الثاني عَشَر مِن شَهر حزيران عام ٢٠١٤م
أَسندتُ رَأسي عَلى زُجاج النَافِذة أُراقِب الطَّريقَ بِشرود والنعاس لَا زَال يُهلكني،كَان آستر يَنقر بأصابعه على المقود وبِإستمتَاع يُدندن، شَعرتُ بِه يَبتسم وَيحول بِأنظاره تَارةً نَحْوِي وتارةً أُخرى نحو الطريق،نَطق بِصوتٍ مَرِح:
-"مَالأَمر؟لَم وَجْهَك مُكفهر؟!"
-"أُخرس!"
-"مَالذي يُزعجك؟!"
-"أَخبرتك مِراراً لَا فَائدة مِن مُشاركتي لِتلك المسابقة التَّافهه!"
-"لَا ضَيرَ مِن المُحاولة ثُمَّ أَنكَ سَتَفوز صَدقني!"
-"لَا أَعلمَ لِم تَصِر عَلى أَن تَدفعني بِقُوَّة لِدرجة شعوري وَكأني هويت مِن مُنحدر عَميق،أَلا تَظُن بِأن هَذَا كَافٍ وَأنني اكتفيت؟! ثُم أَنني أَخبرتك أَنني سَأَترك التَّصوير "
-"عَلى جُثتي!"
قَالَها بِنبرةٍ حَادة،استطرد قَائِلًا بَعْد أَن هَدأ قَليلاً:
-"أَنَا أعتذر إِن كُنت أَدفَعُكَ بِقوة وَلَكِن الْوَقْت ضَيق لَدي."
هَمستُ وَأَنَا أراقِبه بِتمعن:
-"ضيق.."
عَدلتُ مَن وَضعيتي بَعْد أن زَفَرتُ بِحده،نَظرتُ إليه وَنَطقت بِنبرةٍ هَادِئَة:
-"آستر ثَمةَ أُمور تُخفيها عَني،لَازِلتُ أَنتظر الْوَقْت المُناسب لِتخبرني بِمَا يَجري حَوْلك!"
نَطقَ بِهُدوء عَلى غَيرِ العَادة تَزامُنًا مَع تَوقف السَّيارة:
-"تَنقُصنا بَعْض المُعِدَّات سَأجلبها انتظرنِي هُنا.."
حَدَّقت بِه بِجُمود بَينَمَا كَان يَتحاشَى النَّظر الي،فَتح البَاب وتَرجل مِن السَّيارة، سَار مُبتعدًا ،فَتحتُ زُجاج النَّافِذة،رَفعَتُ مِن نَبرة صَوتي قَائِلًا:
-"الهُروب لَيْس حَلَّاً مَا هُو إلا جُبنًا!"
كَانت الشِمس عَلى مَشَارِف الغُروب،تَوقفنا أَخيرًا حَولَ بُقعة جَيدة لِلتخييم،تَرجلتُ مِن السَّيارة أَسمع طقطقة عظامي فيما انتصبت وَاقِفًا،التفتُّ لِآستر الذي مَا إن عَاد وَهُو يَتصَرف بِغَرابَة،سَاعدته بِإخراج الحَقائب وَالمُعِدَات مِن صندوقِ السَّيارة،نَصَبتُ الخِيام فِيمَا أَشعلَ النَار وَأَعدَّ لَنا الطَّعام،كَانت الأَجواء بَيْنَنا خَانِقَة لَم أَستطع حَتَّى مَضغ الطَّعام،ابتلعت مَا أتناوله بِصعوبة وَأردفتُ بِنبرةٍ بَارِدة:
-"أعتذر إِن ضَايقك كَلامِي"
رَفع رَأْسِه لِينظر الي بِدهشه،كَانت حَدقتيه مَع الإضاءة الخَافِتة تَتوسع بِبطء،لَمعة عَينيه عَادت لِلحظة ثُم اختفت،فَتح شَفتيه لِينطق بِشَيْء مَا وَلكنه أَحكم اغلاقَهُمَا وأَشاحَ بِوجهه عَني..
التفت الي فَجأة ونَطق مُبتسِمًا:
-"لَا تُلقِي لِلأَمرِ بَالاً!لَقد صُدمتُ لِأنك اعتذرت فَقط ..أَجِد الأَمر غَريبًا!"
ثُم ضَحِك بِخفه
ابتسمتُ بِاصفرار مُجامِلًا ووَقفتُ لِأجهز عدتي،ثَبّتُّ الكَامِيرا بِحامِل ثُلاثِي،أَضفتُ لَها عَدسة جَديدة لِتُعطي دِقة وَاضِحة،مُنبة صَغير مُعلق بِالحَامِل،رَجعتُ بِخُطواتِي لِأخفض الأنوار البَسيطة التي بِقرب الخَيمَتين كَي لَا تُؤثر عَلى اضاءة الصُّورة،فَتَحتُ حَاسُوبي المَحمُول وَوصلتُه بِالكَامِيرا كَي يَتِم تَحميل الصُّور التي سألتقطها فِيه وَأضيف بَعْض التَّعديلات عَليها لَاحِقًا..
جَلست عَلى الكُرسي وَجسدي لَم يَعرف الاسترخاء فَقَد بَقِي مُتصلبًا كَالصخرة،يَدي لَم تتوقف عَن الارتعاش،أنظاري تَنتقل لِلسَّمَاء والى شاشةِ هَاتفي بِقلق،عَلى الرغم مِن أني لَا أهتم لِلمُسابَقة إلا أَنني أَحب تَقديم أفضل مَا لَدي،شَعرتُ بِخطواته خَلفي تَضرب الحَشائش الطَويلة،نَظرتُ اليه بِطرف عَيني، مَد يَدَه بِتردد نَحْوِي والتي تَحْمِل مَشروبًا سَاخِنًا، وَكأنه يخبرني أَن الأُمورعادت لنصابها بَيننا، أخذته بَعْد أَن شَكرته بِصوت خَافِت، رُبَّما هَذَا مَا أُريده الان.. الاسترخاء، أَتمنى حَقا أَن يطرق بَابي
قَفزت مَفزوعَا مِن غَفوتي حِين أخبرني آستر بِأنه لَم تَتبَقى سِوى دَقيقتين عَلى المَوعد المنتظر أَساسًا لَا أَعلم مَتى غَفوت فَآخر مَا أَتذكره حَديثنا عَن ذِكريات الطِّفولة! وَقفتُ بِسرعة وَأخذت وَضعية الإستعداد وَآستر لَم يَتوقف عَن القفز بِحماس والصراخ!
ثَوانٍ قَليلة،هَوى شِهاب مِن سَماء دَامسة مَملوءة بِالنجوم،فِي تِلْك اللحظة تَوقف كُل شَيْءٍ بِنظري رَأيتُ الوَميض الذي يَسبق الصُورة،وَصوتُها الذي اشتقت لِسماعِه،دَمعت عَيني فَرحةً التفتُّ لِأنظر خَلفي،وَأدركتُ حَقيقةً كُنت قَد غَفلتُ عَنهَا..
عِندما هَوت النَجمة هَويتَ أيضًا يا صديقي.
-تَمَّت.
أنت تقرأ
وَمِيض || PHOTOFLASH
Non-Fictionهَا قَد عَاد السَّواد يَكتَسِحُ الصُّور مُجددًا. -لا أسمح بِالاقتباس، أَو نَشر ما أكتبه في مواقع أُخرى.