روتين ماريا
أنا الآن جالسة مع أمي وأبي في حديقة بيتنا، نستمتع بهدوء مساء جميل، كل مافيه يبعث على ارتياح النفس.
أبي كان يعزف لحنا جميلا على قيثارته التي لا تفارقه حيثما حل وارتحل، وأمي جالسة وعيناها تحدقان في قصة بين يديها.
أما أنا كنت منشغلة باحتساء فنجان قهوتي وأذناي تطرب للحن أبي الشجي والممتع.فجأة سمعت رنات متتالية أقلقت راحتي وأفسدت متعتي، استيقظت مذعورة وأنا ألعن تلك الرنات، لتفت أبحث عن مصدر الصوت لأجده هاتفي، اللعنة عليه أيقظني من حلمي الجميل الذي لطالما تمنيته أن يكون حقيقة، أن أعيش بين أحضان أبي وأمي كأسرة متكاملة متحابة، حتى الحلم لم يكتمل عاكسني الحظ فيه بتلك الرنات.
يا ليتني بقيت نائمة أحلم طول بقية حياتي كأهل الكهف، فلست بحاجة لأن أفتح عيناي على واقع مرير .
سمعت صوت أمي وهي تناديني، لقد تأخرت على العمل.قفزت من فراشي، ثم أسرعت إلى الحمام، غسلت وجهي بسرعة، فتحت دولابي لأختار فستانا ليوم آخر ، وقع اختياري على فستان جميل لونه بنفسجي لبسته، سرحت شعري الطويل الكستنائي وأسدلته على كتفي، رششت رشتين من عطري المفضل ثم وضعت مكياجا خفيفا يناسب ملامحي الحادة.
أنا فتاة عشرينية ذات بشرة بيضاء كالثلج لذا ينادونني بسنوهويت، عينان واسعتان عسليتان وحاجبان عريضة جميلة، فم كالخاتم تعلو وجنتاي الحمرة كلما خجلت من موقف أو حين أتسكع بين شوارع لندن الباردة.سمعت نداء أمي مرة أخرى وهي تنادي.
- ماريا أين أنت لقد تأخرت يا ابنتي عن عملك؟ الفطور على المائدة
أجيبها:
- حاضر أمي أنا آتية بسرعةنزلت السلالم وكأن احدهم يطاردني إلى أن وصلت لغرفة الطعام حيث كانت رائحة قهوتي تنبعث من فنجاني أغرتني إلى الجلوس بسرعة واحتساء رشفة منها.
سمعت أمي توبخني قائلة :
-ماريا لن تتغيري خذي قطعة خبز مع الجبن أولا
أرد عليها:
حاضر أمي أعرف كلامك لتأكلي جيدا حتى لا تمرضي حفظت الأسطوانة.تناولت فطوري بسرعة، طبعت قبلة على خذ أمي لأتجه صوب الباب، لكني سمعتها تطلب مني أن أرتدي جاكيت خفيف، ناولتني إياه خاذمتنا المحبوية صوفي، لبسته بسرعة وأقفلت الباب ورائي متجهة للعمل.
لم يكن مكان عملي بعيدا عن البيت، لذا كنت أفضل الذهاب إليه راجلة وأنا مستمتعة بمشاهدة المتاجر بين شوارع لندن الرائعة.
أنا فتاة مهووسة بالملابس أتابع آخر صيحات الموضة وأنواع العطور التي أعشقها، أشاهد ذلك يوميا وأنا سائرة أردد لحن أبي الذي أسمع أمي تنشده دوما.
وصلت إلى حيث عملي في بناية تضم شركات مختلفة، أعمل كمحاسبة لشركة السياحة، مديرها يتسم بالحزم والصرامة لا يتساهل معي إن تأخرت ولو دقيقة.
ألقيت التحية على زملائي في العمل، ودخلت بسرعة إلى مكتبي الذي كان يطل على أحد متاجر الملابس، تخلصت من "جاكيتتي"بعد أن علقتها على المشجب.
أخرجت من الدرج ملف البارحة لأكمله، لم أشعر بالوقت إلى أن رن الهاتف، لقد طلبني المدير، أسرعت الخطى إليه سألني عن الملف أخبرته أن ينتظر دقائق وسيكون عنده إلا أنه ألح أن أسرع.
رجعت إلى مكتبي وقررت أن أتابع العمل و أن لا أفكر في الجوع، رغم أن عصافير بطني بدأت تزقزق، حاولت نسيانه، مضى وقت دون أن أشعر حتى أنهيت واجبي، طرقت الباب دقات خفيفة، أذن لي بالدخول وسلمته الملف بعد أن شكرني على ذلك.
بعدها عدت إلى مكتبي حيث وجدت صديقتي ليفيا في انتظاري وقد أحضرت سندويتشات أيضا لي، أكلنا بنهم لشدة الجوع وأتبعناه بعصير برتقال، تجادلنا أطراف الحديث عن العمل وما بقي لنا من ملفات لنغير الموضوع حول آخر فستان إشترته وما تشتهي شراءه في الأسبوع القادم سألتها :
- ليفيا ما رأيك أن نخرج معا في آخر الأسبوع لتفقد آخر ما يوجد في السوق.
ردت قائلة:
- ألم تملي من شراء الملابس ماريا دولابك يحوي الكثير سوف يشتكي منك لشدة ما أثقلت عليه.
عقبت عليها ضاحكة:
وهل البحر يشبع ؟ دولابي مثله يتسع لكل ملابس لندن.أكملنا العمل كالمعتاد بعد استراحة الغذاء إلى أن حان وقت الخروج، استعد كل واحد للمغادرة وقد أخذ حاجياته مسرعا صوب الباب وكأننا كنا في سجن، ألقينا التحية على بعضنا البعض بسرعة، أما أنا خرجت مع ليفيا بخطى بطيئة بين شوارع لندن كانت أعيننا على المتاجر تبحث عن الجديد إلى أن وصلت إلى البيت، ودعت صديقتي لتكمل هي طريقها.
استلقيت على كنبة بالصالة، وجدت أمي تتابع مسلسلها المفضل، كانت عيناها تحدقان في التلفاز لم تشعر بقدومي، لقد أخذتها أكيد أحداث المسلسل.
خاطبتها بعد أن ألقيت التحية قائلة:
ماما لقد حضرت مابالك أين الشاي أريد كوبا ؟
ردت قائلة:
اطلبي من صوفي أن تعده لنا فقد كنت أنتظرك لنشربه معا.تحلقنا حول المائدة لنحتسي الشاي مع بسكويت وقطع الخبز المحمص اللذيذ مع الزبدة، تناولنا الطعام ونحن نتبادل أطراف الحديث حول أحداث اليوم وكيف كان نهار كل واحدة منا.
طبعت قبلة على خذي أمي وصوفي الحنونة لأصعد إلى غرفتي، وألقي بنفسي على سريري الذي يحتويني بكل ما في من أحزان وأفراح ذكريات وأحلام المستقبل. هو سريري من يحضر على بكائي وألمينمت بعد أن قبلت صورة أبي التي أحرص دائما على أن تبقى بجانبي لأنام وأستيقظ على رؤيتها، ألقيت عليه التحية وأطفات النور استعدادا ليوم آخر.

أنت تقرأ
اليتيمة سنوهويت
Romanceسنوهويت أنا تلك الفتاة التي جاءت للدنيا وفتحت عينيها لتعيش حياة دون أب مما جعلها تساير حياة صعبة و تواجهها بكل صمود وتحدي لتحقيق حلم عاشت عليه. هذه أول رواية لي على الموقع أتمنى أن تروقكم وألقى دعمكم وتشجيعكم💕