كانت جاينى تسبح فى الماء عندما سمعت صوت سيارة تترك الشاطىء.وعندما رفعت رأسها لترى بوضوح اكثر وجدت لشدة دهشتها ان اهلها قد غادروا في السيارة من دون ابلاغها اقترب منها ثيو وقال :
- لقد غادر اهلك لزيارة عائلة سينكلير وعدتهم باصطحابك الى البيت.
- شكراً.
اجابت جاينى بصوت جاف وقد اغضبها انفرادها مع ثيو من جديد.اتهمت اهلها قلبياً بخيانتها ،فهرعت تسبح نحو الشاطىء بأقصى سرعتها كانت تعلم ان ثيو يتعبها .
وما ان برحت ان وصلت الى الشاطىء حتى امسكها ثيو من ذراعيها ضاغطاً عليها بقوة وفى عينيه شرارة غضب شديد.
- ماذا تفعلين؟
- لاشىء ...
صاحت محاولة الافلات من قبضته :
- ربما كنت ارغب فى زيارة عائلة سينكلير .الم تفكر فى بذلك؟
- ولماذا ؟قالت لى امك ان زيارة عائلة سينكلير لن تهمك فكفي عن التصرف كطفلة فقدت دميتها.
يؤلم جاينى اتهامها بالتصرف كطفلة بينما الشعور الذى يمزق قلبها هو شعور فتاة ناضجة.تملكتها رغبة في المقاومة فانهالت عليه بالضرب ثم حاولت الفرار فامسكها بعنف والقاها على الرمال، استمرت جاينى تقاوم مما ارغم ثيو على استعمال قوته للسيطرة عليها ،استغل الفرصة هذه ليطبع قبلة... لكنها لم تكن.. لطيفه بل اعتداء افقدت جاينى صوابها وشرعت تصرخ محاولة الهرب ،لكن ثيو كان مصراً على بقائها فقال:
- انك تنالين ما تستحقين.
غمر قلبها الخوف. اصبح ثيو عدواً لها وكأنها ايقظت شريراً من اعماقها .كانت جاينى توقفت عن مقاومته.سرعان ماتلاشت شرارة العنف من عينيه وحلت محلها نظرة شوق وهيام ،استجاب لها قلب جاينى ،فاغمضت عينيها واسلمت روحها له راغبة فى ان يصبحا معاً جسداً واحداً، لكن ثيو ابتعد عنها فجأة وقال:
- آن الاوان ان تعلمى ان اثارة عواطف اي رجل تؤدى الى متاعب.
- لكننى ........
اوقفها عن الكلام متابعاً:
- حتى لو انها اثارة بريئة.
تنهد ثيو ثم اضاف:
- تفقديننى صوابي ياجاينى .لكننى سأقاوم رغبتي الجامحة بامتلاكك. لاتنظرى اليّ هذه النظرة الكئيبة وكأنني طعنتك في الصميم.
- هذا ما فعلته.
- الحب طعنة لذيذة ، لكن هنالك عالم شاسع بين الحب الحقيقي والشعور الذي جرفنا معاً ، لم يكن سوى رغبة جامحة لا اكثر.
اغرورقت عينا جاينى بالدموع وشعرت بخجل رهيب
- جاينى دموعك ثمينة جداً ولا استحقها اعذرينى ،لقد نسيت كلياً قلة خبرتك في الحياة هل تسمعيننى؟
كانت جايني قد استردت انضباطها وجلست شامخة الرأس محاولة التمسك بما تبقى لها من عزة وكبرياء.
كبرياء منعها من الاعتراف لنفسها انها واقعة فى حب ثيو، وانها اعتقدت للحظات معدودة ان الشوق الذي ارتسم في عينيه دليل كاف لحبه لها. بالطبع اخطأت في حكمها ، فثيو رجل دعمته الحياة، بينما لم تكن هي سوى فتاة ساذجة اثارت فيه نزوة حيوانية، اضطرت لتحمل عواقبها، على الأقل ، تصرف ثيو تصرفاً نبيلاً وحكم عقله قبل ارتكاب غلطة لا تغتفر.
كان بوسعه ان يجردها من مبادئها، تلك المبادئ التي اوشكت ان تفقدها في اول فرصة تعرضت بها للتهديد، بدأت تقدرموقف غيرها من الفتيات اللواتي يهبن انفسهن كلياً لمن سيطر على قلبهن ، لن تشمئز منهن بعد اليوم ولن تسمح لنفسها بالخضوع لهذا الذلال مرة اخرى ابداً
- نعم اسمعك ياثيو ،لكن لاداعي لك للشرح .ربما اني جاهلة لكننى لست غبية الى هذا الحد.لقد سبق ان حذرتنى امي من بعض الوقائع الحياتية، لا بد ان اعترف اننى ماكنت اتوقع......حسناً,انه من السهل نسيانها.
- حسناً ,اذن انتهى الامر.
وقف ثيو ومد يده ليعاون جاينى على الوقوف توجها معاً الى سيارته، تجنب كلاهما النظر الى الآخر وعندما التقت عيناهما ابتسم ثيو ،ثم اقترب من جاينى وطبع قبلة على وجنتها قائلاً:
- يوماً ما، سيفقد رجل عقله لأجلك حتى ذلك اليوم لا تخاطري باثارة عواطف اي رجل كان.قليلون هم الرجال الذين بوسعهم مقاومة غريزتهم.
- تعنى ان امثالك قليلون في اي حال اشكرك
- تشكريني لأني لم استغل الموقف؟.
- نعم.
ضحك ثيو واجاب:
- لايفقد كل الرجال صوابهم اول ما تستجيب لهم فتاة .برغم انه لافادتهم الشخصية ان يتظاهروا بذلك فى اي حال فأنت فى مأمن برفقتي .ليس من عادتى اغراء فتاة فى سن الدراسة مثلك ،حتى لو اني فقدت صوابي اليوم وعاملتك كامرأة.
انكمش قلب جايني لسماعها ماقاله ثيو وتحول حبها له الى كراهية، لم تعد تريده بعد اليوم لتأخذه بينى اذا شاءت او اذا استطاعت ان تجد الطريق الى قلبه
تحول نظر جايني الى البحر بعد ان مات الحديث بينهما وطردت من رأسها كل الأفكار التي تخص ثيو.وفي المساء بعد ان اتفردت جاينى بنفسها استرجعت تفاصيل ماحدث على الشاطئ عصر هذا اليوم التاريخي . كانت ترتدي ثوباً للنوم فضفاضاً ، هديتها لعيد الميلاد من بيني.
كان رائع الجمال ويضيف اليها شعوراً بالانوثة، ارادت ان ترتديه لأنه يذكرها بالشوق المسجون في عيني ثيو، فهو ايقظ المرأة النائمة في داخلها، ارادها له فتلك اللحظات التي سرعان مانسيها ثيو، زودتها بثقة لن تفقدها قليلة حياتها (تحبه)همست بصمت احبه وكأنها تخاطب ظلام الليل ،وانهمرت الدموع من عينيها .مضى وقت طويل قبل ان تستسلم للنوم
وفى صباح اليوم التالي، كان نادي الزوارق يستعد لسباقه السنوي غص المرفأ بالمتسابقين وزوارقهم ، استعد الجميع لحضورها هذا الحدث المشوق وصلت جاينى وسام وانهمك سام بالاستعداد للسباق ووجدت جاينى نفسها برفقة كارين مور تعاونها فى بيع المرطبات وغيرها .
-ماهي الاساعة وننتهي من هذا العمل، تبدين جميلة يا جايني.
ابتسمت جايني موافقة. كانت ترتدي تنورة متعددة اللوان وقميصاً قطنياً ذهبي اللون.
- اظهر رجال الاطفاء قلقاً كبيراً هذه السنة، يخشون وقوع حرائق نتيجة الجاف الحالي، تتوق الأرض للإمطار...
واستمرتا على هذا الحال يتبادلان الاحاديث والنكات ثم قالت كارين:
- هاهو الشاب الأنيق برفقة فيل تالبوت، هل هو صديق عائلتك؟ اتعتقدين انه سيشترك في السباق.
قبل ان تجيب جايني ظهر ثيو وبرفقته بيني مرتدية بنطلوناً قصيراً وقميصاً.
سألت كارين:
- تبدو اختك رائعة كالعادة، ماهو نوع علاقتها بثيو؟.
- لا ادري بالضبط ، فثيو من النوع الذي لا يكتفي برفقة فتاة واحدة.
- يفضل احاطة نفسه بعدة حسناوات.
ضحكت كارين ثم استطردت قائلة:
- تصر امي على ان اعاشر شاباً اخر غير مارك ، لكن الحقيقة هي انني لا ارى مبرراً لذلك، ، تعرفت على مارك منذ اربع سنوات ومازلنا سوياً، اشعربشعور كبير من دونه.
ابتسمت جايني ، كارين ومارك شخصان نادران، تقابلا واكتملت احلامهما، فرفضا تغيير الوضع بينهما، سيتزوجان بعد سنوات معدودة ويعيشان سعيدين الى الابد، شعرت جايني بالحسد، فكارين لن تعرف ابداً الحزن الذي تعاني منه جايني والذي اصبح جزءاً من حياتها، يتمزق قلبها لرؤية ثيو وبيني معاً، اقتربا منها بعد لحظات قليلة وعلى وجه ثيو ترتسم ابتسامة ساخرة وفي عينيه غموض، كان الشوق الذي سكن داخلهما البارحة لم يكن سوى وهماً في مخيلة جايني ، ابتسمت جايني وردت التحية ثم همت بالذهاب عندما نادتها بيني قائلة:
-سيشترك ثيو فى السباق وهو فى حاجة لمن يدله على الطريق.ويحذره من الصخور فما رأيك ياجاينى ؟انت تعرفين الطريق جيداً.
وثيو لا يبالى .رمقها بنظرة قاسية قبل رحيله وكأنه يؤنب قلة ثقتها به.لم يربح ثيو السباق لكنه ابدع فى محاولته.وقال مارك بعد عودته من السباق:
- لو كنت املك تورووا لرحلت بها حول العالم انها سفينة رائعة ومتينة، ثيو بحار ماهر يعرف تماماً كيفية قيادة سفينته وهي تتجاوب مع طلباته.
وضع سام ذراعه فوق كتفي جاينى وقال:
- ارى انك تحتاجين لشراب مرطب ياجاينى فماذا تفضلين؟
- عصير الليمون .شكراً ياسام.
ذهب سام لشراء العصير وتوجهت جاينى برفقة كارين ومارك للجلوس تحت
ظل الاشجار فقالت كارين:
- انظرى ياجاينى الا تعتقدين ان بينى وثيو يتمتعان برفقة بعضهما؟
القت جاينى نظرة سريعة واجابت :
- نعم يبدو انهما ينسجمان معاً الى حد بعيد.
- يتمتع كلاهما بحسن المظهر ، بيني اشبه بعارضة ازياء وهو قرصان اسمر جذاب، مثير وشديد الثقة بنفسه .
اطلقت كارين ضحكة ثم اضافت:
- انه مثير جداً مماجعله لا يناسبني ابداً ، فهو يملك شخصية صعبة الاستيعاب، اما بيني فتناسبه اكثر لأنها تعرف كيف تتصرف مع الرجال ، بالنسبة اليّ ، افضل رجلاً مثل مارك ، مجرداً من الغموض، سهل المعشر وبعيداً عن التعقيد .
اعجبت جايني بالطريقة التي وصفت كارين بها ثيو وتساءلت كيف تغير الموضوع قبل ان تلاحظ كارين صمتها المشكوك به.
فتنهدت بارتياح عند رجوع سام ودار الحديث حول مواضيع مختلفة، لكن كيفما واينما نظرت جايني حولها وقع نظرها على بيني وثيو يقضيان وقتاً ممتعاً ، وحين رست في المرفأ آخر السفينة،كانت جاينى قد فقدت ما تبقى لها من الجهد جسدياً وعقلياً، حتى الألم داخلها قد اخفته .كان من السهل كما اكتشفت ان تخفى كآبتها وتتظاهر بالفرح ، لكن سام سألها مستفهماً:
- هل انت بخير؟
- طبعا لماذا؟
- تبين لى انك منزوية على نفسك اكثر من العاده لم يسبق ان لازمت الصمت الى هذا الحد من قبل
اجابت جاينى بقسوه:
- تعلم انك لست مرغماً على الخروج برفقتي .
تنهد سام وقال:
- لا شك ان الوضع تغير بيننا، لا يبقى شيء على حاله كما تعلمين، اعتقدت ان صداقتنا ستستمر فى النمو لكننى اخطأت ،فانت تغيرت كثيراً ياجاينى، كما اننى لم اعد الشخص نفسه.
- اذن؟
- اذن لنترك الامور تأخذ مجراها الطبيعى.
وعندما انفردت جاينى بنفسها بدأت تستعد لحفلة المساء.ساورها شعورحزين ان صداقة الطفولة التى جمعتها مع سام لسنوات عديدة اوشكت ان تنتهى. فكما قال سام : كل شيء يتغير وهي فعلاً تغيرت الى حد بعيد ، ثيو كارينغتون هو السبب ، ارتدت ثوباً للسهرة يناسب قامتها ولون بشرتها .لكنها احتارت كيف تصفف شعرها فجأة دخلت بينى الغرفة:
- دعينى اصفف شعرك.
وماهي الا لحظات حتى حولت بينى شعر جايني الى تسريحة تتناسب مع الثوب وتضيف اناقة لم تألفها جاينى من قبل
- تبدين رائعة، دعينى احضر لك بعض ادوات الزينة.
ذهبت بينى واحضرت قرطاً وبعض ادوات التجميل وعندما انتهت كانت جاينى اشبه بحسناء رائعة، فقالت بينى والابتسامة تعلو وجهها:
- لن يعرفك سام .انتبهي ربما تكون الصدمة قاتلة.
ضحكت جاينى وهى تنظر لنفسها في المرآة تبدو مختلفة تماماً.
شعرت بسعادة لا توصف ،خاصة ان ثيو سيراها على هذا النحو.على الأقل لن يتذكرها كما تبدو عليه عادة اشبه بصبي في بنطلون قصير وشعر مهمل وغادرت عائلة باودن لحضور حفلة نادي الزوارق ،اعطت بينى علماً لاهلها ان ثيو سيتولى امر احضارها الى البيت بعد الحفلة، كانت بينى تتألق فى ثوب رائع.فلا حاجة لها لأي مساعدة اضافية لتحسين منظرها، وتذكرت ماقالته بيني فانكمش قلبها واضطرت لاخفاء وجهها كي لا تبوح عيناها بالألم العميق الذي يعذبها
كان الطقس مازال حاراً، لكن نسمة الهواء الآتية من البحر كانت تلطف الجو ، وفي طريقهم الى الحفل تأملت جايني الطبيعة حولها ، مازالت الأرض تنتظر الامطار بفارغ الصبر
- نحتاج للامطار بشدة.
قالت جوي وكأنها قرأت افكار ابنتها ،زيل الحصاد يملأ الغابة ، اتت به الحرارة والجفاف باكراً هذه السنة.
توقفت السيارة عند مدخل النادي وتوجه الجميع الى الداخل . الهواء يفوح برائحة اللحم المشوي ، والفرقة تعزف موسيقى يرقص لها القلب ،اجتمع شمل جاينى وسام ومارك وكارين وغيرهم من الاصدقاء .اظهر الجميع دهشتهم لما تبدو عليه جاينى من روعة وسحر.اما سام فلزم الصمت ،لم تعارض جاينى صمته بل رحبت به لانها كانت تتجنب الحديث عن علاقتهما.وفي زواية مامن القاعة كانت بيني برفقة ثيو.
رمقتهما جايني بنظرة سريعة وحاولت ان لا تكررها ، من الطبيعي جداً انهما يقضيان اسعد الأوقات معاً.
سالها سام وهما يرقصان:
- مابالك لا تتكلمين؟
- آسفة ياسام اعلم اننى رفيقة مملة
- للحقيقه افضل صمتك على الاستماع الى كارين طيلة المساء ،لاادرى كيف يتحملها مارك.
نظرت اليه جاينى بدهشة، لم يسبق لسام ان كان لاذعاً بكلامه من قبل فأجابته :
- امر اعتاد عليه الا تعتقد انها امسية ناجحة؟
- ياعزيزتى .امسية رأس السنة تنجح دائماً .
- يظهر ان الجميع يقضون وقتاً ممتعاً
- على الاخص ثيو وبيني.
اومأت جايني برأسها وغيرت الموضوع ،خلال الحفلة رقصت جاينى مع والدها .ثم وجدت نفسها بصحبة مجموعة من الاصدقاء بينهم ثيو وبيني ، كانت جايني تحتسي شراباً من عصير لاحظت ان بينى يغمرها السرور والبهجة، وفي عينيها بريق لا يهدأ، تساءلت جاينى عما يجري في حياة شقيقتها التي كانت دائماً مسيطرة على حياتها العاطفية، ويبدو الآن انها استسلمت كلياً لسحر ثيو وباتت سجينته ما بالنسبه اليه فيصعب قراءة افكاره.كان وجوده يملأ القاعة ، ترى ماهو السر وراء جاذبيته التي لا تقهر .
لاحظت جاينى امرأة تحاول لفت انتباه ثيو ، كانت في متوسط العمر ، نحيلة وانيقة، وحين التقى نظرها بنظر ثيو اقتربت منه قائلة:
- سيد كارينغتون! انا ساره تورنر.لقد تقابلنا خلال حفلة اعدها الناشرون لترويج كتابك الثانى
ساد الصمت بينما تابعت السيدة تخاطب الجمع الذى يحيط بثيو:
- امر مثير وجود السيد ثيو برايدى فى رفقتكم ،اتنوي اصدار كتاب جديد محوره هذا المكان ياسيد كارينغتون؟منتديات ليلاس ريحانه
أنت تقرأ
البحار الساخر (مكتوبة)
Romanceالثقة بالنفس ليست دائماً ورقة رابحة، والقوي ليس باستمرار قوياً على قلبه... ثيو كارينغتون ، البحار الساخر احبته نساء كثيرات، لكن قلبه بقي حراً مستقبلاً، حتى جمعته الصدفة بجايني باودن، فتاة في سن دراسة، تختلف كثيراً عن اي امرأة عرفها ثيو من قبل. أحبته...