الفصل الثلاثون

508 71 169
                                    

الفصل الثلاثون|| هيجان مشاعر


بات الهرب من منزله مناسبا ليسوم نفسه سوء العذاب، تنصهر روحه وسط عذاب الضمير، يوصل ليله بنهاره ليبكي قلبا يحتضر أو ربما قد مات، ويرثي شخصا قد كان فما عاد، شخص توفي وهو على قيد الحياة

سمي (يوسف) ليكون كنبي الله يوسف الصديق عليه السلام، فهل كان؟ أم أنه قد انصهر من أول محنة، وانكسر من أول ضربة، وانتهى به المطاف ليبكي على الأطلال مجدا قد كان؟ ليس له من الماضي إلا صوت يقرع في قلبه لا في أذنه، يخبره: كم أنه قد أضحى سيئا، ولتلك الأفعال الجميلة لن يعود، بل لا يستحق أن يعود!

ذكريات وأحداث، ومواقف وكلمات لا تزيد قلبه المتصخر إلا قسوة، ولا تزيد أحاسيسه إلا قتلا، ولا تزيد مشاعره إلا تبلدا، يجوس خلال حاله وفكره بالمآل فيزداد قنوطا، يتمنى لو يموت، والتفكير بالموت على هكذا حال يثير خوفه ورعبه، يتأرجح على حبل واهنٍ مضطرب، ويركب قاربا بحره متلاطم الأمواج، فيتخبط ويرتطم مرارا، ولا يعود إلا محملا بالخسائر

لليوم الثامن على التوالي بعد هيجانه ذاك يستمر بالخروج من منزله وسط صمت يفتك بعائلته المحتارة في شأنه، يلوذ بذلك المنزل الذي ائتمنه أمجد عليه مانحا إياه مفاتيحه، يفضل هذا الأخير عدم الاحتكاك به في الوقت الراهن، لا رغبة لديه بافتعال عراك آخر معه، ولكن… ولكن أسير المخدرات ذاك لا يستطيع الابتعاد كثيرا بعد أن أذلته وسرقت حريته

قرر أمجد زيارة ذلك المنزل فربما وجد يوسف هذه الليلة، ليس لديه ما يقوله له، لكنه حقا يود رؤيته، ينتابه نوع من تأنيب الضمير حياله، يدرك كم أن يوسف سعى في محاولة لإخراجه من طريقة العيش القذرة التي بات يعيشها، وربما ذا أكثر ما كسر يوسف قبل أن يتمكن من تحقيق هدفه، لا يعلم من أين أتى له يوسف هذا هو وأفكاره التي لطالما نعتها بالغبية، ولطالما قال عنه أنه ساذج ومغفل

إن تذكر الآن فلطالما حاول يوسف أن يتغاضى عن مساوئه، ولطالما حاول أن يبين له خطأ ما يقوم به، ولطالما ذكره بأن قراره بترك ما هو عليه وسلوك الطريق الصحيح أفضل له من أن يكشف أمره، ويخزى ويذل بين العالمين، ولا كرامة له عندهم ستبقى، لكنه عدَّ ذلك سخافة منه، وسخر من تفكيره (الطفولي) كما كان يصفه، وإن فكر الآن بالمعنى الذي قصده فحتما هو البراءة ولا ريب، براءة كبراءة الأطفال التي تجعلهم يفكرون بشكل مسالم، وبريء حيال ما يشاهدونه في حياتهم، رغم أنهم يسمعون كثيرا عن الأشرار في هذا العالم

نقاشاته مع يوسف دائما ما كانت تنتهي بحدة، سيما تلك التي كانت تضم حديثا عن والده، وآخر مرة تحدثوا فيها عن هذا صرخ في وجه يوسف قائلا:
إنني مخطئ نعم لن أنكر، ولكنني أيضا عانيت، أنا ظالم نعم ولكني أيضا مظلوم، لا يوجد إنسان بكامل قواه العقلية يفعل الخطأ لمجرد أنه يود فعله، وراء كل فعل لنا قصة من الماضي، وأي قصة؟ قصة معاناة وألم، إن كنت تظن أنه لا مشكلة في أن تُهان فقط لأن والدك من يفعل ذلك فالناس ليسوا مثلك، لا يمكنك جعل الآخرين يتفقون مع رأيك، دعني أخبرك بشيء واحد تذكره طوال عمرك: وراء كل مجرم في هذا العالم قصة ألم، وربما ستجد أيضا وراء كل ابن فاسد ظُلْم أب متسلط، أو أحمق لا يعرف كيف يكون أبا قبل أن يكون مسؤولا

مهلا يا صاح!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن