الفصل الثاني والعشرين

589 86 240
                                    

الفصل الثاني والعشرين|| انهيار وقلق

انبلج الضياء عقب الفجر مودعا آخر رمق من الليل، فاتحا المجال لشمس الصباح أن تطل بهيئتها البهية، وتحل ضوضاء البشر في أنحاء المدينة

لكن الهدوء الذي حظيت به طوال الليل لم يصل إلى يوسف، أمسى رأسه ضحية صداع ناتج عن تفكيره المستمر، وأفكاره المزدحمة، الموجعة، المنبثقة من تأنيب ضميره، الذي لا زال يصرخ بلا كلل أو ملل

ما إن أراد الهجوع إلى النوم حين قرر زيارته صباحا حتى أطل عليه أمجد من خلف الباب قائلا:
_لنتناول الإفطار معا، سأذهب إلى عملي بعد قليل

_أريد أن أنام فحسب

أجابه يوسف وهو يغطي رأسه بلحافه، رغم رغبته الشديدة بالتعرف على عمل أمجد، عمله الذي يظهر أمام الناس، وليس ذاك الذي يسيره في الظلام، لقد فضل أن ينام بعد أن قرر النوم أخيرا أن يرأف بحاله، رد أمجد قبل أن يعيد إغلاق الباب:
_لا بأس، سأترك لك الطعام في المطبخ، إن استيقظت قبل أن أعود فتناوله، سأعود بعد الظهيرة، وسأحضر معي الغداء حينها، سنتناوله معا إن رغبت بذلك

أغلق الباب ورحل لأنه قد تكلم بما لا يُوجِب الرد، وفوق ذلك هو يعلم أن يوسف لن يرد، وذا أراح الأخير أكثر، ليغط في نوم عميق

**********

استيقظ وقت الهجير لينهض بصعوبة، إنه يشعر كما لو أنه ضُرب في جميع أجزاء جسده، أخذ استراحة قصيرة حتى يستعيد جسده قوته، تذكر هاتفه المحمول فأخرجه من جيبه، وجد مكالمات كثيرة من عائلته ومن أصدقائه، كانت كثيرة بما تحمله الكلمة من معنى، تُبين حجم قلقهم عليه، لكنه مصر على أن يحقق ما يريد، ولو عنى ذلك إزعاجهم أو إقلاقهم

أرسل رسائل نصية لعائلته موضحا أنه لن يعود إليهم ثانية؛ إن كانت ذات المعاملة السابقة هي ما سيلقاه منهم، خرج من الغرفة راميا ذلك الهاتف على السرير، قبل أن يستقبل مزيدا من الاتصالات

تفقد المنزل ولم يجد لأمجد أثرا؛ كان واضحا أنه لمْ يَعُد بعد، وتلك الغرفة لا زالت موصدة، ذهب ليؤدي صلاته، ثم عاد إلى المطبخ يبحث عن طعام، الآن لمْ يعُد يحتمل الجوع، وقبل أن يتناول شيئا سمع صوت الباب يُفتح، أدرك أن أمجد قد عاد، إنها الثانية بعد الظهر، من غيره يمكن أن يأتي في هذا الوقت

عاد هذا الأخير مع الغداء، بدا من مظهره أنه قد مر بمنزله أولا، تناولا الغداء في صمت مدقع، لكن فضول يوسف حول عمل أمجد لم يلجمه طويلا بعد الغداء، فتح للحديث بينهما بابا بسؤاله:
_أود أن أعرف ما هو عملك الحالي؟

_إنني أعمل مستشارا لمدير شركة (العنقاء) ومديرا لأحد أقسامها، إن لم تكن قد سمعت بهذه الشركة من قبل فدعني أعرفك عليها، إنها إحدى الشركات العملاقة في البلاد، تستورد وتصدر في جميع المجالات، ولها فروع عدة داخل البلاد وخارجها، يعود الفضل في نجاحها الباهر إلى مديرها صاحب العقلية العبقرية، كما أنه أحسن اختيار إدارته أحسن الاختيار، فالواحد منهم يساوي جمعا بلا مبالغة، إنهم يسيرون الشركة وسط بحر التجارة كما تسير السفينة في عرض البحر

مهلا يا صاح!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن