دخلت شيلا الى المطبخ بادية السرور والأنشراح ,وكأنها تسبح في الفضاء , قالت لأختها , التي كانت تعد القهوة:
" أسعدت صباحا , يا جيني!".
تنهدت جنيفر , وهي تلاحظ الفرق الشاسع بين ثياب أختها الأنيقة وثيابها العادية البسيطة
ثم أجابتها بهدوء:
" أسعدت صباحا".
بدا وجه شيلا مشعا كالضياء , ومختلفا تماما عما كان عليه في الأسبوع الماضي قالت لجنيفر بصوت موسيقي حالم:
" لدي شعور قوي بأن هذا اليوم سيكون رائعا للغاية!".
ثم صبت لنفسها فنجانا من القهوة ومضت الى القول :
"أوه , كم أنا مشتاقة للتزلج! تصوري أنني لم أتزلج ألا مرة واحدة في العام الفائت! أنا متأكدة من أنك ستستمتعين كثيرا برحلة التزلح هذه , يا جيني".
" أرجوك أن تتوقفي عن مناداتي بهذا الأسم , أسمي جنيفر!".
أستغربت شيلا الحدة التي لم تتوقعها في رد أختها , ولكنها أعتذرت منها قائلة:
" لم .... لم أعلم أن هذه التسمية لا تزال تضايقك حتى الآن".
" لم تعد تضايقني فعلا , ولكنني لم أكن مرتاحة نفسيا عندما أستيقظت هذا الصباح".
" ليس هذا الصباح وحده, يا حبيبتي , ماذا دهاك في الفترة الأخيرة . منذ مغادرة برادلي وأنت في حالة عصبية مستمرة , وخاصة خلال الأسبوع الفائت , هل يمكنك أطلاعي على أسباب ذلك ؟ سمعتك تتقلبين كثيرا في فراشك أثناء الليل ,ويبدو الآن من عينيك المتعبتين أن النوم لم يعرف طرقه اليك , كنا نحدث بعضنا دائما في السابق عن مشاكلنا , مع أنني أعترف بتغيري في الآونة الأخيرة من حيث عدم تمضية أوقات كافية معك , أما اليوم, فلدي النهار بكامله.... أو على الأقل معظمه".
وضعت جنيفر يدها على يد أختها وشدت عليها بمحبة وحنان , ثم قالت لها:
" شيلا , أنت أطيب أخت في العالم , ولكن لدي بعض المشاكل التي علي حلها أو تخطيها بنفسي".
" هذا ما أرمي اليه , حدثيني عن هذه المشاكل , لنتمكن معا من حلها بسهولة".
هزت جنيفر رأسها بحزن ظاهر , وقالت:
"لا , لا يمكنك مساعدتي في هذا المجال".
" هل يتعلق الأمر ببرادلي؟".
" الى حد ما , وهنا لا بد لي من القول أنني أدرس أحتمال عودتي الى مينابوليس".
" جيني.... جنيفر! لن تعودي الى العمل معه , أليس كذلك ؟".
" لا , يا شيلا , لن أعمل معه".
" لماذا أذن تريدين الذهاب ؟ أعرف أنك متضايقة جدا في الفترة الأخيرة , ولكنك كنت سعيدة في البداية , الأولاد متعلقون بك الى درجة كبيرة ,ومن المؤكد أنهم سيشعرون بفراغ هائل.... بالضياع ... فيما لو ذهبت".
" لن أبقى طويلا هناك , النقطة الأهم , هي أنني أشعر بعدم جدوى من وجودي هنا في الوقت الحاضر".
حاولت شيلا الأعتراض على هذه الكلمات , ولكن جنيفر مضت الى القول:
" أعرف تماما أنني حملت عنك بعض الأعباء التي كانت ملقاة على كاهلك , ولكنني أمضيت وقتا طويلا وأنفقت الكثير من المال لأتخصص بشيء لا أقدر على تطبيقه هنا .... ثم ... لدي أنطباع قوي بأن شخصا آخر سوف يتولى قريبا مهمة مساعدتك أنت والأولاد بصورة دائمة".
أحمر وجه شيلا بطريقة تظهر سعادتها وأرتياحها , في حين شعرت جنيفر بحزن عميق , تمالكت نفسها وتظاهرت بالضحك
قائلة:
" هناك أمر آخر , هو أنني لا أحب منافسة أحد لي على قلوب الأولاد".
أستعادت شيلا بعض الجدية , وقالت بأهتمام بالغ وأخلاص حقيقي:
" أذا كان موضوع الوظيفة , هو الذي يقلقك , فأنا واثقة من أن لوغان....".
" لا! أنا قادرة تماما على أيجاد وظيفتي بنفسي , أعتقد أن عودتي ضرورة ملحة , كان قراري من هناك أصلا خطوة سخيفة للغاية ".
" هل حددت موعدا لمغادرتك جاكسون؟".
طالبها عقلها بأن تذهب في القريب العاجل.... اليوم وليس غدا , ولكنها لم تكن مستعدة لألزام نفسها بموعد محدد , تظاهرت بالأبتسام ,وقالت:
" لم أصل بعد الى مرحلة تحديد المواعيد".
لمعت عينا شيلا ببريق كشف سر سعادتها , وقالت بصوت ناعم:
" آمل , لأسباب شخصية , في أن تطيلي فترة البقاء هنا بعض الوقت".
لم تتمكن جنيفر من التعليق على كلام أختها هذا بصراحة وصدق , فقررت التحدث عن موضوع آخر , قالت لأختها بهدوء:
" لدي بعض الأعمال في البلدة , فهل تريدين أي شيء من هناك؟".
" لا, لا أعتقد ذلك ,ولكن , تذكري أننا سنذهب الى التزلج بعد الظهر".
أجابتها بأنها ستتذكر ذلك ,وخرجت مسرعة من المطبخ , لحقت بها شيلا
وقالت بلهجة حادة:
" أنا أعني ما أقول , يا جنيفر , لن أقبل منك أي أعذار أو حجج واهية كالتي أستخدمتها في الأسبوع الفائت... كلما خطط لوغان لأي مشروع أو رحلة أو سهرة".
حاولت جنيفر جاهدة أخفاء تهكمها , ولكن لهجتها كشفت بعض ما يجول في خاطرها ,قالت لأختها باسمة:
" يجب ألا نعرقل أبدا خطط لوغان أو مشاريعه , أليس كذلك؟".
" بما أنه خطط لهذه الرحلة خصيصا لك , فمن اللياقة والواجب أن تحضري , أريد وعدا قاطعا منك الآن بأنك ستأتين".
وعدتها بذلك , ثم هرعت الى غرفة نومها لأرتداء ثيابها , وبعد دقائق قليلة , خرجت من المنزل على عجل ... فيما كانت شيلا تذكرها بالموعد المتفق عليه , ستكون هناك في تمام الواحدة , لأنها ألزمت نفسها أمام أختها.
" يا لها من أيام عصبية لا تطاق! أرغمها لوغان معظم أيام الأسبوع الفائت على الأنضمام الى الفريق الثلاثي, ظنت في بداية الأمر أن ديرك أصبح على وشك تحقيق بعض التقدم مع شيلا , فعضت على جرحها ولم تعترض على الذهاب معهم , ولكن نظرة واحدة الى وجه شيلا وهي تتحدث مع لوغان , تكفي لفهم ما يدور بينهما وما يخططان له ,وجاءت الضربة القاضية ليلة البارحة
ثم أمسك بكتفيها وهزها قليلا , قبل أن يمضي الى القول:
" تصورت في البداية أنك مهتمة بسعادة شيلا , ولكن الأمور تبدلت أخيرا , أليس كذلك؟".
أبعدت وجهها عنه بسرعة , لأنها لم تعد قادرة على تحمل نظراته , تهمها سعادة أختها من صميم قلبها , ولكنها تتمنى ألا تجد شيلا تلك السعادة بين ذراعي الرجل الذي تحبه هي , أقنعت نفسها بأنها محظوظة لأكتشافها مسبقا أعتزام لوغان وشيلا الزواج في المستقبل القريب , ستجد الوقت الكافي للتأقلم مع الوضع القائم والتطورات الجديدة , ستواجه الأمور بشجاعة وقوة , ولكن المسألة لن تكون سهلة أطلاقا , فمجرد رؤيتها لوغان , أعاد الحزن والألم الى قلبها المعذب , أرادت أبعاد أفكارها عنه , فتظاهرت بالهدوء
وسألته:
"أين هي شيلا الآن؟".
نظر اليها بأستهزاء ,وقال:
"أرسلتهما الى قمة الجبل , عندما قررت المباشرة في البحث عنك ".
أذن , فالفريق الرعابي مكتمل الأعضاء ... والمسكين ديرك أيضا مضطر للأنضمام كشاهد على أنتصارات لوغان ! يا للشقاء!وصلا الى القمة ,وبدآ يتزلجان بصمت وهدوء تامين , سخر المتزلجون الآخرون منهما , بسبب سكوتهما والجدية المرتسمة على وجهيهما , وقفا أمام المنحدر الأول , فقال لها بنبرة حادة بعض الشيء:
" أبلغتني شيلا بأنك قررت العودة الى مينابوليس".
رفعت رأسها بتحد , وقالت:
"هذا صحيح".
وجه اليها نظرات قاسية جدا , وقال لها بلهجة مهينة:
" وهل ستقبلين العرض الذي قدمه اليك ذاك الرجل؟".
لم تجبه على سؤاله , فتنهد بعصبية بالغة وقال:
" هل من الممكن مطالبتك بأطالة فترة بقائك هنا , لأجل شيلا , أن لم يكن لأي شيء آخر!".
يا لغروره المزعج! يتصور أنه قادر على تحقيق كافة أغراضه وأهدافه بمجرد المطالبة , أو السؤال.
" جيني.........".
لم تدعه يكمل كلامه , مع أن لهجته كانت حنونة جدا , قاطعته قائلة بعصبية , والدموع في عينيها:
" لا تنادني هكذا!".
أستدارت بسرعة نحو المنحدر , وأنطلقت كالسهم ... قبل أن يتمكن لوغان من أيقافها أو الأمساك بها , سمعت تحذيرا ضمنيا يصرخ في رأسها , يطالبها بالحد من سرعتها الجنونية! أحست بمتزلج يقترب منها , لا شك في أنه لوغان.
" خففي سرعتك فورا!".
شعرت للحظة بأن عليها متابعة النزول بتلك السرعة الهائلة , ولو أدى ذلك الى كسر رجلها أو يدها , أليست هذه النتيجة أفضل من تحطيم قلبها على صخرة حبه؟ لا , لن تتهور الى هذه الدرجة , توقفت بصورة مفاجئة , فكاد لوغان يصطدم بها , صرخ بأعلى صوته
وبلهجة تضج غضبا:
"ماذا كنت تحاولين القيام به ؟ الأنتحار؟".
أرتجف جسمها وغاب اللون من وجهها , فتحت فمها لأستعادة أنفاسها , فدخل الهواء البارد الى رئتيها كالخنجر , لم تجرؤ على النظر اليه, فمضى الى القول بالعصبية ذاتها :
" لن تجيبيني , كعادتك , فأما أن تفلتي لسانك السليط اللعين من سجنه لتوجيه الشتائم والكلمات القاسية اللذعة , وأما أن تقفي صامتة كالآن , أو تحاولي تجنبي قدر الأمكان , متى ستتوقفين عن محاربتي و....".
أوه , أنظر , ها هما شيلا وديرك!".
لوحت لهما بيدها وهي تشعر بالسرور والأرتياح , لأن وجودهما سيخفف كثيرا من الآلام التي تحس بها نتيجة أنفرادها بلوغان , ردت أختها التحية بفرح ظاهر , فيما أكتفى لوغان بهز رأسه بحذر وهدوء , وبتنبيه جنيفر من مغبة السرعة , وما أن أقتربا منهما قليلا , حتى أنطلق الآخران نحو المنحدر الثاني وأخذت شيلا تقوم بحركات بهلوانية أمام ديرك وحوله.
وفجأة ... تبدل المنظر المرح , وتحول الى شبه كارثة , سمعت جنيفر صرخة قوية من أختها, وشاهدت ديرك يتوقف بسرعة وينحني فوق شيلا , تركها لوغان وتوجه نحوهما , قبل تمكنها من فتح فمها ومناداة أختها بصوت حزين مرتجف.
أنطلقت فورا الى مكان الحادث , الذي سبقها اليه أيضا أحد أفراد الدورية المسؤولة عن سلامة المتزلجين , وقفت جنيفر صامتة قرب أختها , فيما كان الرجل ولوغان يفحصان جسمها للتأكد من سلامتها... وديرك يمسح الثلج عن وجهها , فتحت شيلا عينيها لحظة وهي تئن بصوت خافت , قال لوغان للرجل:
" يبدو أنها لم تصب ألا في قدمها".
