("مكان بالقرب من أثينا - اليونان" في القرن التاسع قبل الميلاد)
شخص مُهمش تماما من الداخل يعيش بقلب محطم لكن يرفض إظهار الألم كأنه ليس له مثيل ؛ كالذي خُلِق من فولاذ غير قابل للأنكسار ، لطالما أخبرني جدي أنه قد يكون إختلافك الأيجابي سبب وحدتك في هذا العالم السلبي ، أري أنه محق تماما ، فقط لم يفهمني أحد مهما حاول الأشخاص المقربين مني أن يفعلوا أخفقوا - كمن يرغب بتجفيف المحيط بمنديل ورقي- ، لكن أكاد أقسم أن الأمر ليس بهذه الصعوبة ، دائما أُريد تحقيق أشياء بسيطة للغاية لكن الواقع المرير يجعلها أصعب فأصعب كالعادة ، أُناضل وحيدا باحثا عن الكمال مُحيطا باللاشئ ، هل تعلم ذلك الشعور المؤلم عندما تقتني أفعي و تظن أنها أليفة و تتسبب في مقتلك ؟ ، كذلك فعلوا بي تخلوا عني أثناء غرقي صرخت قائلا - فقط أمسكوا بيدي هذا كل ما أُريد لا تدعوني أغرق و ترحلوا و أنتم تراقبونني بهذه الطريقة ، لحسن الحظ أنا جيد نوعا ما في السباحة أستغرق الأمر كثيرا لأدرك أنه ينبغي علي السير وحيدا - وصولي إلي اليابسة - ، تلك الأمور أحدثت بداخلي فجوة و تركت فراغا قاتلا جعلني لا أثق بالأخرين بسهولة ، لكن أدركت أن هذا الأمر في صالحي إن لم يحدث هذا لما أتقنت السباحة - تحمل تكاليف القدر - ، لكن سم تلك الأفعي ظل بداخلي لم يقتلني بعد لكنه يحاول دائما ليومنا هذا أن يُنهك جسدي تماما لكنني أستمر في المماطلة ، أصبحت قاسيا بعض الشي مُقصرا لذاتي ، نار الغضب بداخلي توقد و تتوغل كالحمم البركانية الحارقة التي تأكل بشراهة أي شئ يقف في طريقها ، أقسم أنني لم أتعمد أبدا ايذاء أحد ، الشخص الوحيد الذي أذيته بشدة كان أنا ، كنت أُضمد جراحي بالموسيقي التي طالما إقتنعت أنها غذاء للروح و الكتب العظيمة التي لا أنفك علي قرائتها دائما في أوقات فراغي المملة أعشق رائحة الأوراق المليئة بالحقيقة و الواقعية و بعض الفن العتيق الخلاب ، أيضا تسحرني اللوحات البديعة و أظل اتأملها عاجزا عن فك شفرة تفاصيلها الغامضة ، لكن طالما تساءلت عن سبب إستيقاظي ما بين منتصف الليل و قبل بزوغ الفجر لأنظر لأنعكاس صورتي علي سطح الماء و تأمل تلك العينين ذات اللون البني تماما كالطين الذي خُلقت منه و تساءلت عن سبب حزني و جميع تلك الأفكار الفوضوية التي تسبب لي الأرق ، في كل تارة أُحاول جاهدا أن أخذ قسطا من الراحة ، أصبح النوم يخذلني كما لم يفعل يوما ، كنت ألجا إليه هاربا من واقعي الذي لم أتقبله يوما ، أنظر لوجهي الذي عاني كثيرا أثناء تظاهره بأنه بخير - مُخفيا أُمورا عظيمة باهتة لا تُري بالعين المجردة - ثم أُخاطب نفسي قائلا - بالتأكيد أنا لا أنتمي لهذا المكان ، يجب أن أستمر في الصمود مازال هنالك الكثير من المعارك التي لم أُشارك بها بعد ، أشعر تماما كيف هو حال الأسماك حين تكون خارج الماء و بعيدة عن موطنها ، الأبتعاد عن الوطن مؤلم حقا ، تحترق إشتياقا للعودة دائما ، العودة لتلك الأماكن التي لطالما كانت ملجأ لي في جميع أوقاتي حزينا كنت أم سعيدا ، إشتقت لذهابي للبحر و الشكوى له عما يدور في حياتي ، أحترق شوقا حقا و أظن أنني رحلت مبتعدا عن وطني و لكن مازال قلبي هناك في تلك المدينة ، أثينا لقد وقعت في عشقها أكاد أقسم بحق الأله أثينا إلهة الحكمة إن الأرض لن تشمل مثلها علي مرور التاريخ ،أجمل بقاع الأرض في سهل أتيكا بين نهري إليسوس وكيفيسوس، محاطة من ثلاثة جهات بقمم جبال هي هيميتو و بينديلي و بارنيثاس ، أجبرني أبي أثناء الحرب مع الرومان اللعينين أن أهرب و أبتعد عن الأمبراطورية خشية علي من غدر إخوتي لي في سبيل الحكم ، لأني الوريث الشرعي لعرش أثينا ، بوسيدون -إله البحار- غاضب الأن يكاد يُغرق المدينة يبدو أنه يُشاركني الغضب و السخط أيضا كارهآ للخيانة مثلي ، لا أعلم أين أذهب ! ، أمرني أبي بالذهاب لجبل الأوليمب لأستنجد بالأله زيوس بعدما علم بأمر الفخ الذي كان سيُنصب لي فجعلني أتظاهر أنني غرقت و أدعي موتي ،سأذهب لحكيم يقطن علي مقربة من معبد زيوس الاولمبي سيعلمني الحكمة بالتأكيد لأعود يوما لحُكم أثينا ، لا أستطيع الأنتظار حتي أستمع إلي أنغام قيثارة أبولو وغناء ربات الذي يسحر أي أدمي علي الأطلاق علي جبل الأوليمب ، من هنا تبدأ مغامرتي ، أنا أورانوس العظيم أقوي أمراء أثينا و الوريث الشرعي، سماني أبي تيمنا بإله السماء ، يعتقد أنني لن أخذله أبدا يخبرني دائما أنه رأي بداخلي ما لم يره في أحد من إخوتي و قال لي في أحد الأيام هامسا =" أنت المختار يا ولدي " ، علي كاتفيي عاتق كبير من المستحيل أن أخذل أبي ، مهمتي هي الحفاظ علي عرشي من السرقة لكنني لست جاهزا بعد ، ها أنا ممُتطيا جوادي متوجها لذلك الجبل الأزرق ، كل ما هو جميل يتخذ اللون الأزرق كالسماء و بحار بوسيدون العظيمة إنه يُعبر عن الحب و الصداقة و عن النقاء الدائم في الكون ، يجب أن أستمد بعض الدعم ، الشجاعة فقط لن تكفي لإستعادة العرش مررت بقرية يقطُن فيها أحد أصدقائي المُحاربين يُسمي أرتورو ، إلتقيت ب أرتورو و أخذنا بعض الطعام و الجياد لرحلتنا ، أخذت أتذكر في الطريق حبيبتي چايا و كم هي جميلة خصائل شعرها كالفجر الذي يولد منه الشروق عينيها كالسماء الزرقاء أطوف فيهما كطائر صغير مبتدئ ، دائما يوجد لكل شخص شريك للروح لم أجده بل هي من وجدتني و إحتلت روحي بالكامل و لا أريد الأستقلال أبدا ، لطالما أحببت إحتلالها لقلبي كأنها سُم وصل إلى قلبي و مكث فيه ، هي من علمني كيفية الصبر و تحمل مدي صعوبة تكاليف القدر هي كانت الترياق لجميع السموم في حياتي هي الحل لكل مُشكلاتي بل هي سر سعادتي في الأساس ، إنها كالنجوم شديدة الجمال و بعيدة كذلك صعب الوصول إليها ، هي كل ما أُريد ، أُفضل الموت علي الحياة مع أي إمرأة غيرها ، مُتيم بِعشقها كما لم يفعل أحد من قبل سأظل أُحبها لما تبقي من حياتي الفانية التي لا قيمة لها علي الأطلاق بدونها ، سأفعل ما بوسعي و أُهدر كل طاقتي للعودة و النيل بها و إستعادتها سأُحرر أثينا و أتزوج الفتاة الوحيدة التي إستطاعت إذابة ذلك الجليد الذي يحوم حول قلبي و شراييني المتصلبة هي فقط من فعلت ذلك ، يُقال أن الحب يصنع المعجزات و لكن ليس هذا فقط بل إنه يُبقيني علي قيد الحياة ، نظر لي أرتورو و قال =ها أنت تفكر فيها من جديد يا أورانوس هل هي حقا بهذا الجمال الذي يجعلك لا تكُف عن التفكير بها كل ذلك الوقت ؟
أخبرته قائلا و أنا أنظر للبدر أثناء إكتماله الليلة - إن كنت تريد أن أصف لك عينيها فقط أُنظر للسماء و تأمل النجوم ، هي السبب في كوني مُحبا للحياة و قويا هكذا هي تلك الشمس التي بدونها أتجمد بردا و سقيعا حين تهزمني الحياة أُسرع إليها كطفل إشتاق لأُمه بعد مروره بيوم شاق ، بعد رحلة طويلة دامت إسبوعا علي الجياد وصلنا لمبعد زيوس الأولمبي طلبت من أرتورو توخي الحذر و أن ينتظرني خارجا ، أخذت أبحث عن ذلك الحكيم لكن لم أجده في الأرجاء كان المكان شديد الظلام ، و فور دخولي معبد زيوس و النظر لعينيه في التمثال مباشرة حدث ما لم أتوقعه.
أنت تقرأ
نوستالجيا
Historical Fictionالحكمة من كون عمر الإنسان لا يتجاوز الثمانين على الأغلب؟ لو عاش الإنسان مائتي عام لجنّ من فرط الحنين إلى أشياء لم يعد لها مكان. -أحمد خالد توفيق