا ازعجك كثيراً! اليس كذلك؟
شعرت بمرارة لأنها اطلقت لنفسها العنان ولم تحاول ان تكبح جماح غضبها. نظرت الى المدير وخاطبته.
-طرقي مأمونة النتائج يا استاذ بنستون.
كانت تدافع عن نفسها متحدية، انها تساعد التلاميذ على استعمال عقولهم. في معالجة كل تقرير يشارك الفرد بجهوده مع الفريق. يتناقشون ويتبادلون الآراء ثم يأتي دور القراءة والبحث في المراجع والموسوعات. وبعد ذلك يكتبون بالتفصيل ما توصلوا اليه. ربما يضطرون للبدء في بحث آخر ينبثق من التقرير الذي هم بصدد دراسته.
شعرت لين ان الاستاذ بنستون يحاول ان يفهم ولكن كل شئ يسمعه كان غريباً عنه. هز رأسه وتابع هجومه:
-ليس الأهل فقط بل هناك بعض الاساتذة يتذمرون من اسلوبك.
-معلمو اللغة الانكليزية؟
-واحد او اثنان. وهناك اساتذة من دوائر اخرى...... تلاميذك يطالبون بالتغيير في اسلوب تعليم بقية الاساتذة في المواد الاخرى. انهم صادقون ويقولون انهم يتمتعون معك بدروسهم ويزعجون بقية الاساتذة ويطالبونهم بتغيير اساليبهم لتصبح اكثر تشويقاً.
ابتسمت لين ابتسامة انتصار ولكن المدير رفع يده وأكمل:
-آسف ياآنسة هيوليت. يجب ان يكون العلم سهلاً وممتعاً برأيي. ولكنه ليس شيئاً آنياً بل يجب ان يصمد في العقل ويبقى محفوراً في الذهن الى الأبد. وقد جاءت نتائج الامتحانات في صفوفك تبرهن ان وسائل التعليم الحديثة لا تثبت ذلك.
أنت تقرأ
كيف ينتهي الحلم الكاتبة: ليليان بيك
Romanceفي حياة كل منا لقاء اول. وهو احيانا كالسهم يصيب موضع القلب فيجرح بلا رحمة و احيانا كثيرة يطيش في الفضاء ولا يخلف الا ذكرى عابرة و مريرة او صدى معينا يتقلب في ليل العاصفة ولا سبيل الى الخلاص منه في معظم الاحيان..... كانت الانسة لين هيوليت تتساءل كثير...