" سأذهب فورا لأحضار زحافة وأستدعاء سيارة أسعاف".
شعرت جنيفر بأنها شخص غريب , يراقب عن بعد كابوس أنسان آخر , تركزت نظراتها القلقة على الملامح المتوترة في وجه لوغان ,وهو يتحدث مع ديرك ,لم تسمع كلامه , لأن الصدمة التي تعرضت لها بسبب حادث أختها كانت قوية وعنيفة , وصل الرجال المسؤولون عن نقل شيلا الى سيارة الأسعاف خلال دقائق قليلة من وقوع الحادث , ولكن جنيفر تخيلت تلك الفترة القصيرة وكأنها زمن طويل , أدركت أن لوغان موجود قربها , ولكن أهتمامها كان منصبا بكامله على أختها وما تشعر به من آلام.
وصل الجميع الى المستشفى , وأدخلت شيلا الى أحدى الغرف المخصصة لمثل هذه الحوادث , أحضر لوغان فنجانا من القهوة الى جنيفر وطلب منها أن تشربه , ثم توجه الى مكتب المستشفى لملء الأوراق المتعددة التي تتطلبها مثل هذه الأحوال , عاد بعد حوال ثلث ساعة , فلم تشعر بعودته , أخذ منها الفنجان الذي لم تشرب منه سوى جرعة واحدة , وقال بصوت ناعم:
" لم تشربي قهوتك , هل أنت بخير؟".
نظرت اليه بعينين زائغتين ,وسألته بحزن بالغ:
" هل أبلغوك شيئا عن شيلا؟".
" صوروا لها القدم بالأشعة , وسوف ينزلونها بعد قليل, يعتقد الطبيب بوجود كسر في القدم , ولكنه يريد الأطلاع على صور الأشعة , قبل أصدار حكم نهائي ".
دخل طبيب وممرضة في تلك اللحظة قاعة الأنتظار , وسمعت جنيفر كلمتي أخت وخطيب قبل أن يقترب الرجل من لوغان ويصافحه قائلا:
" أنا مسرور برؤيتك , يا لوغان, كنت أفضل أن يتم هذا القاء في ظروف أفضل".
ثم نظر الى جنيفر وديرك , وقال لهما على التوالي :
" الآنسة غلين! السيد تايلور! أنا الطبيب مارتش".
لم تفهم جنيفر من حديث الطب عن وضع أختها ألا القليل , ولكنها أدركت أن الوضع ليس سيئا الى درجة كبيرة , وسمعته ينهي شرحه قائلا بهدوء:
" أعطيتها بعض الحبوب المخففة للآلام , بأمكانكم , أذا أردتم , مقابلتها لبضع دقائق".
أمسكت جنيفر بيد لوغان بقوة , فيما كان يساعدها على النهوض , وذهبت معه الى غرفة شيلا , حدقت حزينة بوجهها الذي فقد لونه ورونقه , ثم أبتسمت عندما فتحت أختها عينيها الجميلتين وقالت ممازحة بصوت ضعيف:
" هذه هي نتيجة التهور , أليس كذلك؟".
لم تتمكن جنيفر ألا أن تهز رأسها ,ولكن لوغان أبتسم بدوره وقال:
" طبعا , طبعا, لن نطيل البقاء هنا , لأن الطبيب لم يسمح لنا ألا بدقائق قليلة... وديرك ينتظر خروجنا ليدخل ويراك".
رفعت رأسها بصعوبة عن الوسادة , وقالت:
" والأولاد؟".
" لا تقلقي , فسوف نهتم بهم , سنعود لرؤيتك في وقت لاحق , عندما تستفيقين جيدا".
شعرت جنيفر بيد لوغان تمسك بها , لأخراجها معه من الغرفة , تمتمت بكلمات وجيزة مرتعشة , مودعة أختها ومتمنية لها الشفاء العاجل , أوصلها لوغان الى قاعة الأنتظار وساعدها على الجلوس , ثم طلب منها أن تنتظره فترة قصيرة.
