26

207 59 2
                                    

انتهت أخيرا من التنظيف لتمطط جسدها كالقطط و تصعد هي الأخرى نحو غرفتها حتى تغير ثيابها تلك و همت بالمغادرة مجددا متجهة ناحية الغابة.

لمحت ذاك الذئب الذي اعتادت رؤيته منذ وصولها إلى جرينلاند لتبتسم بخفة و خطواتها تتجه إليه.

وقفت عند رأسه مباشرة مائلة برأسها للأسفل بينما تعقد يداها خلف ظهرها بطفولية محدقة له بابتسامة.

رفع ذو الفرو رأسه ليحدق لها بأعين واسعة و يستقيم من مكانه

رمشت هي مرتان ففعل مثلها ثم رمشت ثلاثا ليرمش هو الآخر ثلاثا فانفجرت ضاحكة من تصرفه، و من بين ضحكاتها نطقت بتعبير لطيف

" يا لك من ظريف"

تأمل الآخر ضحكاتها تلك التي أطربت مسامعه و روت شوقه لها، فكم افتقد حسها المرح و ضحكاتها المتواصلة.

توقفت هي عن الضحك فجأة مقطبة حاجبيها بعدما رأت نظراته اتجاهها، كما لو كان شاردا بها، هذه النظرات ليست بالغريبة عنها، هي تعرفها حق المعرفة.

انبطحت له لتستفسره بهدوء بينما تضيق عينيها

"الذئاب لا تعيش بمفردها لما لست ضمن مجموعة  منها؟"

رمش عدة مرات غير مستوعب سبب سؤالها، بينما هي جلست على الأرض محدقة إلى عينيه مباشرة لتتابع بتساؤل هامسة.

"إلا إن كنت إنسانا؟"

اقتربت منه أكثر و هو للآن لا يعي سبب أسئلتها هذه، صار وجهاهما متقابلان و معدل دقات قلب ذاك الذئب ترتفع كلما اقتربت.

و بأعين ذابلة و نبرة مخنوقة منكسرة سألت

"هل هذا أنت سيهون؟"

الذي أمامها اتسعت عيناه دهشة، ناريم قد استخدمت حبة الجوز الذي في رأسها أخيرا،
هذا ما قاله داخل عقله أما في واقعه فهو لازال لم يصدر أي رد فعل ما جعلها تضحك بسخرية مردفة.

"كم أني غبية رغبتي في رؤية سيهون جعلتني أتوهم أشياء تحدث في الخيال فقط"

ما إن كادت تقف حتى ارتمى الآخر في حضنها، لم يعرف لما فعل ذلك و لكنه فعلها، هو فقط نفذ أوامر قلبه لعله يقوده للطريق الصحيح.

وقعت هي أرضا بسبب فارق القوة بينهما بينما ذاك الذئب يحاصرها بين قوائمه، حدقت له بأعين متسعة فأول ما خطر في بالها أنه يحاول مهاجمتها، لكن لوهلة أحست كما لو أنه رغب في احتضانها إلا أن شكله لم يسعفه.

اكتفى هو بالتحديق مطولا إلى عينيها لعلها تستطيع فهم دواخله من خلال عينيه فقط

"هل هذا أنت سيهون؟"

استقامت قليلا و خاطبته بنبرة شبعت بالرجاء و التوسل.

"أرجوك افعل شيئا لأتأكد أن كلامي صحيح"

نظر الذئب حوله ليأخذ أحد الأغصان و يكتب على الثلج، و رغم أن حتى طفل ذو سنتين كان سيكون خطه مفهوما لكن ما باليد حيلة، شكله عائق أمام تواصله.

"ماذا تفعل؟ هل تكتب؟ لم أفهم شيئا مما كتب"

تذمرت بسخط في آخر كلامها ليرمقها بنظرات قاتلة فزمت شفتيها خوفا، ركزت نظرها على تلك الخربشة التي في الثلج لتلاحظ أنه حاول كتابة 'أنا حقا هو سيهون' و لو بحروف متقطعة و الأغرب من ذلك باللغة الكورية.

"لقد فهمت ما كتب"

صاحت بفرح مصفقة، و الغبية سعيدة فقط لأنها قرأت الجملة و لازالت غير مستوعبة للأمر، رمشت عدة مرات بغباء لتتسع مقلتاها محدقة لذاك الذي يريد الانقضاض عليها من فرط غبائها.

"مهلا لحظة! أ هذا يعني..؟"

صمتت قليلا لأن عقلها لازال يبرمج هذه الأحداث و المعلومات التي عرفتها، ابتسمت بتوسع فجأة و صاحت بفرحة عارمة محتضنة إياه.

"هذا أنت يا حبيبي أنت لم تمت كما توقعت كنت أعرف ذلك"

و الآخر فرح أيضا كونه استطاع أن يبرهن لحبيبته أنه لم يمت، و أنه هو ذاك الذئب الذي كان ينقذها و يراقبها عن كتب، لكن السؤال الذي ظل يشغل تفكيره، ماذا بعد ذلك؟

ضيق عينيه بملل بعد أن سمع محاولتها الفاشلة في كتم ضحكتها، لكنها لم تستطع خصوصا بعد رؤية تعابير وجهه المنزعجة لتنفجر ضاحكة.

"أنت ذئب سيهون المتكبر المغرور صار حيوان  أريد رؤية ردة فعل تشان و ليسا عندما يعرفان الحقيقة أكيد سيغمى عليهما من الضحك"

اكتفى بالتحديق إليها بانزعاج بينما هي تكاد تفقد وعيها من شدة الضحك، فناريم عادت لطبيعتها الساخرة و المرحة.

'نصف الأحجية ظهر'

✔زهو يهش حباحيث تعيش القصص. اكتشف الآن