الجزء 14:فرار

15K 576 51
                                    


*كل عسر يكون بعده يسر، مهما اشتدت الصعاب فلابد أن تنفرج،  داخل ذلك السواد الحالك سينبعث ضوء ينير الطريق كي نستطيع الاستمرار.*

لم تظن يوما أن الملل قد يرهقها لهذه الدرجة، كم تكره هذه الغرفة المهترئة ، فقط رائحة الدواء التي تخنقها و بعض المعدات و هذا السرير الرث الذي أصبح منضغطا لكثرة جلوسها عليه،" متى سأخرج من هنا؟ "، سؤال تطرحه كل مرة لمدة العشر أيام فتتلقى الإجابة نفسها :"قريبا"

تنظر من حولها ، عليها الخروج من هنا وإلا جنت ، طيف ذلك الذي تسببت في موته  لا يفارقها  ، الكوابيس تأرقها، الندم و عذاب الضمير ينغصانها ، إذا لازمت هذه الغرفة يوما آخر ستفقد صوابها ، الممرضة لا تترك الباب مفتوحا أبدا، فكرت و دبرت ، هذه فرصتها الأخيرة للنجاة ، ليس لها خيار آخر.

تدخل الممرضة حاملة صينية الطعام ، تضعها فوق المنضدة و تقول مبتسمة:
" صباح الخير عزيزتي"
تجيبها بنفس النبرة:
"صباح الخير"
" كيف حالك اليوم؟"
تقول مستهزئة:
" أنا بخير منذ عشرة أيام ، لا أفهم، لست بحاجة للعناية ، لما لا زلت هنا"
تنظر لها و تقول بجدية:
" لم يحن وقت خروجك بعد ، لا يزال عليك إجراء بعض الفحوصات "
تبتسم لها سحر بمقت، هي لن تبقى إلى الأبد منتظرة إجراء هذه التحاليل ، تعلم جيدا أن ذلك لن يحدث ، يبقونها هنا إلى أن يقرر الآخر التخلص منها، لكنها لن تستسلم ، ستفعل كل الشيء للفرار ، تدفع عمرها ثمنا لتنعم ببعض من الهواء المنعش ، اشتاقت جدا لخيوط الشمس الذهبية، للتمعن في تلك السماء الزرقاء و  غيومها ذات الأشكال، حقا فقط الآن تحتاج لتلك الحرية التي افتقدتها منذ زمن طويل.

تقترب منها الممرضة لتطعمها ذلك الحساء المقيت،ما أن تنتهي حتى تحمل  نفس الإبرة التي تحقنها لها طيلة الفترة الماضية، تقاطعها سحر قائلة:
" أشعر بالغثيان ، هلا أحضرت لي ذلك الدلو من فضلك"
تضع الإبرة جانبا مستجيبة لطلبها، تحملها سحر ، ما أن تحس الأخرى بها حتى تغرسها في يدها ، إنها حقنة منومة ، تنظر لها الممرضة بصدمة ، تقول لها سحر مترجية بعيون دامعة:
" سامحيني .. ليس لي خيار آخر "
تغط بين يديها في نوم عميق، تزيل ثيابها بسرعة و تلبسها ، اللعنة لقد صارت تملك عقلا إجراميا، انطبقت عليها مقولة من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم، نظرت لها للحظة و قد اكتسحها شعور الذنب مجددا ، لكن ما باليد حيلة، لابد لها أن تكون أنانية إن أرادت أن تنجو بنفسها، تقدمت نحو المخرج ، أدارت المفتاح  في القفل ففتح الباب ، تقدمت خطوتين ، ألقت بصرها في المكان قليلا ، حرسان يقفان في الرواق ، يبدو أنهما يتناقشان في موضوع ما ، تشبث بالصنية التي تحملها ،تقفل الباب و تتنفس بعمق، حاولت أن توازن مشيتها،و تخطو بثقة ، لم يستوقفها أحد ، لم يكثرثوا لها، تصل إلى نهاية الرواق ، ماذا الآن ، تنظر من حولها فتلمح المصعد ، تكبس الزر ، الأواني التي على الصينية تتحرك لشدة رجفانها ، مرت عليها دقيقة وصول المصعد كالدهر، تحمل نفسها إلى الداخل و تكبس على كل الأزرار بشكل عشوائي ، تريد الخروج من هنا و بشدة، تحرك المصعد و لم يتوقف إلا عند الطابق الثالث، تمشي بثباث ، قلبها يخفق بقوة ، تخاف أن يسمعوا نبضاته فيكتشفوا أمرها ، تخطو و حسب لا تعلم أين تتجه، صوت يخترق طبلة أذنها كالصاعقة:
"هاي أنت"

تتصلب في مكانها ، دموعها تكاد تنهمر، و وقع الخطوات التي تقترب منها يدفعها للجنون ، تحاول التماسك ، تقف أمامها فتاة في مقتبل العمر ذات شعر بني ، تنظر لها لوهلة ثم تقول :
"إلى أين أنت ذاهبة ، المطبخ في الاتجاه الآخر"
تتنفس بقوة معلنة عن ارتياحها، تجيب بثلعثم:
" ااه، انا آسفة ، لقد نسيت..."
ترد عليها الأخرى بابتسامة :
"لا بأس ... لابد من أنك جديدة أليس كذلك... لكن لم تخبرني العمة " مارغريت" بأمرك.."
تحاول أن تجد أي عذر لتنسحب بسرعة، تعرقت يداها لشدة ثوثرها، تقول محاولة كثمان خوفها:
" نعم .. لقد حضرت هذا الصباح ..."
تبحلق فيها الأخرى قبل أن تردف:
" جيد .. ما اسمك.."
يا إلهي لقد طالت هذه المحادثة كثيرا ... تكاد المسكينة أن تفقد وعيها من القلق..بارتجاف:
" ...سحر.."
بابتسامة تزين محياها ، تمسكها من ذراعيها و تقول:
" لا داعي للثوثر سحر... أنا دايانا...لابد أنهم أخبروك عني و يبدو أنهم نسوا أن يقولوا أني صديقة جميع الخادمات هنا ... لذا عامليني على هذا الأساس ... حسن.. اتفقنا؟"
تبادلها الابتسامة و تبتعد عنها متحججة بضرورة العودة للعمل ، تسرع في خطاها ، حتى تصل المطبخ ، لحسن حظها المكان خال، تضع الصينية و تستكشفه بعينيها،  تلاحظ باب في الجانب الآخر، فتمضي نحوه مسرعة فتفتحه ، تظهر لها  الحديقة ، ريح خفيفة تداعب ملامحها،و أشعة الشمس الدافئة تمنحها بعضا من الطمأنينة ، لا تحس بنفسها إلا و هي تتوجه نحو ذلك المخرج الكبير ،فيوقفها أحد الحراس ، تريه شارة الممرضة، يقرأها بتمعن ، فتقول بتلكئ:
" أريد الخروج من فضلك، حدث أمر طارئ"

ينظر لها للحظات، و يتحدث في اللاسلكي، لابد من أنه سيعتقلها الآن، تتفاجأ حين ترى الباب يشرع على مصراعيه، و لا تعلم كيف حدث ذلك ، يبدو أنه يوم حظها، فلتغتنمه إذن، تنطلق ببطئ ، و تقف أمام الشارع للحظة ، تنظر أمامها ، غابة كثيفة ، لا تصدق أنها خرجت بهذه السهولة، فتتقدم  حين تسمع ضجيجا ينبعث من خلفها، لابد من أنهم اكتشفوا أمرها، حينها تطلق ساقيها للريح و تدخل الأجمة دون أن تنظر ورائها.....

هلا حبايبي ..👋شكرراا كثيير على دعمكم الي بيحفزني ..😍 لمعلوماتكم أنا أكتب قصة قصيرة أشارك بها في مسابقة ... إذا كاان بإمكانكم المرور عليها 😁❤
إذا أعجبكم ما أكتب ... صوتوا له 😂... 💋

السحر الغامض حيث تعيش القصص. اكتشف الآن