شيلا بحاجة اليها الآن أكثر من أي وقت مضى ,وخاصة في مجال رعاية الأولاد والأهتمام بهم , أنهم متعلقون كثيرا بأمهم , فهي الأم والأب في آن واحد , ستحاول جاهدة التخفيف من وقع الحادث على نفوسهم , آه , لو كان بأمكانها التصرف بحكمة وهدوء كما يفعل لوغان!
أبتسمت له وهو يقترب منها , ويسألها:
" هل أنت مستعدة للذهاب".
خرجا من المستشفى , فنزع قبعتها الصوفية عن رأسها دون أن يستأذنها أو يقول لها شيئ ,هزت رأسها بطريقة عفوية للتمتع بالهواء المنعش البارد , وقالت له:
" لماذا فعلت ذلك؟".
" حتى تتمكني من طرد الخوف والتوتر اللذين حلا بك".
أعجبتها كثيرا ملاحظته الذكية ... وأبتسامته الدافئة الحنونة , شيلا! يجب أن تتذكر شيلا , وألا تدع مشاعرها الخاصة تتدخل في مسؤوليتها خلال فترة عصيبة كهذه! ظلت جنيفر صامتة طوال الرحلة الى منزل شيلا , وعندما أوقف لوغان سيارته أمام البيت وهمت بتوجيه الشكر له , قال لها:
" هل تريدين أن أكون معك عندما تخبرين الأولاد عن حادث أمهم؟".
أدخل أستعداده هذا الكثير من الأرتياح الى قلبها , فأبتسمت وقالت:
" شكرا جزيلا , فمواجهتهم وحدي ستكون صعبة للغاية".
هجم الصغار الثلاثة عليهما بمجرد دخولهما المنزل , وقالت لهما سيندي بلهجة غاضبة:
" أين كنتما؟ ولماذا هذا التأخير؟".
أما أريك فلم يتردد عن الأفصاح عن مخاوفه ,أذ سألهما بحدة :
" أين أمي؟ ولماذا لم تأت معكما؟".
شرحت لهم جنيفر بصبر وروية مذهلين تفاصيل الحادث الذي تعرضت له والدتهم , وقف الثلاثة مذهولين مشدوهين , ثم أنفجر الصغير باكيا بصوت مرتفع , حمله لوغان وأجلسه على كتفه بعض الوقت , ثم أنزله ووضعه على ركبتيه قائلا بمرح مطمئن:
" لو لم تكن أمكم بخير والحمد لله , فهل كان بأمكاننا أن نكون هنا ونتحدث معكم بمثل هذا الأرتياح؟".
أقترب منه أريك وسيندي وأستوضحاه عن حقيقة ما جرى , فحول لهما القصة من حادثة ....الى مغامرة شيقة ... أنتهت بحادث بسيط هامشي , شكرت جنيفر الظروف التي ساعدتها ,والتي يعود الفضل الأكبر فيها الى ... لوغان ,وفيما هي غرقة في أفكارها وتأملاتها , سمعت الأولاد يصرون عليه لمشاركتهم طعام العشاء , أبتسمت بسرور فائق , عندما لاحظت موافقته شبه الفورية على دعوتهم , سيبقى بسببها؟ لا, لا يمكن ذلك! وافق على البقاء لأجل الأولاد الذين يحبهم ! أعتذرت من الجميع ,وتوجهت الى المطبخ لأعداد الطعام.
أعدت عشاء رائعا يشبع العين والأنف قبل المعدة , ثم دعت لوغان والأولاد الى المائدة , تناول الجميع طعام العشاء بشهية واضحة ,وهم يضحكون ويثرثرون طوال الوقت , تضايقت جنيفر في بادىء الأمر وعاتبت نفسها على التصرف بهذه الطريقة , مع أن أختها لا تزال في المستشفى , ولكنها أقنعت عاطفتها الأخوية بالتنحي جانبا , كي تتمتع بوجودها على هذا النحو مع لوغان.
تولى أريك وسيندي مساعدة خالتهما لنقل الصحون والسكاكين وغيرهما من أدوات المائدة الى المطبخ, وعادا بسرعة الى قاعة الطعام ليشاركا بلعبة مخصصة لسلوى الصغار والكبار على حد سواء , وفي هذه الأثناء وضع لوغان لعبة ريتشارد المفضلة أمامه وجهز الطاولة أستعدادا للعبة الآخرين , شكلت سيندي وجنيفر فريق السيدات , بينما شكل أريك ولوغان فريق الرجال , تنافس الفريقان مرتين , ففاز كل منهما مرة .... وتعادلا , نظرت جنيفر الى ساعة الحائط وطلبت من الأولاد الثلاثة الأستعداد للذهاب الى النوم , تململ الأولاد , فتولت هي الأهتمام بأمر ريتشارد , في حين وعد لوغان الولدين الآخرين بقصة جميلة .
نام الصغير خلال دقائق , فذهبت جنيفر الى المطبخ وبدأت تغسل الصحون والأطباق ... وتفكر , أحست بأنقباض رهيب وبأرتكاب خطيئة كبيرة ,عندما تصورت نفسها تحاول سلب أختها الرجل الذي تحبه وتريد الزواج منه ,آه , لو كان بأمكانها الحلول محل أختها في سرير المستشفى ! وترقرقت عيناها بالدموع...
" كان يوما طويلا ومرهقا جدا بالنسبة اليك, يا جيني غلين , أليس كذلك؟".
جاء صوته مشبعا بالعاطفة والحنان , فأنهمرت من عينيها دمعتان جديدتان , لو لم يتحدث اليها بتلك اللهجة الغزلية الناعمة , لتمكنت من صده ومقاومته عندما ضمها الى صدره وطوقها بذراعيه القويتين , أرادت أن تبكي نهرا من الدموع , لأن الألم عميق للغاية , شعرت بوجود علبة خاتم الخطوبة في جيبه , فكادت تحترق غيرة وعذابا , أبتعدت عنه بهدوء كيلا يلاحظ أرتعاشها , وقالت له:
" تريد زيارة شيلا مرة أخرى هذه الليلة!".
تأملها مليا وهي تقول له هذه الكلمات القليلة , ثم علق على جملتها بالقول:
" تجاوزنا أوقات الزيارات المسائية , ولكنني متأكد من قدرتي على رؤيتها ولو لدقائق قليلة".
" ربما كان من الأفضل ألا أدع الأولاد يصرون على أبقائك هنا".
" لم يكن الأولاد مضطرين للأصرار".
أقترب منها ثم توقف على بعد خطوة واحدة , عندما لاحظ أبتعادها عنه بصورة عفوية , ومضى الى القول:
" أنت بحاجة لساعات عديدة من الراحة والنوم".
تضايقت جنيفر كثيرا من تلك الملاحظة , وقالت له بحدة:
" شكرا لك على أطلاعي بأنني أبدو رائعة وأضج حياة ونشاطا".
" سأمر عليك حوالي التاسعة والنصف من صباح الغد , كي نكون هناك أثناء الجولة التفقدية التي يقوم بها الطبيب على مرضاه".
هزت جنيفر رأسها موافقة , فقال لها بشيء من الأنفعال:
" أتصلي بي , أذا أحتجت الى مساعدتي , سأبقى الليلة في منزل والدتي , رقم هاتفها موجود هناك قرب الهاتف".
أكدت له بتهذيب أنها لن تضطر للأتصال به , فالأولاد يغطون في نوم عميق وكل شيء على ما يرام , تمنى لها ليلة سعيدة وغادر المنزل , بدون أضافة كلمة أخرى الى الجملة المعتادة , قالت لنفسها أن التردد كان واضحا في طريقة مغادرته البيت , ولكنها أستهجنت تلك الفكرة وطردتها من رأسها على الفور , لا شك في أنه يستعجل الذهاب... ليقابل شيلا ويمضي معها أطول فترة ممكنة.
ذهبت الى سريرها وتصورت أن النوم لن يعرف طريقه الى عينيها ,ولكنها أكتشفت أن القلق والتوتر أتعبا جسمها وأرهقاه أكثر مما تصورت , وضعت رأسها على الوسادة .... ونامت.
أنت تقرأ
حبيبتي جيني ...
Romansالملخص الجراح درجات ...وجرح القلب أخطرها.... البعض يداوى حروق قلبه بالسفر والنسيان , والبعض الآخر يعض على جرحه وينام مكسورا من الألم. جنيفر خدعها مديرها ستيفنسن , وزرع فى كفيها أحلاما جرفها نهر الحقيقة , فأقفلت باب قلبها وهربت حاملة جراحها فى حقيبة...