الفصل الثامن

787 136 185
                                    

الفصل الثامن|| اثنان في واحد

قيل (الفجر أنسامه عليلة لأنها لم تختلط بأنفاس المنافقين) ولربما كانت هذه المقولة صادقة بالقدر الذي يجعل معظم العائدين إلى الله يكون موعد أوبتهم الفجر، في ذلك الوقت الذي يستشعر المرء وقوفه مع نفسه بصدق، وتبث إليه روحه أشجانها، وتشكو إليه أحزانها، وعلى بعد خطوة واحدة من الصدق معها يكون، وعلى أعتاب حياة جديدة تحط قدماه إن هو اتخذ القرار

في ذلك الفجر الذي سجل فيه جمال عودته إلى المسجد، كان خليل على موعد بلقاء جديد مع معاذ، هناك على الجسر حيث انتظر خليلا دون أن يبين له ذلك، سلم عليه هذا الأخير بسعادة حين رآه، ليسأله بعدها مطمئنا عليه:
_كيف حالك يا أخي؟

لم يطرق هذا السؤال مسامعه منذ مدة طويلة، فمن الذي سيهتم به ليسأله ويطمئن عليه بعد أن صار ما صار؟ لم يكن لديه رغبة في الجواب، لكن توقيت هذا السؤال جعله يجيب وإن لم يكن راغبا بالإجابة:
_أنا بخير!

نطق دون أن يلتفت إليه، طالعه خليل بصمت هنيهة ثم علق:
_الحمد لله الذي مد لنا بأعمارنا إلى هذا الوقت لنعوض عما فاتنا قبلا، لذا نحن حقا بخير، وجودنا الذي بتنا نحتقره هو أمنية من سكنوا القبور، لذا مجددا: نحن حقا بخير!

انثلم جزء من الجمود الذي يسيطر على قلبه، لقد بدأ يشعر بأن كوامنه تتسلل خارجا مذ أن قابل هذا الشاب الذي لا يعرف حتى ما اسمه، يمكنه أن يقول أن هناك جزءا منه بدأ يميل إلى كلام هذا الواقف جواره، أراد أن يتحدث معه بيد أنه يدرك أن ذلك لا يكون دفعة واحدة، التفت نحوه وسأل:
_هل يمكنني معرفة اسمك؟

قابله خليل بابتسامة عريضة وأجاب:
_اسمي خليل، ماذا عنك؟

أراد أن يكون متأدبا في الحديث معه، هو يعرف اسمه قبلا، لكنه لم يرغب في أن يجعله يعرف ذلك؛ إن عرف فحتما سيدرك معاذ أن خليلا قد بلغه شيئا من سمعته السيئة، لذا من الأفضل أن يجعله مرتاحا لناحيته، أجابه معاذ بنوع من الارتياح:
_اسمي معاذ

علق خليل معبرا عن إعجابه بهذا الاسم:
_معاذ يا له من اسم جميل، إنه اسم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه

انبثقت الذكريات أمام معاذ إثر ذلك التعليق ليجيب تلقائيا:
_هذا صحيح، لقد أسماني والدي بهذا الاسم تيمنًا بالصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، ولكن للأسف أين أنا مما كان معاذ يفعله؟

معاذ بن جبل رضي الله عنه هو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن؛ ليدعو أهلها إلى الإسلام، ويعلمهم دينهم

هذا ما كان معاذ يقصده، إنه لا يرى نفسه صالحا، فضلا عن أن يدعو الناس إلى الصلاح، لكن خليلا لم يرغب في جعله يحصر تفكيره في هذه الزاوية، فقال ممهدا الحديث للمقصود:
_أتعلم أن المدة التي قضاها سعد بن معاذ رضي الله عنه في الإسلام كانت ست سنوات فقط؟ ولكن هذا الرجل العظيم حين مات اهتز لموته عرش الرحمن، وحملت جنازته الملائكة

مهلا يا صاح!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن