الفصل الأول
تركض في شارع مظلم ..لا تسمع سوى صوت أنفاسهم اللاهثة حولها .. كانت تحتوى جسدها تحيطه بذراعيها لتدرئ أي هجوم محتمل من أصحاب الأنفاس العالية و التي لا تراهم .. رأت ذلك الضوء في آخر الطريق ..فحثت قدميها على الأسراع تجاهه و هى تدعوا الله أن يكون منقذها هناك ينتظرها ..أسرعت أكثر لتراه هناك كما تمنت واقفا أخر الطريق مادا لها يده ..يدعوها للتقدم نحوه و الأمساك بها ..ارتسمت على شفتيها ابتسامة راحة و أمسكت بيده الممدودة بقوة فقربها منه يضمها بحنان قائلاً .." أنت بأمان الآن لا تخافي فأنت معي و بين ذراعي " مر براحة يده على وجنتها المبتلة بالعرق ليزيله عنها برقة .. فابتسمت بحب له و هى تدني بجسدها منه لتلتصق به قائلة بهمس .
" أحبك " أحنى رأسه نحو وجهها ليلامس شفتيها برقة .." و أنا أيضاً أحبك ملاكي " كان يهم بتقبيلها عندما أنتفض جسدها و شعرت بوكزه في خصرها تخترقه لتؤلمها و صوتها يخترق حلمها قائلة بغضب ..
" أنت أيتها الحمقاء أفيقي و كفي عن أحلام اليقظة التي ستقضي عليك ..الأستاذ جواد لم يخفض عينيه من عليك طوال المحاضرة .. فيما كنت تفكرين "
نفضت ضحى رأسها تجيب بغضب و هى تملس على خصرها .. " هل هذه طريقة لتنبيهي سند لقد ثقبت خصري بأصبعك سامحك الله لقد كاد يقبلني ألم تستطيعي الانتظار لدقيقة فقط "
تخصرت سند أمامها و قالت بغلظة .." من هذا الذي كاد يقبلك آنسة ضحى ..كان لأبد أن أثقب عينك التي لم تهبط بدورها عن الأستاذ جواد طوال المحاضرة هل هو من كان معك في حلمك أيتها الحمقاء .. لقد كان غارقا معك بدوره غير منتبه للمحاضرة ..رسوبنا في مادته على يدك إن شاء الله "
سألتها ضحى مرتبكة و وجهها الأبيض يحمر خجلا .." هل كان ينظر إلى حقا سند "
ابتسمت سند ساخرة و قالت و هى ترى احمرار بشرة صديقتها المقربة مفكرة هل يا ترى يوجد شيء بين هذان الاثنان .." لا كان ينظر إلي أنا بعيوني الخضراء و بشرتي البيضاء و شفاهي الوردية "
سألتها ضحى بخجل .." هل تريني جميلة سند .. أقصد هل يمكن أن يراني أحدهم جميلة "
قالت سند دهشة .." أنت تمزحين ضحى أليس كذلك "
ردت ضحى جادة .." لا بالطبع أنا جادة في سؤالي هل أنا جميلة .. برأيك هل يمكن لأحد أن يعجب بي و يحبني "
أجابتها سند باسمة و هى ترى جدية صديقتها في السؤال .. ألا يوجد مرآة في منزلهم ترى نفسها بها جيداً ..فصديقتها محتشمة الملابس و حجابها الذي لا يظهر غير استدارة وجهها و يخفي شلال شعرها الأشقر الذي ورثته عن والدتها هى وحدها دونا عن أشقائها الرجال .. و الذي كان رأفة بباقي الفتيات الذين يتعاملون مع أشقائها في العمل و إلا كان سيتركون عملهم و يتصدون فقط لتحرشاتهن .. قالت سند بجدية ..
" بالتأكيد يا ضحى أنت جميلة فبشرتك بيضاء و عيناك خضراء لامعه و فمك رقيق وردي دون وضعك عليه لحمرة غير شعرك المختفي من يرك دون حجابك سيظن أنك لست مصرية أو عربية لولا أني فتاة لأحببتك أنا أيضاً "
قالت ضحى بحيرة .." لماذا إذن لا يتقدم لخطبتي أحد مثل باقي الفتيات .. أنت مثلاً سند ..تقدم لك هذا العام اثنان و العام الماضي ثلاثة لماذا إذن لا يأتيني أحد "
أجابتها سند بغيظ .." هل تريدين معرفة لماذا يا ضحى "
هزت ضحى رأسها موافقة ..فقالت سند و هى تنهضها عن المقعد و تأخذ بعض حاجياتها .." تعالي معي و أنا سأخبرك لماذا "
أمسكت ضحى بباقي أشيائها التي تركتها سند لتخرج معها من المدرج متجهتين إلى باب الخروج لتجد ضحى شقيقها باهر يقف أمام الباب ينتظر خروجها بتململ ..وقفن بعيداً عن نظره متخفيتان خلف شجرة و سند تشير لشقيقها قائلة بغيظ .." هذا هو السبب يا ضحى و ليس هذا فقط بل الثاني من جاء لأخذك أمس و ليس هذا فحسب بل الثالث الذي سيأتي غدا و الرابع الذي سيأتي بعد غد هؤلاء يا ضحى هما السبب أنه لا يأتي أحد ليتقدم لخطبتك لا أحد يجرؤ أن يخطو خطوة نحوك و يفكر أن يذهب لبيتكم حتى..، و يقول أين أنت يا ضحى "
هزت ضحى رأسها بحزن وحيرة قائلة .." لماذا ..لماذا سيمنعونهم من التقدم لخطبتي "
أجابتها سند بحنق .." يمنعون من حبيبتي و هل يجرؤ أحد على الاقتراب من الأساس حتى يكون هناك فرصة لمنعه .. هل تتذكرين زميلنا سامي الذي أتى يسألك عن المحاضرة للأستاذ جواد و كنت قمت بكتابتها ليأخذها منك "
هزت ضحى رأسها قائلة .." نعم أتذكره ماذا به "
انفجرت سند ضاحكة بقوة حتى أدمعت عيناها مما جعل ضحى تزم شفتيها غيظا و هى تنتظرها لتتحدث ..تمالكت نفسها قليلاً لتقول ..
" أخاك المبجل باهر هذا الذي يقف هناك ..أرسل إليه اليوم التالي في مقر عمله في المخفر و مارس عليه مهنته كرائد و رعبه و جعل دمه يهرب من أوردته و حذره إن راه يقف معك مرة أخرى سيقوم بحبسه .. وهو بالطبع أخبرني و لم يستطع أن يقف معك ليخبرك بما حدث لأنك أنت أصبحت بالنسبة له كقنبلة موقوته ستنفجر في وجهه إذا أقترب منك خطوة "
أتسعت عيني ضحى قائلة بعدم تصديق .." تمزحين أليس كذلك "
ردت سند ساخرة .." لا أقسم برحمة خالي عباس هذا ما حصل "
سألتها ضحى بحيرة .." هل لديك خال اسمه عباس "
ضحكت سند مجدداً من سذاجة صديقتها فرغم أنهن يعرفن بعضهن منذ الصفوف الابتدائية و يعرفان كل شيء عن عائلتيهن و عن بعضهن ..ألا أنها لا تستطيع التفرقة بين المزاح و الجد في حديثها .. ردت سند ضاحكة .." كان لدي و مات غيظا هيا أذهبي لأخيك المبجل حتى لا يدخل للجامعة و يحضر العميد من أذنه على المخفر ، و يسأله أين هى الفتاة.. التي هى أنت "
قالت ضحى و هى تأخذ باقي حاجياتها من سند و سرن نحو المخرج .. " حسنا أراك غداً و لا تتأخري كاليوم "
خرجن من باب الجامعة و اتجهت ضحى لشقيقها و أشارت لسند بالوداع و قبل أن ترحل هذه الأخيرة سمعت صوت باهر الخشن يقول .. " لما لا تأتين معنا سند نوصلك بدلا من ركوبك وحدك في السيارة "
التفتت إليه سند تجيب ساخرة .." شكراً لك ستشبهني إن صعدت معك يا سيادة الرائد "
عقد باهر حاجبه غضبا فقالت سند متداركة الأمر .." أقصد أنك رجل غريب و لا يجوز أن توصلني أو أركب السيارة معك هذا لا يصح "
قال ببرود .." أنت لن تكوني وحدك ضحى ستكون معنا "
ردت ساخرة .." شكراً لك يكفي ضحى طريقكم واحد و لا أريد أن أعطلك عن عملك وداعاً. "
تركتهم و رحلت فهتف باهر في ضحى بعصبية .." ماذا تنتظرين هيا أصعدي للسيارة لأوصلك للمنزل و أذهب لعملي الذي تأخرت عليه "
نظرت ضحى إليه بتعجب منذ قليل كان يعرض خدماته على صديقتها ليوصلها ما الذي حدث ..صعدت إلى السيارة و جلست بجانبه فأنطلق و هو يزفر في ضيق ..سألته بتعجب .." ما بك أبيه باهر هل هناك شيء يضايقك "
رد ببرود و هو ينظر أمامه و يضرب المقود بخفة .." لا .. لا شيء يضايقني و كفي عن الحديث فرأسي مصاب بالصداع "
صمتت ضحى غاضبة لا تعرف لما يتحول لثور هائج و شخصاً آخر كلما أتى ليأخذها و لا يطيق لها كلمة ..نظرت إليه نظرة جانبية .. ترى فمه المضموم بضيق .. شقيقها باهر هو أكبر أشقائها في الثانية و الثلاثون .. رائد في الشرطة ..جسده ضخم و عضلاته بارزة من كثرة ممارسته لعدة رياضات عنيفة كالكاراتيه و التايكوندو و الكونغ فو ..هى تظن أنه يفعل هذا بحكم مهنته في الشرطة لذلك يمارس كل هذه الرياضات لحماية نفسه .. رغم أن واحدة منهم تكفي شعره بني قصير بطول أنشين عينيه واسعة سوداء و بشرته سمراء كوالدهم جميع أشقائها يتشاركون في الشعر البني و البشرة السمراء و العين السوداء كأبيهم ماعدا شقيقها محمود فهو عينيه خضراء مثل والدته و مثلها و لكنهم يشتركون في البنية القوية غير أن عمار أنحفهم و أطولهم قامة بينما يزيد أبرزهم عضلات لممارسته المصارعة الرومانية ..و لكن جميعهم يشتركون في صفة واحدة و هى الوسامة المفرطة كوالدهم .. فوالدهم يفوق أشقائها وسامه رغم أنه في الستين من عمره .. مما يجعل والدتهم تجن من الغيرة إن رأته يحادث إحداهن أو يبتسم لها إن كانا في نادي أو في حفل لأحد أصدقائهم ..و يكون هذا اليوم في المنزل حريقا على الجميع إلا والدهم الذي لا تظهر له شيء غير بسمتها و رقتها و دلالها .. أحياناً تتعجب من عائلتها التي تحتويها بحنانها و بحمايتها حد الحصار و الذي لا تعرف له سبباً ..هل لكونها فتاة وحيدة ؟؟ أم لأنها أتت بعد أشقائها بسنوات طويلة مما جعلهم جميعاً ينصبون أنفسهم لحمايتها و تولي مسؤوليتها ..تنهدت بضيق هل لهذا حقاً لا يقترب منها أحد كما تقول سند خوفاً من أشقائها ..أخرجها صوت شقيقها المتذمر يسألها .." ما بك يا غلطة لما تتنهدين هكذا "
نظرت إليه بحدة قائلة بغيظ .." أخبرتك مرارًا أبيه باهر لا تقل لي غلطة هذه مرة أخرى "
ضحك باهر بسخرية .." لماذا يا أختي هل أخطأت أو كذبت أليس هذا ما تقوله أمي دوماً تقول أنك غلطة "
كتفت يديها بغضب فملس باهر على رأسها قائلاً باسترضاء.. " أجمل غلطة حبيبتي ..كيف كنا سنعيش بدونك ..أجمل ضحى في الكون لا حرمنا الله منك "
ابتسمت ضحى و انفرجت ملامحها و قالت .." قبلت اعتذارك يا أخي "
مط باهر شفتيه ساخرا .." اعتذار ماذا .. أنا لا أعتذر لشيء لم أفعله .. أنا لم أخطئ لاعتذر "
ضحكت ضحى بمرح من غرور شقيقها و رأسه اليابس ..
" هذه هى مشكلتك يا أخي أنت لا تعتذر حتى و إن أخطأت أتمنى أن لا تندم في يوم من الأيام "
رد باهر بغرور .." أنا لا أندم على شيء فعلته لأني عندما أفعل شيء أعلم أني على صواب في فعله "
قالت ضحى بغيظ .." أضف أيضاً العند لصفاتك يا أخي بجانب الغرور و الرأس اليابس "
قال باهر بغلظة .." هل ستظلين تعددين في صفاتي كثيرا ..أخبريني ماذا كنت تتحدثين مع صديقتك سند قبل خروجكم من الجامعة ماذا كانت تخبرك "
سألته ضحى متعجبة .." هل رأيتنا "
أبتسم ساخرا .." نعم يا أختي رأيتكم هل هناك مشكلة "
ردت ضحى بلامبالاة .." لا بالطبع فقط تعجبت من رؤيتك لنا لقد كنا خلف الشجرة مختفين تقريباً عن مستوى رؤيتك "
سألها باهر بمكر .." مختفين ورائها لماذا يا ضحى أخبريني "
ضحكت ضحى قائلة .." ما بك يا أخي هل ستحقق معي .. أقبل يد أبي لا تمارس مهنتك كمحقق علي "
ضحك باهر بمرح قائلاً .." لما تقبلين يد أبي ..قبلي يدي أسهل أنا هنا جوارك " مد لها باهر يده لتقبلها فضربتها ضحى بكفها مازحة ..
" و لم أقبل يدك هل أنت أبي أنا أقبل يد أبي و أمي فقط و مفترضا بك أنت أيضاً أن تفعل .. لما يا أخي لا أرى أحدا منكم أنتم الأربعة يفعل ذلك و يقبل يد أبي و أمي "
أجابها باهر ببساطة .." لأنك أفضلنا تربية يا حبيبتي أما نحن فلا "
سألته ضحى بتعجب .." ماذا تعني لا أفهم "
أجابها باهر بنفاذ صبر .." لم نتعود على ذلك يا ضحى كفي عن التحقيق معي "
تمتمت بهدوء حتى لا يغضب .." حسنا يا أخي مثلما تريد "
صمتا بعد ذلك إلى أن أوصلها للمنزل و أنتظر حتى دلفت للمنزل و رحل بسيارته مسرعا مرة أخرى لعمله بعد أن خرج فقط ليذهب إليها ليرجعها إلى المنزل فهم متفقون أن كل واحد منهم يوصلها و يحضرها للمنزل رغم أنها طلبت منهم مرارًا تركها تعتمد على نفسها كصديقتها سند التي تذهب وحدها .. شرد باهر قليلاً متذكرا كل أحاديثهم البسيطة التي تدور وقت يذهب ليأخذ ضحى للمنزل و رفضها المستمر أن يوصلها معهم .. كلما تذكر طريقتها اللامبالية و أحياناً ساخرة يريد كسر عنقها من شدة غيظه منها ..لم دوماً تقوم بصده و ترى فيه تهديدا لها .. ضرب عجلة القيادة بخفة متمتما بغضب.." حمقاء " ليعود و يسرع ليذهب لعمله متجاهلا كل شيء مؤقتاً ...
أنت تقرأ
هى و أخوتها 1 / صابرين شعبان
Romanzi rosa / ChickLitهى رقيقة حالمة ، تنتظر أن يأتي فارس أحلامها ، ليختطفها من وسط حصارها ، نعم حصارها ، فهى محاصرة من أشقائها ، فهل يأتيها حقاً من يخترق درع حمايتها ، ليس واحد فقط ، بل أربعة ، تتمثل في أشقائها