|01|

35.6K 2.1K 442
                                    


~الوقت الحاليّ~

تمسح العرق الذي تجمّع فوق شفتيها الجافتين لتزفر بتعب وتغرز المجرفة في التربة مرّة أخرى كي تصنع حفرة من أجل شجرة الكمثرى الجديدة التي اشترتها جدّتها.

الشمس تُنهِكها أكثر من الجهد الذي تبذله لكنها تُقاوم أشعتها الحارقة، بل وتستمتع بها إلى حد ما. فقد عاشت سنواتٍ من حياتها لا تُغادر بيتها خلال النهار بسبب حساسيتها من ضوء القرص الأصفر في السماء ولا خلال الليل لأن شعرها الأبيض يعكس ضوء القمر ويفضح وجودها.

وقتُها في العالم الخارجيّ كان محدودا في بضع لحظات قبل الشروق وعِند الغروب تقضيها في حديقة والدتها التي اعتنت بها من أجلها وزرعت فيها كل نبتة أمكنها النمو في مناخهم، فقط من أجل أن ترى ابنتها قدر ما تستطيع من العالم الذي لا يمكنها الوصول إليه.

لكن ليس بعد انتقالها للعيش مع جدتها هيلين. في السنوات الأولى كانت هيلين تحرص على ألا تتجاوز حفيدتها عتبة كوخها الموجود على أطراف مدينة للبشر، ثم أتعبتها سِيلا بعنادها فسمحت لها بالتجوّل حول البيت إلى أن أصبحت الآن تتسلل مرة أو مرتين في الشهر إلى سوق البشر بدافع الاستكشاف.

«ادخلي قبل أن تتتأذي، سِيلا!».
نادت بنبرة قلقة ونظرُها يتناوب بين حفيدتها، موقع الشمس في السماء والأشجار المحيطة.

«لا يزال الوقت مُبكرا! سأُنهي وضع هذه في التراب وأدخل!»
صاحت سِيلا من الحديقة وأسرعت من الحفر حتى تُنجز على الأقل نصف مهمتها قبل اقتراب مُنتصف النهار، الوقت الذي لا يُمكنها فيه احتمال الأشعة فوق البنفسجية حتى إن حاولت.

دسّت الجزء السّفلي من الشجرة الصغيرة في الحفرة التي صنعتها ثم ردمتها بالتراب جيّدا حتى لا تميل ساقُها، رشّت عليها مقدارا كافيا من الماء ووقفت تتأمّل عملها بابتسامة فخر.

نادت جدتها للمرة الثانية فهرولت إلى الكوخ بعد أن أعادت أدواتها للمكان المخصص لها، مستودع ليس بكبير مصنوع من الخشب متوضّع على يسار الحديقة.

«أنظري لـحالِك!».
شهقت جدتها حين رأت آثار الحروق الحمراء التي كانت على خدّيها وجسر أنفها رغم أنها ارتدت قبعة واسعة الأجنحة. باقي جسدِها سلِم نوعا ما، عدا ظهر يديها.

«أنا بخير».
طمأنتها بغمزة تلتها قُبلة على الجبين ثم توجّهت للحمّام لتغسل العرق والقذارة من عليها.

عند انتهائها، تجنّبت النظر مع إنعكاسها في المرآة كما عادتها وأخذت مرهما لجدتها حتى تضعه على حروقها لِتُسرّع عملية شفائها. فهي لا تملِك القدرة على التعافي بسرعة كغيرها من اللايكان.

جلست هيلين على كرسيّها الخشبيّ الذي صنعه من أجلها زوجها الرّاحل بينما تربّعت حفيدتها كالآلهة البوذية على البساط مُسنِدة ذقنها فوق ركبة جدتها.

سِيلا ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن