٢

5 1 0
                                    

ثانياً: ما هي الهُويّة الإسلامية:

ذات يوم دخل شابٌ مسلم إلى أحد البنوك الأجنبية ليحوّل ورقة ماليّة إلى مبلغ نقدي، فأخطأت الفتاة المحاسبة ودفعت له مبلغاً أكبر من المدوَّن على الورقة.. في باب المصرف (البنك) وقف الشاب المسلم يحسب المبلغ الذي شكّ أنّه أكثر من المطلوب، ثمّ عاد أدراجه ووقف أمام النافذة التي تقف المحاسبة خلفها. فقال لها: أنا شابٌ مسلم!! فتعجّبت الفتاة المحاسبة من إعلانه عن هُويّته الدّينية التي لا يطلبها البنك عادةً، ثمّ أكمل: لقد أخطأت في الحساب معي ودفعتي لي أكثر مما هو مقرّر بأضعافه. هنا اختلطت الدهشة والفرحة والإعجاب على وجه الفتاة العاملة في المصرف، وبعد أن شكرته على صنيعه وأخبرته أنّه لو لم يسترجع الزيادة لكانت هي المسؤولة عن تعويض النقص في الدخل أو الحساب، استمهلته قليلاً ودخلت إلى غرفة قريبة لتخبر مديرة البنك بالخبر.. وبعد برهة عادت المحاسبة ومعها المديرة. حيّت المديرة الشاب المسلم شاكرةً له معروفه، ثمّ قالت: أخبرتني موظّفة البنك انّك مسلم، وعملك هذا يعطيني انطباعاً رائعاً عن صدقك وأمانتك وإنّك زبون محترم، وفي مقابل موقفك النبيل هذا، فإنني كمديرة للبنك سأمنحك بعض الامتيازات التي لا أمنحها لباقي الزبائن، تكريماً لك ولأخلاقك الطيّبة! شكر الشاب لمديرة البنك حُسن ظنّها به، وقال: أنا ما فعلت هذا إلّا لأنّ إسلامي أمرني به!!

نقل الشاب المسلم ما جرى لأبيه، فاستحسن فعله وشدّ على يديه، وقال: قولك: (أنا مسلم) سيبقى يرنّ في أُذن المحاسبة ومديرتها ولن ينسوه أبداً، وتصرفك كمسلم صادق وأمين، سيبقى حاضراً في أذهانهما إلى مدى بعيد.. بوركت يا ولدي، كن هكذا دائماً عند حُسن ظن إسلامك بك، وهكذا ينبغي أن يكون كلّ مسلم.

قد لا نحتاج إلى الإغراق في التعريفات اللغوية والاصطلاحية للهُويّة الإسلاميّة، فبطاقة التعريف الشخصيّة التي يكتب فيها أمام حقل (الدّيانة): مسلم، لا تكفي لإثبات الهُويّة، وإنّما الهُويّة (الموقف السليم) أو (السلوك الصحيح) أو (التصرّف النبيل) أو (الخُلُق الجميل).

فأنت مسلم بالموقف الذي يحكي عن تربيتك وثقافتك والتزامك الإسلامي لا بوجودك في بيئة إسلاميّة فقط، ولا لحملك هُوية أو بطاقة شخصيّة مدوَّن عليها إنّك مسلم ولا لأنّك تحمل اسماً إسلاميّاً متداولاً.

الهُويّة الدّينية، والإسلاميّة منها، تعني وعي الشخصيّة الإسلاميّة بمكوّناتها الذاتيّة المميّزة لها. فلكلّ شخصيّة خصائصها وقيمها المعبّرة عن انتمائها. وهي المرآة العاكسة لصورتها الداخليّة (العقليّة والانفعاليّة).

في أدبياتنا الإسلاميّة أكثر من تعبير عن الهُويّة، فالقرآن الكريم يسمّيها (الفطرة) و(الصبغة) ويطلق عليها التسمية الصريحة أيضاً، كما ورد على لسان إبراهيم 7 وهو يعبر باعتزاز عن هُوية هذا الإنسان الربّاني الذي أسلم كلّه لله: ﴿هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾(الحج/ 78). كان مسلماً بكلّ معنى الكلمة، أسلم وجهه (حياتها كلّها) لله وسلَّم زمام أموره كلّها له، ولذلك كانت وصيّته لأبنائه ووصيّة أبنائه من بعده لأبنائهم: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة/ 132)، والإسلام -كما سيأتي- هو التسليم لله، والانتماء إليه، والاعتقاد به.. هو أن تكون صادقاً في جميع المواقف.. هو أن تنطق أفعالك بأنّك مسلم حتى ولو كنت أخرساً!

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸





هويتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن