في مدينة الملاهي

205 11 2
                                    


في مدينة الملاهي

مرت باقي أيام الأسبوع بسرعة، كان جاك ينتظرني فيها كل مساء عند خروجي من العمل ليوصلني إلى البيت، وغالبا ما كان يدخل ليحتسي معنا الشاي حتى اعتادت عليه أمي وصوفي لمعاملته الطيبة وحديثه الشيق، أحيانا كنت أناوله قيثارة أبي ليعزف عليها فنطرب كلنا لسماعه.

جاء موعد خروجنا اتفقنا على أن يكون ذلك في الصباح الباكر حتى نستغل كل الوقت، استيقظت باكرا وبدأت بتحضير نفسي، كان يوما مشرقا جميلا فجو لندن غالبا ما يكون كئيبا شمسه لا تظهر إلا في الصيف.

نظرت في المرآة لأرى كيف أبدو بمكياج خفيف، إرتديت سروالا مع كنزة وانتعلت حذاء رياضيا، أخيرا أخذت حقيبتي ونزلت السلالم بسرعة كعادتي فعصافير بطني تزقزق من الجوع، وجدت صوفي وأمي على المائدة قبلتهما وما إن أردت الجلوس حتى سمعت رنة جرس الباب.

ذهبت مسرعة لأفتح الباب، بدا لي جاك وسيما مع عطره الذي ملأ البيت وهندامه المتناسق، دعوته للفطور فانضم إلينا لقد أصبحنا نعتبره كفرد من الأسرة، صببت له كوب فنجان من القهوة، بينما أمي بدأت تحكي له كيف قضت حياتها مع أبي كعادتها وهو يصغي لها دون أن يمل، المسكينة والدتي تعيش على ذكراه فقد كان حبها الذي لن تنساه ولم تجده في أحد غيره.

أنهينا فطورنا وخرجنا بعد أن ودعنا أمي وصوفي، أطبق علي بذراعه بكل حب ولهفة، تمشينا باتجاه سيارته ففتح لي الباب جلست وأنا سعيدة كل السعادة به، جاء جاك ليملأ حياتي فقد اكتفيت به من الجميع لأني وجدت فيه كل ما كنت أبحث عنه، نعم جاء ليرى حزن الأشياء وهي بداخلي ليبدلها أملا وحبا فيغير مجرى حياتي.

أخذنا طريقنا باتجاه مدينة الملاهي بعد أن شغل لي موسيقتي المفضلة، يعرف أنني أحبها هادئة ذوقنا لم يختلف كان مثل بعض، لم تكن المدينة تبعد كثيرا عنا تقريبا حوالي كيلومتر بضواحي لندن لذا لم نشعر حتى وصلنا في الحال، أوقف سيارته داخل مرآب ترجلنا باتجاه الملاهي، لقد كانت غاصة بالسياح من كل صوب أتوها للاستمتاع بعطلهم في نهاية الاسبوع.

وقع اختيارنا على القطار السريع أخذت مكاني بحانبه، انطلق القطار وصدى الصرخات المفزعة تسمع في الفضاء مدوية مع الهبوط والصعود، حينها التصقت به خوفا من السقوط رغم الاحتياطات المستعملة لدرجة اني أتشبت بهدومه، انتابني شعور بداخلي اتجاه جاك، لأنه أصبح بالنسبة لي كل شيء في حياتي هو أبي وأخي الذي يخاف علي من السقوط.

مغامرتنا هذه في القطار السريع أشبعت رغبتنا في خوض المخاطر، ونحن مستمتعان شعرت بالجوع التفت إليه قائلة.

- جاك عصافير بطني تناديني لنقصد أي مطعم هنا نتاول فيه غذاءنا.
رد مبتسما:
- حاضر حبيبتي في الحال فكم من سنوهويت عندي.

اخترنا مطعما يرتاده معظم السياح تغذينا فيه واستمتعنا بلحظاتنا، كما أخذنا صورا هنا وهناك إلى أن أحسسنا بالتعب وبدأت الشمس بالمغيب معلنة عن قدوم الليل.

ركبنا السيارة استعدادا للعودة وفي الطريق راقني منظر البحر عند غروب الشمس، كم يبدو رائعا ودون أن أشعر صرخت قائلة:

- جاك أوقف هنا أريد التمتع بجمال البحر حبيبي.
أجابني جاك:
- على مهلك سنوهويت أفزعتني ظننت أنك رأيت شبحا حاضر حبيبتي في الحال أنا ايضا يروقني ذلك كثيرا.

أوقف سبارته ومشينا بعدها جريت نحو الشاطىء وهو ورائي إلى أن وصلنا، كم هو جميل منظر البحر يسلب الروح وأنت ترى أمواجه المتلاطمة بين مد وجز، فمده يصب على الشاطىء كمية الغضب ليتنفس الصعداء ويتراجع عند الجزر وهو راضي، أخذني جاك بين ذراعيه كالبحر ليصب في كل أشواقه ويلتهم مني حتى يرتوي.

لعبنا وجرينا على الشاطىء، كنت أرشه بالماء وهو كذلك حتى تبللنا قليلا، لقد عشنا تلقائيتنا بكل حرية دون أت نتقيد بشيء، ولما أخذا منا التعب كثيرا عدنا أدراجنا الى السيارة، لم تمر نصف ساعة حتى وصلنا إلى البيت. ضحكت علينا صوفي فقد رأتنا مبللين كما سعدت لسعادتنا.

ودعت جاك ليذهب إلى فندقه المجاور لبيتنا، بينما أنا صعدت لأستحم وأغير ملابسي استعدادا لنومة هادئة. نمت هذه الليلة مطمئنة النفس بعد أن حكيت لأبي كل ما حدث وأغمضت عيناي لأستقبل يوما آخر لا أعرف ما يخبئه لي، وهل ستدوم لحظات السعادة ؟ أم ستكون هناك مفاجآت.

اليتيمة سنوهويتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن