اب

583 35 10
                                    

"لا يوجد اب يكره ابناءه "

ضحك هازئا من تلك الجملة ..

فهو يكره ابنته ..

يكرهها بشدة ..كرها جما ..

ويكرهها لانها كانت سبب في موت محبوبته ..

فمع اول نفس يدخل صدر ابنته ..خرج اخر نفس من صدر محبوبته.

كانت صرختها مع استنشاقها اول دفقة من الاكسجين ..ليست دليل حياة وانما موت ..

وكأنها طائر الموت ..

حط علي منزله وانتزع منه اجمل ما فيه ..

لو كان بيده ان يختار عندئذ من يموت ..لقدم ابنته عن طوع نفس ...و دون تردد..

شرط ان تبقي زوجته ..

تبقي حية ..

لا يريد اطفالا ..او واجبات زوجية ..

يريدها فقط بجواره ..يأنس بها وبابتساماتها الهادئة .

لا يستطيع ان يمحى ذكرى يوم تركته..

كان يحتضن جسدها المسجى البارد يناديها باطراد لعلها تستجيب :" ياسمين ...ياسمين ..ياسمين".

كانت الدموع تنهمر من عيونه فلا يسمع ..ولا يري سوى جسدها الضئيل المتخشب بين يديه .

كانت الممرضة بالمشفي تساله :"ماذا تريد ان تسمى ابنتك ؟"

كانت لحوحة ..

ولكن لم ينتبه لها..لم يسمع سؤالها او يعى وجودها ..

كان يردد نداؤه لزوجته غير مصدقا ان كل تلك الحيوية والنشاط قد خمدت للابد ..

واعتبرت الممرضه انه يريد هذا الاسم ..

والتصق بها اسم امها الي الابد..

***
رفض الزواج ثانية ؛ فاعتنت الجدة بالوليدة ..

ولم تكد تمر سنوات قصيرة حتى ماتت الجدة .

وبات من الطبيعي ان يعتنى الاب بطفلته ..

وجاءت الي المنزل ..

تحمل ذات الاسم والملامح ..

كان كلما نظر الي وجهها حاول اقناع نفسه انها لا تشبه حبيبته ..وانما هو يهذي .

ولكن الجميع اكدوا علي الشبة بين الطفلة وامها الراحلة ..

كان التشابة مذهلا ..

وكان كلما سمع ملاحظة عن ذاك التشابة زاد من كرهه لها .

وكأنها قتلت محبوبته ..وارتدت ملابسها وتمثلت بها .

عمد علي عدم الاحتكاك بها ..

فكان تعامله معها في اضيق الحدود ..

اعتبرها غير موجوده ..
فلا دلال ولا محبة ..

ولا لحظات كتلك التى تجمع الاب وابناؤه .

فلقد اعتمد علي المربيين متعمدا ان يكون بعيدا دوما ..ومشغولا ..

حتى عندما ضاقت هى بكونه مشغولا عنها وانها تريد ان تكون بجوار والدها ..

تريد اهتماما ودلالا ..لم يكن تبريره بكونه مشغولا بالعمل مقنعا لها .

لم يكن بحاجة الي المال ..فهو لديه اكثر مما قد يطمح له يوما ..وهو لم يحب المال وانما كان اغراقه في العمل منذ وفاة زوجته سببا في ثراءه ..

ثراء لم يسعى اليه ..

ثراء جاء اليه دون رغبة منه ..

ثراء زاد مع زيادة الانخراط في العمل والذى زاد بتواجد الابنة في حياته ..

****

كانت تأتيه الشكاوى عن تحصيلها الدراسي الضعيف ..او سلوك غير مقبول ..فيجاهد الا يظهر كراهيته لها في لحظات التأنيب او التعنيف. .

فيعاملها وكأنه يعامل موظفا لديه اخطأ ..فغالبا ما كانت العقوبات مادية ..

فيتم حرمانها من مصروفات ..او ملابس او سفر او خروجات ..

ولكن لم تكن تجدى تلك العقوبات ..

فلا يستقيم سلوكها ولا تهتم بداستها وكأنه بعقابه يدفعها الي مزيد من الاستهتار .

وزادت الشكاوى ..

حتى انه ذات مرة ابدي حيرته وهو يعنفها صارخا :"ماذا ينقصك ؟ما الذي حرمتك منه؟"

وجاء الرد كالصاعقة التى تنزل علي رأسه :" اب وام".

وكأنها تصفه بالميت وهو واقفا امامها ..

زلزله ردها ..

كاد ان يضربها لولا ان منع نفسه في اخر لحظة ..

كان يعلم انها لا ذنب لها في موت امها ..كان يعلم ان من واجبه ان ينخرط في حياتها ..

ان يبدى حبا واهتماما كاى اب ..تجاة ابنته الوحيدة ..

كان يعلم انه علي خطأ في مشاعره تجاهها ..ولكنه لم يكن يملك تغيير مشاعره ؛حتى انه ذهب الي طبيب نفسي ليجاول ان يغير من كرهه لها..ولكن لم يجدي شيئا ..

والان هى تكاد تدمر نفسها بنفسها. .فقط لتعلن له انها بحاجة الي اب ..

اب ميت علي قيد الحياة ..

خواطر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن