(أثينا - الأن )
يوم جديد صُداع جديد ، ذلك الألم في الرأس الذي سيجعلني يوما ما أفقد صوابي تماما ، أشعر كأن سكين حاد عالق في داخل عقلي اللعين يصبح الألم لا يُتحمل ، يبدو أن السبب هو الفرط في التفكير ، فأنا لا أكف إطلاقا عن التفكير و تحليل جميع الأمور ، عندما يُخبرني أحدهم "صباح الخير" هل يتمني لي صباحا مليئا بالخير أم أنه فقط إعتاد قولها للأشخاص بدون إدراك المعني الحقيقي ، كل هذا يقودني للجنون ، أشعر فقط بالخوف هذا ما تبقي لي من المشاعر الدفينة ، الخوف هو من يبقيني علي قيد الحياة ، و خصيصا الخوف الدائم من الفشل و الخذلان أخاف أن أخسر أشياء لم أملكها يوما ، الخوف من عدم تحقيق المجد الذي لطالما بذلت قصاري جهدي للوصول إليه ، أخاف الموت قبل أن أُدرك ما معني الحب الحقيقي و ماهية الكون ، فقط أعمل كثيرا لكي أُشغل عقلي عن التفكير الدائم الذي لا يتوقف ، هل هذا التفكير نعمة أم لعنة ما أُصبت بها بسبب هوسي بالتاريخ و الأساطير القديمة و إيماني بها ، يُقال أن المعجزات تأتي لمن يؤمن بها ولا يُنكرها ، إنتظرت مُعجزتي المُتأخرة طويلا لم اسئم بعد إنها قادمة لا محالة ، في صباح أحد الأيام إستيقظت علي طرق الباب في منزلي الصغير بأثينا ، إنه ساعي البريد يُسلمني رسائلي ، أستيقظ دائما مُتلهفة و أنا مُتيقنة وأعلم أنه ليس بشخص مهم يُراسلني لأني وحيدة بعض الشئ ، كم هو صعب ذلك الشعور أن تنتظر شيئا لن يحدث من شخص غير موجود ، أن تحارب في هذا العالم المفترس وحيدا لكنني أنا من يقف بجانبي أنا من يحميني لا أحتاج لأحد إطلاقا - أو هذا ما أُصبر به نفسي - ، كان من وسط هذا الرسائل و الفواتير ظرف ذهبي ، يا إللهي إنه من روما ! ، من وكالة الأثار و علوم التاريخ في روما يُريدون مُساعدتي في إستكشاف بعض المعابد في أثينا ! ، هل هذه مُعجزتي و فُرصتي التي لطالما إنتظرتها ؟ ، لا أعلم ماذا ينتظرني لكنني مُستعدة بالتأكيد ، قفزت من علي الأريكة مُسرعة بإتجاه مكتبي الخاص لأخرج جميع الخرائط و المخطوطات التاريخية خاصتي التي طالما إحتفظت بها ليوم كهذا ، و تلك السُترة التي تركها لي والدي و تلك الشاره و الساعة خاصته ، يُذكرني كل شئ به ، فقدته أثناء إستكشافه لكهف ما في أفريقيا و لم يعد منذ ذلك الوقت إشتقت إليه ، عندما تشتاق لأحدهم تتمني لو أن تُبادل القدر حياتك لكي تراه مرة أُخري ، و تُضحي بكل ما تملك لتكون بجانبه مُجددا ، سأجعل أبي فخورا بي حين أكتشف مُغامرتي الخاصه كما أراد أن أفعل دوما ، ذهبت لأعتاد القهوة ذلك المشروب الذي أعتبره مُقدسا بطريقة ما ، أتمني أن أجد القهوة في الجنة هذا إذا لم أذهب للجحيم بأي حال ، يُذكر في الرسالة أنهم سيذهبون لمعبد زيوس الأولمبي ! ، إنه مكان سحري للغاية و قد يكون خطيرا ، يُربط هذا المكان بالكثير من الأساطير الذي وضعها سحرة و كهنة ذلك المعبد لكي تكون لعنات أبدية تصيب كل من يُفكر في حل تلك الألغاز الموجودة في غرفة كبير الكهنة خلف التمثال في ممر مُظلم ، لا أعلم ماهية اللعنة لكن يبدو أن الأمر خطير و بالتأكيد يجهلون ما يفعلون ، علي الذهاب و التأكد بأن الأمور ستكون بخير ، في اليوم التالي بعد وصولي إلي هُناك أخذت اتأمل ذلك المكان الساحر ، و أخذ عقلي يصور لي ما كان يحدث في القرن التاسع عشر ق.م و اليونانيين يجلسون في الجوار و الرسامين يطبعون تلك المناظر الخلابة علي لوحاتهم العتيقة ، ظننت أن الأمر حقيقي لبعض الوقت ثم تجاهلت ذلك و أعتقدت أنها فقط مُخيلتي الواسعة ، بالتأكيد سيبعثون ببعض الباحثين و العلماء للمساعدة في ذلك الأمر وصلنا أنا و طاقمي أولا ، ها قد وصلوا ، ذلك الرجل هناك يبدو أنه ذلك العالم الذي سأتولي مُساعدته ، أعتقد أنني رأيته من قبل لكن يبدو أنه فقط "الديچافو" الذي يعني بالفرنسية " شاهدته من قبل " إنها ظاهرة يشعر فيها الأنسان بأنه سبق و رأي ذلك الشخص او ذلك الموقف من قبل في زمن أخر و أعتقد أنه أمر روحيا أكثر من كونه علميا ، و أعتقد كذلك أن الروح البشرية أبدية أما الجسد يفني و يزول هذا يعني أن روحك عُمرها ملايين السنين و أن لديك أجساد أُخري في أزمان أُخري قد لا تعلم عنها شيئا و قد تكون روحك مرتبطة بتلك الذكريات لكن عقلك لا ، ذلك الشاب ذو البُنية الجسدية الرياضية وذلك الشعر الأسود المُتطاير من مُقدمة رأسه و تلك العينين ! ، التي تبدو أنها تُخفي غموضا لم أري مثله من قبل إنها كالثقب الأسود في الفضاء تبتلع كل ما يقترب منها ، إنه يُحدق بي و ها هو يتقدم بإتجاهي مُبتسما و قائلا :
= مرحبا ماركو عالم أثار أتيت من روما ، يبدو متوترا بعض الشئ ، شئ غريب كشخص مثله يبدو أنه لديه خبرة بالحديث مع النساء لكنه ليس كذلك ، أخبرته بكبريائي المتين و كأني لست بمهتمة بما قال - " أنا سيلين عالمة أثار متخصصة بالمثولوجيا الأغريقية و علوم التاريخ القديم و المعاصر سُررت بمعرفتك " ، أنا حقا سُررت بمقابلته و لكن هذا وقت العمل أتيت إلي هُنا لتحقيق المجد الذي أبغاه و متشوقة لما سيحدث ، إبتعد ماركو و يبدو أنه سيذهب مُنفردا إلي خلف المعبد ، أنا أخذت أدرُس جوانب و مداخل ذلك المعبد و إرتفاعه و إحدثياته الفلكية المُعقدة بعض الشئ ، بعدما أنهيت توجهت خلف ماركو لأري ماذا يفعل ، لقد عبر ماركو نهاية ممر ما و أنا أقف عند بدايته ، ظللت أقرا الرموز و أفُك تلك الألغاز و الصور ، توجد صورة لزيوس في أعلي جبل الأوليمب كانت هناك تصورات كثيرة لزيوس إلا أنها لم تتشكل في نمط إلا في بدايات العصر القديم، وكانت تصوره يحمل الصاعقة بيده أو أحيانًا يوقف نسرًا على يده. وفي العصر الكلاسيكي نجده يحمل صولجانًا وجالسًا على مقعد ، و هناك بالأسفل علامات السماء التي تشير إلي إسم أورانوس و يقف بجانبه إريس إله الحرب والانتقام ، و سهم مُحطم أعتقد أنه يخص أسطورة كيوبيد ، لكن ماذا تعني جميع تلك العلامات ؟ ، لماذا يُريد ذلك الأورانوس مُساعدة آريس للأنتقام و شن الحرب ؟ ، و سهم كيوبيد المُحطم هل يشير إلي انتهاء حُب ما أم ماذا ما الحكمة من كل هذا ، قطع تفكيري و تحليلي لتلك الرموز صوت ماركو بنهاية الرواق و هو يصرخ متألما ، ذهبت مُسرعة إليه و وجدته فاقدا للوعي تماما ، نظرت خلفي بإتجاه الجدار و وجدت رمز الدرع و السيف الذي يدل علي إريس ؟ ، ثم طلبت المُساعدة لأيقاظ ماركو و تسألت عن كل ما يحدث و ما معني كل تلك الأساطير و الرموز التي تلاحقني و يبدو أنها تظهر بشكل تدريجي نوعا ما ؟ ، رحل ماركو بعد إستيقاظه و طلب بعض الراحة ، ذهبت لمنزلي و لم أستطع النوم عندما وضعت رأسي علي الوسادة و أغمض عنياي أري تلك العلامة مُجددا -الدرع و السيف- ، أُصبت بالذُعر الشديد لا أعلم ماذا أفعل وجدتها سأطلب المُساعدة ! لكن من مّن ؟ ، ليس لدي خيار غير ماركو ؟
أنت تقرأ
نوستالجيا
Historical Fictionالحكمة من كون عمر الإنسان لا يتجاوز الثمانين على الأغلب؟ لو عاش الإنسان مائتي عام لجنّ من فرط الحنين إلى أشياء لم يعد لها مكان. -أحمد خالد توفيق