السَّابِع مِن شَهرِ أَيَّار عَام ٢٠١٤مغُرفَة جُلوسٍ ذَات أَثاثٍ كَلاسيكي، اضاءةٌ الشَّمس الخَافِتة تَسللت بِشقاوة لِتُنير الغُرفَة، سَقَط ضَوؤُها عَلى عَدسة آلة التصوير التي أودعتها بِجانِبي، كُنتُ جَالساً عَلى أريكة جِلدية مُزدوجة مسنداً رَأسِي وَفارداً سَاقي فَوق طَاولة مُنخَفِضة مُستقرةً أَمامِي، الكَثير وَالكثير مِن الصُّور مُلقاة بِحانِبي بِفوضوية، تَتهاوى قَطرات المَاء مِن الصُنبور بِبطء كَاسِرةً الصَّمت الخَانِق وَلَازلتُ بِدورِي أُحدِّق بِالسَقفِ بِشرود إلى أَن قَاطع خُلوتِي صَوتُ الجَرس يَرن مُخترقاً طَبلةَ أذني..
جَلستُ باعتدال بَعْد أَن زَفرتُ بِحدة وَرفعتُ عَيني المُتعبتين صَوبَ السَّاعة المُعلَّقَة عَلى الحائط لَأراها تُشير الى التَّاسِعة والنصف صَباحاً، هَاهو الْيَوْمَ الثَّالث يَمر وَلَم يَزرني النَّوم مُطلقاً، رَنَّ الجَرس مَرةً أخُرى تَليها أُخر لِأقف بِانزعاج، سَقَطْت صُورة مَا عَلى الأَرْض، أَحنيتُ جِذعِي لِإلتِقاطها، قلبتها بَيْن كَفي وَرَأيت الضَّباب يُغطي الصورة بِأكملها، وَضعتها على الطاولة بَعْد أَن بَعثرتُ خصلات شَعري السَّوداء بِضيق وَسحبت سَاقي قَسرًا صَوبَ الْمَمَر الطَّويل المُؤدي الى بَاب الشقة، مَا إِن لامَست أَناملي البَارِدة مِقبض البَاب حَتَّى فَتحته بِقوه مُفاجئة أَجفلت الوَقح الوَاقف أَمام بَاب شقتِّي لِيشهق أَمامِي بِفَزع كَمن أَوَشكت رُوحه عَلى الصُّعود مُغادرة جَسده وقَد تعثر بِخطاه لِلخلف بشكل مُبالغ به، صَاح بِي بِغَضَب بَعْد أَن استعاد مِن تَوازنه:
-"هَوّن عَلَيْك يَا رَجُل لَقد أَفزعتنِي!"
لَقد كّانت يَدَه مُعلقةً بِالهَواء بِشكلٍ مزعج، استطرد قَائِلاً مُوجِّهًا سبَّابته نَحوي:
-"ثُم مَابال مَنظرك البَشع هَذَا؟! الهَالات السوداء استقرت تَحتَ عَينيك، ألم تَنم البَارِحة؟! وَجهك شَاحب هَل تَناولت شَيئاً عَلى الأَقل؟" وَضع بَاطن كف يده على أنفه وتمتم بِاشمئزاز:
-"رائحتك!! يَاالهي مَتى آخر مَرةً استحممت فِيهَا؟ ثُم مَابال مَلابِسك الرَّثةِ هَذِه؟!!"
حَدقتُ بِه بِجمود وَتمتمت:
-"الجَرس"
نَظر الي بِبلاهه لِأكمل بامتعاض:
-"لَا تُزعجني بِرنينه لَستُ أصَّمًا!"
تَركته خَلفي بَعْد أَن رَأيتُ فَكّه يَكَاد يَصِل لِلأرض، عُدت الى الغُرفَة لِأستلقي عَلى الأريكة هَذِه المَرة، اغمضت عَيني بِتعب، شَعرتُ بِه بَعْد خَمس دَقائق مِن الصَّمت يَقف بِجانِبي بَعْد أَن كَان يَعبث فِي الأرجاء، نَطقتُ بِهُدوء:
-"آستر! صَدقني لَستُ بِمزاج جَيد لِذَا اتركن.."
-"هَل أَنت بخير؟"
قَاطعني لَأفتح عَيني وَأحدق بِه، ابتَسمتُ بِسُخرية مُتسائِلًا:
-"مَا رأَيك أَنت؟"
لَوى شَفتيه وعَقد حَاجِبيه مُجيباً عَلى سُؤالي:
-"لَستَ كَذلك"
جَلسَ عَلى الطَّاوِلة بِجانبي تَساءل وَهُو يَنقل بَصَرِه اليَّ تَارةً وَتارة أُخرى الى تِلْك الفَوضى حَولي:
-"مَا الذي فَاتني؟"
-"لَم تَفتك حَلقة مُسلسك المُفضل لَا تَقلق!"
-"أودن!!كُفَّ عَن المُزاح!أَنا جَاد الان"
-"البَطل سَيَمُوت فِي النِّهاية لَقد قَرأت الْكِتَاب البَارِحة!"
مَلامِح الصَّدمة ارتسمت عَلى وَجهه، سُرعان مَا أَمسك آستر بِعلبة المَنادِيل المُستقره بِجانبه لِيصوبها نَحوي، صَرخَ بِغَضَب:
-"أَيُّها الحَقير!"
رَفعَتُ يَدي الخَائرة لِأَصد مَا كَان يَقذفه نَحْوِي بِاستمرار إِلى أن تَوقفَ فَجأة، أَسقطتُ يَدي بِجانِبي حِين رَأيته يُحدق بِالصورة التي وَضَعتُها عَلى الطَّاوِلة مُسبقًا، رَفعَتُ أَنظاري لِلسقف وَسألته بِهُدوء:
-"مَاذَا تَرَى فِيهَا؟!"
شَعرتُ بِنظراته الحَاده تَختَرِقُني كَالسيف، حَولت بَصري نَحوه مُنتَظِراً اجابَته، صَوَّب بَصره نَاحية الصُّورة لِيصف لِي مَا يَراه بِدقه:
-"اخترق السَّماء نُور الشَّمسِ الذَّهبي وَالَّذِي أعطى لَمسة دَافئة لِلصورة، أَرضٌ مُنبسطة خَلفَ شَجَرةٌ ذَاتِ جِذعٍ طَويل، امتد ظِلُّها لِيُغطي بُقعة كَبِيرَة، لَازالت بَعْضُ الأوراق الخَضراء تتَساقط بِرشاقةٍ وَخِفة و..."
تَوقفَ مَا إن تَنَبهَ لوَجهي المُكفهِر، رَفع حَاجِبًا بِتعجبٍ وَاستغراب، عَدَّلتُ مِن وَضعيتي جَالِسًا باستقامة، حَدقتُ بِه بِجمود سُرعان مَا تَنهدتُ بِعمق وأَشحتُ بِنظري عَنه، تَساءل حِين طَال صَمِتي:
-"مَا الأَمر؟"
طَأطأتُ بِرأسِي وَهمست:
-"لَقد سَقطتُ سَهواً ياصديقي، هَاهِي عَوَاقب سُقوطي تَحدُث أَمامِي "
-"مَاذَا إن كَان سُقوطك قَد خَلَّف شَيْئًا؟"
رَفعتُ رَأسي ونَظرتُ اليه بِفضول، تمتمتُ بِشرود:
-"مَا الذي تَعنيه؟"
-"كَشِهابٍ سَاقط مَثلاً؟"
أنت تقرأ
وَمِيض || PHOTOFLASH
Non-Fictionهَا قَد عَاد السَّواد يَكتَسِحُ الصُّور مُجددًا. -لا أسمح بِالاقتباس، أَو نَشر ما أكتبه في مواقع أُخرى.