إتخذت نور طريقها فى حزن وهى تسير فى حديقة ذلك القصر بمفردها بدون حذاء بلورى وقد ذبلت جميع الزهور المتساقطة والمبعثرة فى الساحة، ترتدى فستانا بسيطا اسود اللون ومطرز بأزهار صغيرة يبدوأن ذلك العالم الذى تعيش به هو نهاية الكابوس...
تسير بقدمتين ضعيفتين لا تقدران على حملها لتسقط على الأرض تبكى وتبكى لا تقدر على التذكر والنسيان بالقرب من المسبح، تسمع صوت خطوات ليلى وضحكاتها :نور.. نور.... لتنظر ورائها فتجد افعى كبيرة تتجه نحوها بسرررعة تلف وتدور حولها تنظر اليها كما لو كانت فريستها..
لتقف نور والفزع يملأ قلبها الضعيف وتأخذ خطوات للخلف مستعدة للركض لا تعرف أى طريق ستسير ولكن مهما بلغت تلك السرعة لن تستطيع الهروب أو المواجهة لتحكم عليها قبضتها وتعضها من رقبتها تلتف حول ساقيها لا تستطيع الحراك لتسقط على الارض .. تصرخ وتصرخ ...
كل ما استطاعت فعله هو ضربها بصخرة استطاعت حملها من الارض لينفك القيد فى لحظة أودت بها فى ذلك المسبح وهى تنزف تنظر لفوق لترى" ليلى " تضحك وفمها تسيل منه الدماء
آخر شئ تراه هو صديقتها " ندى" غارقة فى قاع المسبح مقيده بسلسلة من حديد ملتصقة بثقل فى القاع لتغمض عيناها ويمتلىء المسبح كله بالدم....
هكذا أنهت الكابوس الذى أرادت انهائه واستيقظت منه فى فزع تتنفس بسرعة وقلبها لا يتوقف عن النبض، فى تلك الساعة.
وبعد أن جمعت شتات نفسها تركت السرير لتغسل وجهها من آثار النوم والبكاء وتتوضأ للصلاة وفى كل سجدة تجد الراحة التى تبحث عنها لا تريد القيام تشكو بثها وحزنها إلى الله..
لم يحس أحد عن ما بقلبها سوى أمها.. القلب الذى سكنت به دوما..
-نور؟! ما بك؟! منذ أن وصلتى وانت لاتكلمى أحدا؟!
أين خاتم خطبتك؟! اضااااع منك؟!
* لا.. بل رميته
تفاجئت أمها مما تقوله : ماذاااا؟ اتمزحين؟!
* ماما فاطمة.. اتبدو ابنتك هكذا وهى تمزح يا ماما فاطمة..
احتضنتها أمها وهى تجلس على سجادة الصلاة: ماذا حدث؟! أخبريني اتشاجرتم؟ اضايقك عمرو فى كلامه؟
* لا كل ما فى الأمر أنه كان صريحا وأنه كان عليه أكثر صراحة من قبل...كان عليه أن يخبرنى منذ وصوله فى المطار انى ماعدت بقلبه.. لا تخافى ماما سأكون بخير..
- نور لا تقلقينى بنظرياتك الفلسفية ولا تصنعى فى رأسى العديد من علامات الاستفهام.. انظري فى عينى واخبرينى الحقيقة كاملة...
أخبرتها نور بكل شىء منذ الرسائل التى لا تجد لها ردا حتى لقائه بالأمس..
ولكن لم تخبرها شيئا عن ندى أو ليلى
- ايظن انى هديته بك أم ماذا؟! لينهى الأمر بتلك البساطة انت اغلى من الدنيا وما فيها.. ولأنه فقير فى الحب خسرك.. لا تحزني ستظلى اميرتنا مادمت حية أنا واباك ... سيأتي يوما تقابلين فيه رجلا انتى ملكة قلبه الوحيدة.
*لا هذا يكفى، كفى كلاما عن الزواج وعن الدراسة وعن العمل.. لقد سأمت من تلك الحياة وضاقت بى الدنيا سأسافر سأرحل..
- إلى أين بدونى؟!
*سأخبرك فيما بعد ولكن أين جواز السفر؟
- ماذا تخفى عنى يا نور.
* أنا لا أخفى عنك شيئا ... الأمس كان يوما حافلا لقد سجل المدير أسمى فى مسابقة للأفلام الوثائقية ستقام بالخارج وعلى قضاء شهر فى أى بلد للتصوير والتحضير
أنها فرصتى لذلك لا تتكلمي مع" عمرو " أرسلى له تلك الهدايا وانسوه معى..
"جرس الباب يرن "
قامت نور :سافتح الباب
-حسنا وعندما يعود والدك من العمل لنتحدث عن كل تلك المفاجئات
كانت "ندى " فى ذلك الوقت وفى يدها طبق من الحلوى مغلف كالعادة وهى تبتسم ..
- نور كيف حالك؟ ماما صنعت بعض الزلابية وأرسلت لكم البعض.
رفعت نور يدها لتراها وهى خالية : تعرفين بالفعل كيف حالى اطرقتى الباب من أجل الزلابية أم أن هناك شىء تريدين قوله.. هل ستتكلمين معى عن العمل أم الحياة العاطفية..؟! لماذا لا تخبرينى أيضا عن يومك الحافل بالأمس وبمن قابلتى؟ لعله الرجل الذى أردت لقائه..
تنهدت ندى بضيق : كالعادة تعرفين ما يدور بعقلى.. كالعادة تبحثي عن مبررات حتى تحكمى جيدا .. اتريدين الحديث هنا أم بالخارج؟
فتحت لها الباب وقالت : انتظرينى هنا ساغير ملابسى لنذهب بالخارج ونتكلم سويا..
****************
السادة ركاب الطائرة...
برجاء ربط حزام الأمان استعدادا للهبوط بمطار مدريد
هكذا انتهت رحلة روبن رحلته عبر المحيط ، ضمن ركاب الدرجة الأولى ينظر من النافذة ليرى العالم بشكل مختلف والصورة بزاوية أخرى بعيدة عن البشر زاوية يرى بها طائر محلق فى السماء بين السحب، تلك الساعات التى قضاها تبدو كالجنة وكانه سافر عبر الزمن منظر النجوم التى تتلألأ وضوء القمر وقت الشروق والشمس تبتلع الكون بأكمله، تغير الطقس بين ثلوج أمريكا وشمس إسبانيا. لا كلمات ولا صورا تصف ما يشعر به الآن، ولا لوحة فنية ممكن أن تصف هذا الإبداع
رحلة هادئة من غير مدير اعمال، حتى فنجان القهوة لديه طعم مختلف..
العالم يبدو أنقى واصفى من أى وقت مضى بالرغم أنها ليست المرة الأولى ولكنها من أجمل اللحظات التى ليس من السهل تكرارها وليس من السهل أيضا نسيانها..
و الأرض بألوانها الخضراء وجبالها بدأت بالظهور، لون المحيط ومعالم المدينة أيضا بدأت تحمل إليه الذكريات..
بمجرد أن هبطت الطائرة بالمطار ارتدى نظارة شمسية سوداء كبيرة تخفى ملامح و وشاح اسود اللون حول رقبته لعلهما يخففان التوتر ويقللان زحام المعجبين والصحفيين ولكن لامفر .
فبمجرد أن وصل إلى صالة المسافرين بالمطار حتى اتجهت عدسات المصورين نحوه والمراسلين وبما فى ذلك المعجبين يلتفون حوله ليحصلوا على توقيعات .
ليقف حائرا لا يعرف ماذا سيفعل من شدة الزحام ليعلم النعمة التى كان فيها فى الخارج" أين هو مدير اعمالى والحارس الشخصى والسيارة الخاصة أين هم الآن؟! " لقد تهورت فى قراري بدونهم "
فقط لوح لهم وابتسم ابتسامة لطيفة لهم : لقد أخذت رحلتى وقتا طويلا جدا تغير فيها العالم ومن المؤكد أنى تغيرت أيضا....
وبمثل الشغف الذى لدى عن تلك البلد من المؤكد أن لديكم نفس الشغف عن حياتى هنا وعودتى أيضا
ساناقش مدير اعمالى عن مؤتمر صحفى لطرح الأسئلة و الإجابات...
الآن اعذرووونى..
أكمل طريقه بخطوات سريعة اشبه بالركض ليبتعد عن الكاميرات التى تطارده بنفس السرعة التى يسير بيها
انتهت المطاردة عندما وصل الى الخارج.. يحاول إيقاف سيارة أجرة لتقله قبل أن يعود إلى تلك النقطة مرة اخرى و قلبه ينبض بسرعة لا يقدر على التكلم من صعوبة التنفس بسبب الركض ووجهه يتصبب عرقا.
ولكن ما انقظه فى تلك اللحظة لم يكن سيارة الأجرة أو قدميه السريعتان، بل سيارة حمراء مكشوفة BMW430i
صاحبها شاب وسيم شعره اسود وعيناه زرقاوتان يقاطع الحديث مبتسما :
" انصحك بالركوب أن كنت تريد رحلة لطيفة فى اسبانيا"
نظر إليه روبن وأبتسم : "هنرى؟! " واو.. كالعادة تظهر فى آخر مشهد،
وضع الحقائب بالخلف وفتح الباب ليجلس عالكرسى
* ياااااا...لقد اشتريتها هذة السنة ليس لأنك صديقى ولانها اول مرة منذ عشر سنوات ساسمح لك بهذا..
- ساعوضك بسيارة أخرى تختارها من سياراتى
* أين؟ أين تلك السيارات؟! أين هى؟.. توقف عن التفاخر "انريكى "وارتدى حزام الأمان.. أنا لست ذلك السائق الذى يلتزم بسرعة ثابتة ويحترم قواعد المرور
- لم أسمع ذلك الاسم منذ مدة؟!
ارتدى هنري النظارة الشمسية السوداء و انطلق
بالسيارة للامام متجها لفندقه الخاص له ولعائلته
فحياااته لم تكن مختلفة عن حياة "انريكى" المال والثروة والسيارات والدراسة الفرق الوحيد أنه أمير فوالدته المتوفية كانت قريبة للعائلة الحاكمة..
لم يكن طريقه سهلا للشهرة لذلك التفت أكثر ناحية ادارة الاعمال...
لم يكفا الصديقين عن الحديث طوال الطريق..
********************
أما هاتان الصديقتان يقفان كالعادة بالقرب من النهر فى الصباح ينظرون إلى الضفة الأخرى كلا منهما لا يعرفان كيف يبدآن الحديث..
مرت بعض الدقائق لتبدأ ندى بالحديث : حسنا من أين أبدأ الحديث؟! وأى حقيقة ستكون أقل دهشة؟!
ردت عليها نور فى حزن : أريد الحقيقة كاملة يا ندى..
بلا تغيير ولا خفايا، أريدها كاملة..
اقابلتى عمرو البارحة؟! أن قابلتيه لماذا لم تخبرينى؟!
نظرت إليها ندى فى دهشة : خفت عليكى.. أن اقول تلك الحقيقة التى من الممكن أن تجرحكى ، لذا واجهته هو طلبت منه أن يكون صريحا فى مشاعره...
* اتظنين انى تلك الفتاة الضعيفة؟! تقوى وتنهار من الكلمة.. ولماذا عليه إلا يكون صريحا كيف علمتى بوجوده من الأساس ؟! ردى على كيف علمتى؟!
- منذ يومان عندما تقابلنا بعد الاجتماع عندما ذهبتى لإحضار المظلة رأيته من النافذة يقابل امرأة أخرى
* ماذا من هى؟! ردى؟!
رن هاتف ندى وسط الحديث لترى من المتصل أنها "ليلى " حركت يدها ناحية نور لتكمل حديثها : المرأة التى تتصل الآن...
ابتسمت نور بحزن بعد أن علمت بتلك اللعبة التى كانت تلعب بها دوما، بعد أن علمت بمكرها وأنها كانت الضحية الوحيدة هنا وكيف استغلت "ندى " لتخسر نور كل شىء حتى صديقتها : توقيتها مثالى فى كل شىء حتى تلك اللحظات التى أرادت فيها الكشف عنها، ردى عليها لنرى ما أرادت قوله وماحملته لنا اليوم من مفاجئات..
ردت ندى على المكالمة وقامت بتشغيل الميكروفون :
* ألو ندى؟! كيف حالك؟
-بخير
*لم نتقابل منذ مدة... ما رأيك فى أن نتقابل الليلة ونتناول العشاء
-أين؟!
* فى مقهى بالقرب من المحطة سانتهى من العمل عند الساعة الثانية
- ماذا عن نور؟!
* أعتقد أن نور لديها عمل كثير اليوم سيكون من الصعب عليها المجيء معنا.
- حسنا لنتقابل..
أقفلت الخط ونظرت إلى النور : الآن بعد أن أكتملت الصورة ماذا ستفعلين؟!
* وضع النقاط وفق الحروف ورسم الخطوط بيننا جيدا، وضع النهايات بدلا من انتظارها
أنت تقرأ
بحبها اهتديت ❤
Romanceبين الشرق والغرب اختلافات فى الفكر والروح وحروبا بالقلم قبل البنادق فماذا عن حروب الحب كالقطارات نحيا فى خطوط متوازية نلتقى ونتقابل ولكن لكل منا طريقه فمن الذى سيمضى فى طريق الاخر ويتنازل ولعل تلك الرواية تلخص فروقا بين العالمين وقلبين التقيا وارض...