الفصل الاول

6.4K 94 15
                                    

على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب
على اسم مصر
مصر النسيم في الليالي وبياعين الفل
ومرايه بهتانة ع القهوة.. أزورها.. واطل
ألقى النديم طل من مطرح ما انا طليت
والقاها برواز معلق عندنا في البيت
فيه القمر مصطفى كامل حبيب الكل
المصري باشا بشواربه اللي ما عرفوا الذل
ومصر فوق في الفراندة واسمها جولييت
ولما جيت بعد روميو بربع قرن بكيت
ومسحت دموعي في كمي ومن ساعتها وعيت
على اسم مصر
صلاح جاهين

الفصل الاول

أري بزوغ الشمس يبدد عتمه الليل ..ولكن عتمة نفسي مالها من نهار ...تراكمت الخيبات علي قلبي لتتركه خواء وما لعتمه روحي من نهايه او فرار ...ولكن لابد من مواصلة الحياة وهذا ليس إختيار. .....

انطلقتا تسابق الرياح، تحمل كلًا منهما طفلها بين يديها، لا تعلم أيًا منهما إلى أين ستذهب، ولا كيف ستنجو من ما حدث، ليس هناك وجهة، ولا أي شخص يستطيع أن يساعدهما، لا يوجد أي شيء سوى مستقبل مجهول وطفلين لا ذنب لهما، خرجتا سريعًا من البلدة في منتصف الليل، خوفًا مِن بطش أهل المدينة بهما، كانتا هاربتين من مصير محكوم عليه بالموت أو العار، ثم توقفتا علي بداية الطريق في انتظار سماع صوت الصفير، وبمجرد أن صدح الصوت واخترق هدوء الليل يعلن عن بداية رحلة جديدة إلى المجهول، هرعتا إلى الطريق العام، حيث تقبع شاحنة كبيرة محملة بالبضائع في انتظارهما، صعدتا إلى خلف الشاحنة وهما متقطعتَّا الأنفاس، يُبلِّل العرق جسديهما، ويكوي الألم قلبيهما؛ جلستا كلًا منهما في الشاحنة، تحتضن عائشة ابنتها فاطمة ذات الثلاثة أعوام، وكذلك كانت خديجة تتشبث بابنها مصطفي ذو الثلاثة أعوام أيضًا، كأنه سندها وحاميها، فهو الرجل الوحيد في حياتها الآن . جلست إحداهما شاردة تنظر إلى الطريق الذي تلتهمه عجلات الشاحنة ورغم ذلك يطول أمامها ، كانت وما زالت في حالة صدمة شديدة مما حدث، لا يستطيع عقلها ولا قلبها استيعاب أنها قتلت رجلًا لتوِّها، ولا تستطيع تصديق أنها مرت بكل هذا، جلست في صمت وحزن شديدين، حتي قطعت صديقة عمرها ورفيقة دربها عائشة هذا الصمت ببكاء مرير وسؤال يلح عليها لا تستطيع التفكير في غيره : ماذا سنفعل يا خديجة ؟ ماذا سنفعل ؟ كيف سأجد زوجي ؟ كيف سيعلم أين نحن ؟ كيف سأراه مرة أخري ؟ ، نظرت لها الأخرى بوجه مبتسم في محاولة منها لإظهار الأمل في وجهها وحديثها وقالت : لا تخافي سنجده .. ستجدينه، وتعيشين معه أنتِ وابنتك، ستنعمان معًا بحياة جميلة، فقط اصبري، نستقر في البداية ثم نبحث عنه، سنجده بسهولة، أعدك بذلك .. استريحي قليلًا.. ولا تقلقي، سنجد مخرجًا مما نحن فيه بإذن الله .
نظرت لها عائشة وعيناها متعلقة بوجه صديقتها تبحث عن الطمأنينة، فلطالما كانت تستمد منها القوة والعزيمة، لطالما كانت خديجة هي الأقوى والأكثر نضجًا، دائمًا ما كانت تلجأ لها، ودائمًا ما تجد عندها الحلول، لم تخذلها يومًا بل دائمًا كانت من أولي أولوياتها، ابتسمت عائشة بعد كل ما دار في ذهنها ثم تحدثت قائلة : أنا علي يقين أن تلك السحابة السوداء ستنقشع، وستعود حياتنا كما كانت وأفضل، طالما أنتِ بجواري .
ثم ضمّت ابنتها بين أحضانها جيدًا ودثرتها بغطاء صغير تحمله معها ووضعت رأسها على كتف صديقتها وراحت في سبات عميق .
بينما ظلت خديجة تنظر للأسفلت الذي ينطوي سريعًا أمامها وهي تحدث نفسها وتقول : مرة أخرى تضعين علي كاهلي عبء فوق كل الأعباء التي أحملها يا صديقتي، مرة أخرى، وككل مرة لا يجب أن أخذلك أو أفشل في التحمل، ثم شردت وهي تتذكر كل ما مرت به، تتذكر حياتها في بلدتها الجميلة مدينةالسويس، وذكريات طفولتها هناك مع رفيقتها الوحيدة عائشة؛ جال بخاطرها بيتها القديم وأسرتها الصغيرة المكونة من أب وأم فقط، لقد كانت وحيدة ليس لها أخوة، ولذلك كان والدها دائمًا يعلمها الاعتماد علي النفس والقوة والصلابة خوفًا عليها من غدر الزمن، وكأنه كان يعلم ما سيحدث لها بعد ذلك، تذكرت باب بيت الجيران الرابض أمام بابهم والذي تقطن فيه رفيقتها وأنيسة دربها في الحياة، ابتسمت رغمًا عنها عندما تذكرت طفولتهما سويًا وهما طفلتين صغيرتين ولعبهما معًا وكيف كانت عائشة تتبعها دائمًا في كل شيء فهي الطيبة البريئة التي بحاجه دائمًا لمن يرعاها، وبالرغم من تطابق سنهما إلا إنها كانت دائمًا تشعر بالمسؤولية تجاه عائشة وأنها يجب عليها حمايتها، لذا كانت تقوم بدور الصديقه القويه التي لا يستطيع أحد أن يجور عليها أو على صديقتها المقربة فهي كما يقولون "تحت حمايتها"، عاد لذهنها ذكرياتها مع شقيق عائشة الوحيد لقد كان يكبرهما بخمس سنوات، كان نعم الأخ الحنون وبالرغم من أن خديجة ليست أخته إلا إنه كان يعاملها كما يعامل عائشة، فحتى في الغارات التي كان يقوم بها العدو علي السويس كان يهتم بخديجة كعائشة وبالرغم من وجود والديهما إلا إنه كان دائمًا يفضل وجود الفتاتين معه في نفس المكان ليطمئن عليهما، لا تنكر أن قلبها الصغير كان يبتهج عند رؤيته، وأنه بدأ يحبو أولى خطوات الحب علي يديه، لا تنكر إعجابها الشديد وتعلقها به ولهفتها علي رؤيته، ظل هذا الحب يكبر بداخلها حتي بلغت الخامسة عشر، وهنا كان لها أول موعد مع صفعات القدر، العدوان الثلاثي، معاناة، وويلات، وشجاعة واستبسال، تذكرت كيف شعرت أول مرة بعذاب الحب عندما علمت بضرورة تهجيرهم من بلدتهم، تذكرت عينيها الباكية، وتوسلاتها له، لقد تركت حياءها علي باب غرفته وهرعت إليه غير عابئة بما قد يظن فيها وظلت تبكي وهي تردد : لا تبقى، ارحل معنا، لا أحتمل غيابك، ولا فقدانك .
عندها تتذكر جيدًا ما حدث، كأنه بالأمس، نظر إليها بعيون تملؤها الحب والقوة ووضع يديه علي وجنتيها التي ارتعشتا من لمسته الحانية ثم قال : هل تقبلين أن ألقب بالجبان، كيف أستطيع حمايتكم ؟، إن لم أستطع حماية الأرض والوطن، ثم صمت قليلًا وكأنه يستجمع شجاعته ليبوح بما لم يستطع أن يبوح به من قبل وقال لها : حبيبتي، أنتِ معي دائمًا، لا تفارقينني، قلبي معلق بك أينما كنتِ، وسيظل لكِ مهما حدث، لا تتفأجئي، فحبك اختلط بدمي منذ أن وقعت عيناي عليكِ، ومنذ تلك اللحظة لم ترَ عيناي غيرك .
قال كلماته وكأنه قام بحفرها في ثنيات قلبها، لم تنسَ تلك الكلمات أبدًا، لم تنسَ حتى همهماته وصوت أنفاسه المتسارعة، لقد أحيا قلبها بتلك الكلمات، ولكنه لم يمهلها كثيرًا، ففي نفس اليوم في المساء سمعت صوت عويل قادم من بيت حبيبها، لتهرع وتجده غارق في دمائه ووجهه مبتسم كأنه يري الجنة أمامه، اااه، يا محمد، كيف تذهب وتتركني سريعًا، كلماتك مازالت في أذني، قلبي مازال يشعر بالدفء من وقعها، ااه كيف أشعر بالبرد والدفء في وقت واحد، ولكن هكذا هو الموت يأخذ منا الأحباب إنه ينتقي المحبوبين والطيبين، ففي إحدى مناوشاته مع العدو وأثناء قتاله مع المقاومه الشعبيه ضد جنود الاحتلال إذا برصاصة غادرة اخترقت صدره فخر شهيدًا وعلى شفتيه الشهادتين مبتسمًا وكأنه كان ينتظرها، مات الابن والأخ والصديق والحبيب، وأصبحت أسرة عائشة في حالة يرثى لها ولكن الإيمان بقضاء الله وقدره أنار القلوب بالصبر، وعلمهم بأن محمد شهيد وفِي الجنة جعلهم قادرين على التماسك، ولكن لا أحد يعلم ما يدور بداخل خديجة، لا أحد يشعر بقلبها الذي تمزق، حاولت أن تتظاهر بالتماسك، فهذا هو حالها دائمًا، حتى أنها كانت السند لعائشة في أحلك أيامها، لكم ساندتها وكانت بعونها، كأنها ليست هي الأخرى بحاجة لمن يداوي جرح قلبها الذي ينزف، لكنها تماسكت وتظاهرت أمام الجميع أنها صلبة، حتى أثناء الغارات والجميع في الخنادق خائفًا مرتعدًا كانت هي الحضن الآمن والسلوى،
وفي عام1956 وبعد موت محمد بعدة أيام تم تهجير السكان من مدنهم خوفًا عليهم من بطش الاحتلال الغاشم الذي لا يفرق بين أنثى ورجل أو طفل وكهل، وخرجت الأسرتان من مدينتهما الحبيبة على أمل الرجوع مرة أخرى، لكن إلى أين ؟.....
وكأن القدر يريد أن يجبر قلب عائشة وروحها بعد موت شقيقها فأرسل لها صديقه "عبد الله " ذلك الشاب الخلوق الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية "بمحمد" وكذلك كان معه في المقاومة وهو الذي حمله إلى بيته خوفًا عليه من تمثيل الجنود بجثته كما يفعلون مع الجميع، لكم أحبته "أم محمد" واعتبرته ابنًا لها، وها هو يثبت ذلك للمرة الثانية حيث أخذهم عند أقارب له في "رأس البر" ليس هذا وحسب، لكن أسرة خديجة أيضًا لعلمه بارتباط الأسرتين معًا، مر عام كامل على تهجير الأسرتين، خلال هذا العام توطدت علاقة "عائشة" ب"عبد الله " وأصبح هناك انسجام فيما بينهما لا تنكره العين.
ثم عاد الجميع إلي السويس وزادت علاقة "عائشة وعبدالله " مع مرور السنين لتكبر عائشة علي حب عبدالله، ودائمًا ماكانت "خديجة" في عون صديقتها حتى تستطيع رؤية حبيبها، فهي التي كانت تختلق الأعذار حتى يأذنوا لهم بالخروج، لتهرع عائشة لملاقاة حبيبها علي شاطئ القنال وتقف خديجة تراقب الطريق حتى لا يراهما أحد، وفِي كثير من الأوقات كانت تراقبهما وهي تتخيل نفسها مع محمد علي الشاطئ يداهما متشابكتان، وقلباهما متعانقان، كانت تشعر بالسعادة من أجل عائشة، لم تحقد عليها يومًا، بل كانت تشعر دائمًا أنها تتمنى لها الأفضل، كانت ترضى بحالها يكفيها صديقتها وكلمات محمد القادرة على أن تكفيها حتى نهاية العمر، ولكن عائشة لم ترضَ بحياة صديقتها هكذا، كانت أيضًا تفكر بها، وتتمنى أن تراها سعيدة، تعيش الحب مثلما تفعل هي، كانت تريد اسعاد صديقتها، ولَم تعرف أنها ستكون السبب في شقائها، لذا قامت بالاتفاق مع عبد الله على أن يحاولا التقريب بينها وبين صديق من أصدقائه .
وبالفعل وفِي نهار يوم تعتبره خديجة يومًا أسود في حياتها رأت عادل لأول مرة، جاء بصحبة عبد الله لملاقاتهم علي الشاطئ في المكان المعتاد، وبطبيعة الحال انفرد عبد الله بعائشة، لتجد نفسها معه بمفردها، ظل يتحدث طوال الوقت وهي صامتة، ولو كان يدرك ويستطيع قراءة لغة العيون، كان سيعلم أنها لم تسمع أي كلمة مما قال، كانت شاردة مع ذكرياتها، حتى انتهى اللقاء، ولكن لم يكن الأخير، توالت بعده عدة لقاءات علي نفس الوتيرة .
ثم جاء اليوم الذي تنتظره عائشة منذ سنوات عديدة، لقد تقدم عبد الله لخطبتها، كانت سعيدة تملأ الدنيا ضحكًا وغناءً، وشاركتها صديقتها سعادتها، لكنها شعرت بالخوف، ودار في ذهنها العديد من التساؤلات، هل ستظل عائشة في حياتها ؟، هل ستبقى الأقرب لها ؟ ، كيف ستحيا بدون أن تكون صديقتها مجاورة لها في نفس البناية، ولَم يمر سوى أيام وجاء الرد علي كل هذه الأسئلة، لقد تقدم عادل لخطبتها، وظلت عائشة تُلِّح عليها بالموافقة، وتغريها بأنهما سيظلان معًا للأبد، في حال قبلت عرض الزواج .
ترددت خديجة كثيرًا ولكن في الأخير قبلت، فهي تشعر أنه لا دعي للإنتظار، فهذا القلب لن يتغير مهما مر عليه، ويكفيها أنها ستظل بجوار صديقتها .
وأخيرًا تزوجت الصديقتان من صديقين أيضًا، كانت سعادة عائشة لا توصف بسبب ذلك فهي لم تبتعد عن أختها وصديقة طفولتها .
تم الزواج لم يمر عليه كثيرًا حتي اكتشفت خديجة في زوجها عيوبًا لم تكن ظاهرة لهم مثل تخاذله في حقه تارة وحقها تارة أخرى وسلبيته في مواجهه الواقع وخوفه من المشاركة في القضية الوطنية التي أخذها الجميع علي عاتقه عداه هو، لم يكن يهتم بها ويبخل عليها بمشاعره وحبه، ولكن ما هون عليها الأمر قليلًا وجود عائشة بالجوار، فهي تنسيها ماتعايشه مع هذا "العادل ".
ثم جاء ماجعلها صابرة وراضية، تلك الهديه الربانية لها "مصطفي" ذلك الملاك الذي وضعته بعد عناء ومشقه كادت أن تودي بحياتها ولكن للعمر بقية، وأيضًا عائشة وضعت فتاة غاية في الجمال والرقة، كانت فرحة الأسرتين لا توصف، وكل هذا وعبدالله مازال كما هو في المقاومة الشعبية يدافع عن مدينته من الأعداء المتربصين لأهلها بالسوء حتي جاءت نكسة 1967.وكان البلاء علي الجميع .وهنا توقفت ذكرياتها عن التدفق لتنظر لصغيرها تارة، ولصديقة دربها وطفلتها تارة أخري ثم زفرت نفسًا ظل مكتومًا طويلًا في صدرها فحررته من معقله بهدوووووووووووء......
وحاولت معه أن تحرر عقلها من تلك الذكريات التي اجتاحتها فجأة، تحاول أن تنعم بقسطٍ قليل من النوم، فالله أعلم متى قد تتوفر لها الفرصة لتنام مرة أخرى، أحكمت يديها الاثنتين على ولدها، وضمته أكثر لصدرها، ودفنت وجهها في صدره لاستنشاق رائحته التي لطالما أثملتها، فهي تعشق رائحة صغيرها، ثم أغمضت عينيها لتنال قسطًا قليلًا من الراحة .

وسقط الحب بحرف الراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن