أخضر أزرق

83 14 7
                                    

تتعثر كلماتي هنا ، أمام لون الموت المتسلل في هذه الأوراق الصغيرة ، كأنما هو سم زعاف تجرعته طويلا ظنا مني أن رؤية كتابي مطبوعا على الرفوف قد تشفي غليلي .

خفت وهج الكتابة لوهلة و بدا لي أن كل كلماتي لن تعيد بث الروح في القتيل بين يدي ، ما أنا فاعل بنفسي ؟

تحركت تلقائيا نحو النافذة الصغيرة التي عبرت منها كل هذه الفضلات الملفوظة المرفوضة من ذوقي البائس غير القادر على انتقاء الحروف ، ما الذي حجبته عني هذه النافذة ؟

تركت الأوراق المزرقة بفعل مغادرة الروح و رحت أجمع الأوراق المتسخة بخليط المطر و المدر و ومضات الفكر ، التربة في حديقتي ما عادت صالحة للزراعة و أنا الذي اعتقدت أنها التربة التي أنبتتني .

أ تراني صرت فاسدا كهذه التربة ؟

ما هزتني طوال الأيام الخوالي صورة الأوراق المرمية هنا ، و ما شغل بالي حال الأعشاب الصغيرة في هذا الفناء ، أ تراه سقم قد مس روحي ؟

أحث قلمي أن يكتب لي و يستخرج من باطني جواهر الفكر الثمينة ثم يطليها بطبقة لغوية مذهبة لكنه يفشل دائما و أبدا ، لا لشيء و لكن لأن الروح الجرداء و القلب المتصحر لا رجاء لهما في إضافة شيء لهذا العالم فما بالك أن تستوطنهما نبتة مدللة  كالكتابة .

و أبادر بالسؤال مجددا ، ما كانت وظيفة نافذتي ؟

أنا الناشئ تحت ظلال الزيزفون و بين أحضان الزيتون ، أنا القريب للنبات في طبيعتي حرمت نفسي نور شمس اعتقدت يوما أنها تشرق من أجلي ، وضعت رأسي و نسيت أن نموي يكون نحو السماء فوقي ، أنا الذي يرمي إلى جوفه بكل ما يقع على يده أحارب قضايا المجاعة و سوء التغذية ، أ تراني أنا الذي انشغلت بأقلامي عن أهلي أكتب عن العلاقة و القطيعة ، ثم أ تراني أنا الذي ألقيت بذور جرجير بإهمال أخاطب الناس بضرورة الاهتمام ، و أخيرا أنا القاتل هنا ، أتحدث عن قيمة الجمال ؟

أ تراني فقدت روحي تحت وطأة الكلمات ؟

تتعثر الكلمات مجددا أمام هذا الخراب الذي سببته ، ناسيا و متناسيا أن الحياة الثانية -حياة الكتاب و القراء- التي كنت أطالب بها  تكمن في ما نكتب ، و أن حشو الرفوف بالأوراق المسودة و الفارغة رغم ذلك لا قيمة له ، متجاهلا تماما أن أولئك الذين علقت أسماءهم أمامي جدلوا قصائدهم في ساحات الوغى و خاطوا نصوصهم في معترك الحياة ، الكتاب الهاربون من الواقع إلى زوايا مظلمة تصلح للكتابة عن الخمول غير قادرين على القتال بأقلامهم و لا على رفع أي قضية إلى مستوى أعلى من ارتفاع ورقتهم عن سطح المكتب .

تبادرت إلى ذهني فكرة وحيدة ، تبا لكل الأحلام الأدبية ، سأزور أبي و أحضر بذور جرجير سليمة ، لن أكتب بعدها عن حياة لم أعشها   .

400 كلمة 😂💔

بقلم من فضة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن