مكالمة من غريب

118 8 9
                                    

مكالمة من غريب

هذا المساء هطلت فيه الأمطار بغزارة، جلست على كنبتي المعتادة بالقرب من أمي، أنظر من خلفي لأتأمل قطرات المطر من النافذة دون ملل ..... فهي تستهويني وتريح أعصابي تذكرني بطفولتي البريئة حين كنت ألعب تحت زخاتها ما همني أحد ولا شغلني حب.

وبينما أنا شاردة الفكر إذ بأخي وجون انضما إلينا بعد أن دخلا وهما مبللان...... قامت حينها صوفي بإشعال المدفأة لأن الطقس كان باردا وبينما هي تحرك الحطب راقني مشهد نيرانها وهي تتراقص وكأنها لوحة فنية كما سرحت في جاك تمنيته لو كان بقربي لكنا سعدنا بلحظاتنا ..... ليفيا كانت قد وعدتني أن تحضر لقضاء معنا نهاية الاسبوع حتى تستمتع هي الأخرى وتكسر روتينها اليومي لكنها تأخرت.

لا أعرف لماذا لم تأتي بعد ؟ ربما والدها مريضا بقي بالي منشغلا بها إلى أن سمعت طرقات على الباب فتحت لها صوفي...... ألقت التحية وأخذت مكانها بجانب الفريدو الذي بدوره فرح بقدومها..... أعرفه هو يحبها لكنه كعادته كتوم وكبريائه يغلب عليه......لم أشعر إلا وجون اقترب ليجلس بجانبي بدأ يحدثني عن نفسه وحياته لم أعترض كنت أسمعه وفكري قد سلبه جاك أفكر في وروده التي أرسلها إلي .

لم أنجدب لجون رغم أنه شخص وسيم هادىء الطباع لكن قلبي مع جاك فقد سحرني ببريق عينيه لن أنساهما ما حييت ..... وانا متأكدة أنه يبادلني نفس الإحساس.... كل الأماكن التي ارتدناها مع بعض تشهد على ذلك حتى حبات الرمال التي مشينا فوقها بجانب البحر تحتفظ بذكرياتنا...... ظللت على هذا الحال لم أغفو من شرودي حتى قدم لي جون كأسا من النبيذ قائلا لي :

جون : أعتقد أن جميلتي سنوهويت بالها ليس معي وأنا أثرثر كالأبله .
انا : معذرة فقط هو إرهاق العمل طول الأسبوع ونفس الاشياء تتكرر معي.
جون : معك حق فالإنسان يلزمه التغيير، عليك بالسفر حتى يتجدد نشاطك عزيزتي
انا : سأفكر في الأمر حالما أحصل على عطلة لأرفه عن نفسي.
جون : أرجو أن تأتي إلى أمريكا على الرحب والسعة ستكونين معززة مكرمة في ضيافتي.
أنا : أشكرك كثيرا فعلا أنت شخص مميز وخلوق لكن لم يخطر ببالي يوما الذهاب إلى أمريكا فغالبا ما أختار ضواحي لندن .
جون : العفو المهم فكري في الأمر ولن تندمي فأخوك سيكون بجانبك ليس هناك مما تخشينه عزيزتي .

بقيت ساكتة دون أن أجيبه وإن كنت في قرارة نفسي أريد فعلا الذهاب..... لعلي أعثر على جاك وأنظر في عينيه جيدا لأبكي على صدره مؤنبة إياه لتخليه عني بل وعن حب لن يتكرر.

طلبت مني أمي ان أعزف لها كالعادة حين نكونوا مجتمعين.... أحضرت قيثارة أبي وبدأت أعزف والكل صامتا مستمتعا ومتأثرا في نفس الوقت ..... لم أتمالك نفسي فذرفت دموعا غصبا عني لقد أيقظت أحاسيسا ستظل قابعة كجمرة تنهش في فؤادي وأنا أتخيل أبي ليته كان معنا .... كلما كبرت إلا وشعرت بالفقد أكثر .

استأذنتهم لأصعد إلى غرفتي أحب الاختلاء بنفسي حين أكون على هذه الحالة .....نظرت من الشرفة أتذكر جاك عندما كان يراقب تحركاتي كم كنت متلهفة إليه ومازلت فقد وجدت فيه بعضا من أبي ..... لن أكذب على نفسي فغيابه أثر في قلبي وأوجعه حتى بات يجر روحا خجلى وهو يعصر شبق النهش في أغوار الفقد تحت خيبات الأمل مختزلا حلمي الذي عشت من أجله.

استلقيت على سريري رغبة في النوم كم تمنيت أن لا أستقيظ بل أظل نائمة كالأموات على الأقل هم لا يفكرون .....فجأة رن هاتفي ذعرت ولم أتمالك نفسي وأنا أرد على المتصل دون معرفة من .

انا : من جاك عفوا من المتصل ؟؟
أعدتها مرارا دون أن أسمع الرد وبعدها أقفل هاتفه ، لكن قلبي كان يحدثني أنه جاك .
لماذا لم يجب أكيد هو متردد فما فعله معي لم يكن هينا ولن أسامحه بسهولة.....فكما أرق مضجعي وجعلني أتألم سأعيد له الصاع صاعين ......وبينما أنا أستعد للنوم دخلت ليفيا إلى غرفتي وهي مستغربة لخلودي الى النوم مبكرة سألتني:

ليفيا : كيف تتركيننا سنوهويت هل ستظلين تعانين.؟ عيشي حياتك فأمامك جون يتمنى لو تصادقيه.
انا : ولكن كيف لي أن أتصنع الحب مع جون وقلبي لم يعد ملكا لي ليفيا؟
ليفيا ؟ أرى ان تختاري من يهتم بك ويقدرك لا من خذلك وتركك حبيبتي
أنا : ربما أنت على الحق ولكن هذه أنا لن أتغير فمحال أن أنافق أحدا وأجامله وأعيش حياة زائفة.
ليفيا : ستتعبين سنوهويت فالزمن تغير وما عادت الحياة كما تتخيلينها في عالمك حاولي أن تعيشي الواقع.

الكل يريدني ان أعيش كما يريدون لا كما ترغب نفسي لا يهم إن أغتربت عن ذاتي ....استأذنتني ليفيا طابعة قبلة على جبيني ومتمنية لي ليلة سعيدة .... قبل أن أطفأ النور التفت إلى أبي لأجده بدوره يبدو عليه الحزن فقد تأسف على زمن ما عاد له مكان للمثالية فيه.

نمت وكلي أمل أن تستقبلني أيامي بما ترغبه نفسي لا بما يخططونه لي ....

اليتيمة سنوهويتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن