*سنين تمر ، دهر يصير كالثانية ، أحلام بعضها يصبح حقيقة و البعض سرابا ، جروح قد تتداوى و أخرى تبقى مطبوعة في الكيان ، نتناسى ، ولكن في ظرف لحظة قد يقع ما يعيدنا بالذاكرة إلى الوراء ، لوهلة تعود النيران للاشتعال ، تستيقظ المشاعر ، و يعلن القلب أنه لم ينسى و لن ينسى أبدا إلى أن يتوقف نبضه.*
وردة كانت هي وسط الأشواك ، تضيء ظلمته ، و تحيي ما كان فيه ميتا ، صدرها الدافئ كان له ملجأ من كل هم، بسمتها المشرقة كانت له بلسما يهدئ من روعه و يغويه لتتلاشى جميع ذروعه أمامها.
غابت عنه فغابت شمسه ، هو من قرر ذلك أو ربما في الحقيقة لم يكن له خيار غير اتباع مشوار أبيه و الانتقام له ، عيناها الدامعتان و هي تترجاه أن يعيد النظر ، أن لا يتبع ذلك الطريق، لا تزالان مطبوعتان في خياله، اختار أن يبتعد كي لا يضرها لكنه في الحقيقة فعل العكس . لم يعي بذلك إلا بعدما رأى جتثها الهامدة، انكسر كل ما بداخله ، هي التي كانت تهمه حقا، هي التي ربته و كانت له أكثر من أم، اعتنت به ، أغرقته حنانا و حبا، رغم كل ما كانت تقاصيه مع أبيه لم تظهر له ذلك يوما ، كلما توعك و أصابه غم كانت تقابله بأحضان مفتوحة، هي الوحيدة التي أظهر لها ضعفه و حاجته للرعاية كأي إنسان آخر. حضر جنازتها مقررا أن ينتقم، كان أول من أذاقه العذاب هو نفسه ، قرر أن يغرق في العمل ، يتعمق أكثر في عالم سلب منه أعز ما كان يملك .
نسي أخته التي بدورها ضاقت مرارة الفراق، أولا أبيها الذي مات مقتولا ، و بعده عشيقته التي كانت بالنسبة لها أكثر من ذلك، هي لم تتعرف يوما على أمها فقد تم نفيها وهي في سن الأربع أشهر بتهمة الخيانة ، و لكن "سارة" عوضتها عن حنان الأم ، كل ما كان يدور في ذلك القصر كان شنيعا جدا ، ما كان لها أن تفهمه ، كل ما علمته أن "سارة " التي أجبرت على أن تعيش معهم ، لم تعبر يوما عن غضبها لأبناء معتقلها ،عاملتهم و كأنهم فلدات كبدها، و لكن رغم ابتسماتها لهم ، كان بإمكانهم ملاحظة الحزن الذي يعتري عينيها الزرقاوتان ، تحمل أسرارا قد كشفتها حين كانت تلفظ آخر أنفاسها ، بترج قالت له :
" أرجوك يا فلاد....جدها ....أمضيت عمري حبيسة في قصر والدك ... لم أجرأ يوما على أن أبحث عنها خوفا من أن يفتك بي و بها....حين تلقاها ... أخبرها أن تسامحني ..."
هذه آخر كلماتها ، ظلت عالقة في ذهنه ، ربما كانت وصية وجب عليه تنفيذها ، لكنه اعتبرها آخر همه ، فما ترك له والده من قضايا معلقة و مشاكل دولية كاف بأن يلهيه عن أي شيء آخر .نسخة طبق الأصل عن مربيته ،هذا ما جعله يبتعد عنها هلعا ، كيف لذلك أن يحصل، هل يمكن أن تكون ابنتها التي تخلت عنها ، ربما نعم و ربما أنه قد فقد صوابه و أصبح يهلوس.
:" ماذا تعني بتوقف قلبها.."
:"..سيدي، وجدتها غائبة عن الوعي ...و نبضها ضعيف ....ما إن أخرجناها حتى توقف قلبها...."تجهم وجهه و احمرت عيناه مدبا الرعب في أوصال محادثه ، ليقول مرتجفا:
" سيدي ... لقد حضر الطبيب و هم الآن يحاولون إنعاشها..."
استقام حاملا نفسه نحو الغرفة ، الطبيب يستعمل الصاعق الكهربائي لعل ذلك يوقظ قلبها من جديد ، يراها و هي تهتز فوق السرير ، للحظة يحس بوخزة في صدره و كأنما هذا المشهد قد آلمه
"آخر محاولة"
يقولها الطبيب و قد وضع الجهاز مجددا آملا أن تدق نبضاتها... تتوقف أنفاسه و هو يلاحظ آخر محاولة يائسة لاسترجاعها، يعود ليزفر بقوة بعدما يلمح تخطيط القلب و قد صار طبيعيا ، ارتياح باد على ملامحه و هو يخاطب الطبيب الذي يوصيه بالاعتناء بها لضعف صحتها.يقترب أكثر ، يجلس بمحاداتها و يتأملها فقط للحظات، اللعنة كم تشبهها، ينتفض من مكانه لشعور غريب قد اجتاحه ، يزيح نظره عنها ، يزفر بقوة ثم يخرج .
***************
في مكان ما أشبه بحديقة، زهور ، أشجار وزقزقات الطيور ، عبير يملأ المكان، تتأمل جيدا هذا المنظر الخلاب ، تحوم حول نفسها و تجري ضاحكة ، تتوقف و تنظر للسماء الصافية و تقول:
"يا إلهي ، لابد أنني في الجنة.."
صوت ما يهتف باسمها ، تنظر من حولها ، لتلمح امرأة ذاث ثياب بيضاء ، تكلمها من بعيد :
"سحر...أنت بأمان يا عزيزتي .."تفتح عينيها بصعوبة، ضوء أبيض ساطع يشوش الرؤية ، تأخد وقتا لتستوعب أنها محاطة بأجهزة طبية، غالبا أنها في المستشفى، تحاول النهوض لكن الألم ينغصها، "سحقا لقد كنت في الجنة، لما عدت "، تنظر من حولها ، ثم تقول بنبرة استهزاء و ألم ، " كيف لي أن أزور الجنة و قد قتلت شخصا"، تدخل الممرضة مبتسمة ، تقرأ الاستفهام البادي على ملامح تلك التي تحاول النهوض، تستوقفها قائلة:
"لا ، لا فقط استريحي، لا تزالين متعبة "
تسألها بثلعثم :
" هل أنا في المستشفى؟"
تنظر الأخرى لها مطولا ، ثم تجيب :
"لا... أنت في القصر ...أحضروك بقلب ميت ... استطاعنا بأعجوبة إنقاذك.."هذه الكلمات، تدخل سحر في مداولة مع نفسها " عن أي قصر تتحدث؟، هل أعادوني لمونيكا و دافيد أم ماذا؟ سحقا ، لما لم أمت وأرتاح.."
*****************
لاتزال مستلقية فوق هذا السرير، تورم جانباها لكثرة النوم، لا تنهض إلا لقضاء حاجتها أو لأجل حصة المشي مع الممرضة الثرثارة، كلامها الكثير سبب لها طنينا في الأذن ، تتحدث عن كل شيء و لا شيء ، لا تستمع لها إلا حين يكون الموضوع عن أصحاب القصر،
علمت أنها لا تزال عند ذلك المتوحش و يبدو أن له عائلة تسكن هنا، هذا ما حاولت استنتاجه من كلام رفيقتها المبهم .*****************
الساعة : 11 ليلا
المكان: مستودع ضخمتجلس و قد أرهقها الانتظار ، بصعوبة استطاعوا تجميع جزء كبير من البضاعة ، قال رجاله أنه سيلقاهم هنا عند التاسعة ، و قد مرت ساعتان و لم يظهر له أثر.
لا يكف عن التأفف ، يتحرك بجميع الاتجاهات لشدة ثوثره ، يقول :
"اللعنة مونيكا، يبدو أنه لن يحضر"
تنظر له بدورها و تجيب بثقة:
" إن لم يأتي فنحن سنذهب له"
يرن هاتفه ،ليجيب بسرعة:
"سيد كريس، أتحاولون خداعي "
صوته الواثق أفزعه ، قال محاولا تمالك نفسه:
"ماذا تعني؟"
يجيبه بتحد:
" قلت أسبوع و البضاعة كاملة، ليس النصف و حسب "
"لكن.."
قاطعته مونيكا ، خاطفة الهاتف منه لتصرخ قائلة:
" اللعنة عليك ، سأجدك بنفسي و حينئذ ، لن أرحمك"
ضحكته المستهزئة أججت غضبها ، لم يدع لها فرصة لتكمل كلامها حتى ينقطع الخط
تضرب الهاتف بالأرض و تشعل سيجارة محاولة تهدأة نفسها ، تتلفظ بأبشع الشتائم، تقف لوهلة و تقول لكريس :
" لن أستسلم، سأذيقه المرار ، يظن نفسه قادرا على تحطيمنا ، لكني لن أسكت له، هذه المرة لن نغفل عن أي شيء"
تجلس في مقعدها ، غارقة في أفكارها ، مخططاتها تحتاج وقتا للتنفيذ ، لكنها ستتحقق عاجلا أم آجلا، شقاء عمها لسنين لن يضيع بسبب ذلك المغرور ، لقد وعدته أنها ستنتقم لما فعل بهم و ستفي بذلك.هااي يا حلويين 👋 ، حاولت أشرح في هذا الجزء تصرفات "فلاد"و أتعمق أكثر في وضعيته العائلية .... ما هي تعليقاتكم و توقعاتكم ؟؟😊
☝☝ سارة و فلاد الصغير👶 😁إذا أعجبكم الباارت لا تنسوا التعليق و التصويت ❤😍
ترقبواا المزيد من التوضيح و الأحداث في الأجزااء القادمة 💪💪💋
أنت تقرأ
السحر الغامض
Romanceمقتبس: فقط لو أنه قتلها منذ البداية لكان مطمئما الآن ، سافر و ابتعد لوقت طويل ، لكن لعنته ترافقه أينما حل و قد حان وقت المواجهة ، لن يستمر في الفرار كالفأر ، عليه فك لغز سحر غامض قد ألقته عليه. ...ليرتاح من سواده ، أراد أن يأخد من نورها، لكنه عوض...