الحلقة الرابعة

7.2K 279 8
                                    


يغمض فاروق عينيه و قلبه ينتفض بقوة اعتراضا على بعدها عنه . هو من فعل هذا . يمكنه أن يعترف أمام نفسه وإن رفض الاعتراف أمام الجميع .
لقد بدأ يشعر بالغيرة مؤخرا ، يشعر انها تهتم بأمر الجميع إلا هو ، تكثر من التردد على منزل
والديها ، تتنزه برفقة صديقاتها ويتبادلن الزيارات . وهذا يبعدها عنه كثيرا ، لم يعد محور اهتمامها كما كان في السابق، وكم يكره هذ !!!!
فكر مليا فى الأمر  ، لن يمكنه احتجازها بالمنزل ، فهو دائم الانشغال ، ماذا يفعل ؟ وكيف يعيدها لتهتم به فقط ؟
جاءته الفرصة على طبق من ذهب حين تم الإعلان عن مجمع سكنى للشباب بأسعار مناسبة ، سيمكنه هذا من تحسين مستوى حياته ، وسيمكنه أيضا من إعادتها له وحده .
فهذا المجمع فى مدينة جديدة بأطراف القاهرة وسيكون من الصعب عليها الوصول لوسط البلد بسهولة لذا ستضطر من تقليل زياراتها ونزهاتها وستكون له وحدة .
لمعت الفكرة برأسه ليظهر اللمعان فى عينيه فورا ويشعر أنه سيكسب هذه الجولة وسيكون له وحدة حق الهيمنة على كل تفكير هنا قلبه . لم يفكر في استعدادها للابتعاد ، لم يفكر فى المشقة التى ستتكبدها لتصل لاحباءها ، لم يفكر فى فرق المستوى الذى ينتقل له .
فكر فقط في إعادة هيمنته على حياة حبيبته ، وليضمن نجاح خطته الغالية تكتم الأمر حتى تسلم وحدته السكنية لتكون مفاجأة لحبيبته لكنه لم يكن يعلم أن المفاجأة من نصيبه هو .
عودة للوراء.......
جلسوا جميعا يتناولون وجبة الغداء ليبتسم فاروق بخبث وهو يقول: عندى ليكم مفاجأة كبيرة
حصل على انتباه الجميع ليقول: انا اخدت شقة كبيرة في كمبوند .... وهننقل اول الشهر
ساد الصمت الذى لم يكن متوقعا لتتبدل ملامحه وتحتل الدهشة وجهه : مالكم مش فرحانين ؟
نظرت له هنا بغضب : نفرح ازاى وانت هتودينا آخر الدنيا !!!! تقدر تقولى هبقا ازور بابا وماما ازاى ؟؟ وطبعا هننقل للولاد مدارسهم !!! عارف الفرق هيبقا كام ؟؟
يحاول أن يرسم ابتسامة عريضة ثابتة : حبيبتي ماتشليش هم انا ابقا انزلك وقت ما تحبى معانا العربية مش صعبة . وبالنسبة للمدارس اكيد الفرق يستاهل دى عيشة تانية خالص علشان مستقبلهم يبقا احسن .
نظرت له بشك فهى لا تنسى تذمره من تكرار زيارتها لوالديها رغم أنها تزورهم دائما في الصباح حين يكون بعمله  لتنهض عن الطاولة وهى تقول بحزم : وأنا مش موافقة .
اتجهت لغرفتها ليتسمر مكانه لم يتوقع ابدا أن تعارضه ، لينظر الى طفليه فتقول سيلا بحزن : يعنى هنسيب مدرستنا واصحابنا مش هنشوفهم تانى !!!!
تنهد فاروق: حبيبتي ابقى كلميهم فى الموبايل وبعدين هيبقا لك مدرسة جديدة واصحاب جداد
هزت الطفلة رأسها بعدم اقتناع لينهض عن الطاولة متوجها للغرفة ليجد هنا فى قمة الغضب .
أغلق الباب فور دخوله: ممكن اعرف انت زعلانة ليه ؟
اشاحت بوجهها عنه : فاروق انا فهماك كويس . مش حكاية احسن واوحش انت عاوز تبعدنى عن أهلى و اصحابى . مع انك مشغول علطول وانا فى البيت طول ما انت في البيت لكن مفيش فايدة حتى شوية الوقت اللى بقضيهم مع حبايبى عاوز تحرمنى منهم .
اقترب ليجلس بجوارها وهو يحاول إثبات حسن نيته : حبيبتي انت ليه بتفكرى كدة ؟ انا قلت لك هجيبك وقت ما تحبى .
نظرت له بإستهزاء : اذا كنا هنا جمبهم ومابترضاش توصلنى هتنزلنى مخصوص من اخر الدنيا.ريح نفسك يا فاروق انا مش هبعد عن اهلى .
عقد حاجبيه بغضب : انا خلاص استلمت الشقة وقرارى مش هرجع فيه .
هبت واقفة : كمان استلمت الشقة يعنى انا ماليش لازمة عندك ولا فى أهمية لرأيى احب اعيش فين ؟؟ يعنى بتجبرنى يا فاروق؟؟ طيب انا بقا مش رايحة الكمبوند ده .
تحركت للخارج ليمسك ذراعها بعنف لم تعتاده منه : يعنى ايه مش رايحة ؟؟ احنا هننقل ورجلك فوق رقبتك .
ترقرقت الدموع بعينيها: يعنى حتى مش عاوز تعترف انك غلطان ؟؟ وانك كان المفروض تاخد رايي ؟؟ وهتعمل ايه تانى يا فاروق؟ هتضربنى !!!
ترك ذراعها ليواليها ظهره لتسرع للخارج .بينما أصر على موقفه فهو لن يسترضيها حتى ترضخ لرغبته .
لكنه عاد فى اليوم التالى ليجد المنزل خاويا منها ومن طفليه
عاد من هذه الذكرى بوجه مكفهر حزين لينهض متوجها لفراشه البارد ليحاول إرغام عينيه كى تستسلم للنوم .
*****************
تجلس مودة بمنزل والديها الذى عادت إليه منذ شهر كامل ،للمرة الاولى منذ سنوات تقضى هذه الليلة وحيدة دون حبيبها فاروق .
تنظر لسقف الغرفة وتحدث نفسها : كدة يا فاروق اهون عليك كل ده ؟؟
يجاوبها عقلها : انت غلطانة يا هنا . ماكانش لازم تسيبى البيت بالشكل ده كنا اتكلمنا تانى اكيد كنا هنتفاهم .
تتنهد بحسرة وتهمس لنفسها  : خلاص يا فاروق نستنى !!! كنت فاكراك هتسأل عليا النهاردة بالذات .
أغمضت عينيها بألم وهى تعود بذكرياتها لأيام زواجهما الاولى
عودة للوراء......
تجلس هنا أمام التلفاز تشاهد فيلما وتبكى بينما يخرج فاروق من الغرفة باحثا عنها : هنا قلبى .انت فين ؟؟
يقترب ليصدم من هيئتها وبكاءها : فى ايه يا هنا بتعيطى ليه ؟؟
تشير للشاشة وتقول: شوف يا فاروق بعد ما حبته ووثقت فيه يسبها وما يفكرش فيها ولا فى ولاده !!!!
ينقل فاروق عينيه بينها وبين الشاشة ويتساءل بتعجب: هو مين يا هنا ؟؟
تنظر له تقول وهى تشهق بقوة : بطل الفيلم
ليضحك فاروق ويرتمى على الأريكة: نشفتى دمى حرام عليك.
يمد ذراعه ليحيط كتفها وذراعه الاخر يمسك بجهاز التحكم لتعترض فورا : سيبه اكمل الفيلم .
ليضغط الزر بعند : تكملى ايه بس !!! مالناش دعوة بالناس الوحشة دى خلينا في نفسنا
تستدير بكامل جسدها لتواجهه : يعنى انت عمرك ما تعمل فيا كدة !!؟
ضمها ليقربها منه : انا !!!!! دا انت اغلى واجمل حلم حققته
عادت هنا من ذكرياتها على دمعة حزن تشق طريقها بسلاسة لتلحق بسيل سبقها ، تمسح دموعها بقوة وتعتدل جالسة لتمسك هاتفها وتتابع مواقع التواصل الاجتماعي فقد أصبحت مؤخراً افضل مؤنس لها
*************************
مرت أيام واسابيع وفاروق غاضب ويرفض التحدث إلى هنا فهى مخطئة لم تحترم وجوده وغادرت فحسب دون حتى أن تخبره عن نيتها للمغادرة .تركت منزلهما للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام لتضغط عليه ويتراجع عن قراره لكنه لن يفعل .
هو محق من وجهة نظره وهى مخطئة لذا يتوجب عليها العودة إلى المنزل أولا والإعتذار ثانياً.وسيصر على موقفه لابد أن يكسب هذه المعركة ، وعليها أن تستوعب جيدا أن له وحده حق إتخاذ القرار، رغم أنه يقوم بذلك للمرة الأولى منذ زواجهما لكنه مصر على تنفيذ رغبته .

لعنة الهيمنةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن