كان الثلج يتساقط بكثافة فوق السيارة وحولها , بحيث لم تعد جنيفر ترى شيئا ... وكأنها أصبحت مغلفة بغيوم بيضاء ورمادية , وكان الشخص الآخر الذي يشاركها عالمها المغطى بالثلوج , آخر أنسان تريد أن تكون معه... لوغان تايلور.
نظرت اليه بسرعة , فرأته يركز نظراته وأهتمامه بصورة تامة على الأمتار القليلة المرئية بصعوبة أمام, كان يقود سيارته بعناية وتمهل شديدين , متمتما كلمات غاضبة عن تلك العاصفة الثلجية المزعجة , ثم قال لها , بدون أن تترك يداه مقود السيارة أو أن تحيد نظراته عن الطريق الممتدة أمامه.
"هل ستصرين , يا جيني غلين على مواصلة هذا الصمت الرهيب لساعتين مقبلتين؟".
توترت أعصابها قليلا وصححت له معلوماته المتعلقة بأسمها الأول , قائلة:
" أسمي جنيفر".
" أنا أفضل جيني غلين أكثر , أنه أجمل , وأسهل , وفيه موسيقى ".
كان يبتسم بطريقة أزعجتها بعض الشيء... مع أن كلماته كانت جميلة , أحتجت بالقول:
" أنني أكره أسم جيني , وأشعر بأنه لا يناسبني".
نظر اليها ثانية , وكانت أبتسامته هذه المرة عريضة وتوحي صراحة بأنه يريد أغاظتها , أحست جنيفر بأن نظراته تحمل الكثير من الود والمرح , فأضطرت لأبعاد وجهها عنه وعن سحره الجذاب , أرتعش جسمها قليلا , عندما تخيلت نفسها من ذلك النوع من النساء الذي يتأثر بسرعة بمغازلة الرجل الوسيم الفتان , وجه الى ساقيها لمحة خاطفة , ثم قال لها:
" أذا كنت تشعرين بالبرد, فثمة غطاء على المقعد الخلفي يمكنك أن تغطي به رجليك".
هزت جنيفر كتفيها وقالت له ببرودة , مستخدمة تعبيرا محليا:
" لا, أنني بخير , ولكنني أشعر بأن شبحا يمشي فوق قبري".
ثم تنهدت قليلا وسألته:
" هل المسافة لا تزال طويلة؟".
" أتصور أنها ما بين ثلاثين وأربعين كيلومترا".
قالت له بخبث واضح:
" آمل في ألا تقلق علي شيلا!".
أجابها بلهجة حازمة الى حد ما , فيما كانت نظراته الشيطانية تتأملها بسخرية:
" كيف يمكنها ذلك ,وأنت معي!".
ردت عليه فورا بدهاء مماثل:
" وهذا يعني أن كل شيء على ما يرام , أليس كذلك؟".
لم يجبها لوغان , لأنه أضطر لتركيز كافة أنتباهه على الطريق المتعرجة , أزدادت سرعة الريح , فضعفت الرؤية الى درجة مذهلة ,ولكن الأعمدة المزروعة على جانبي الطريق ,والتي تعكس أنوار السيارات , شكلت له ضمانة أكيدة الى درجة معينة , كما أن السلاسل التي لف بها عجلات السيارة , ساعدته على تفادي الأنزلاق الذي تتعرض له الآليات غير المزودة بمثل هذه السلاسل الضرورية.
" أنا لا أعجبك كثيرا , أليس كذلك؟".
أجابته جنيفر , وهي تعلم تماما أنها تكذب:
" لا تكن سخيفا , فأنا لا أكاد أعرفك".
"من السخيف منا؟ أتصور أنك أجريت لي فعلا محاكمة في عقلك , وأصدرت علي حكما مبرما , ألا أطابق الصورة التي رسمتها عني شيلا في رسائلها؟".
تأملته جنيفر ببرود , وهي تركز نظراتها على شعره الجميل ووجهه الوسيم , لم يسجل عقلها سوى الأوصاف المتعلقة بقوته , وحيويته , وغطرسته... وبالتأكيد خبرته الفائقة في الحب , توخت الصدق والأمانة , عندما أجابته قائلة:
" لا ,فقد كان لدي أنطباع أنك أكبر سنا وأكثر أستقرارا , أو بالأحرى رجل يعيش مع عائلته بهدوء وطمأنينة , هل تعرف أختي منذ زمن طويل؟".
ضحك لوغان قليلا , وقال لها:
" منذ بعض الوقت , كان أريك صديقي المفضل , وأذكر أننا ألتقينا شيلا في الوقت ذاته , أنها أمرأة جميلة جدا , نالت أعجابنا على الفور ,وحاول كل منا أن يسبق الآخر الى قلبها , فاز أريك , فتمنيت له التوفيق والسعادة , لم أتمكن من حضور حفل زفافهما وألا لكنت ألتقيت بك آنذاك , عادت شيلا الى جاكسون , فكان من الطبيعي أن أقابلها وأولادها , أنهم طيبون كثيرا... أريك الصغير يتصرف كرجل مع أنه لم يتجاوز السابعة , وسيندي تحاول جهدها أن تتمثل به , أما ريتشارد فهو الأكثر نشاطا وحيوية".
تساءلت جنيفر عما أذا كان مهتما حقيقة بأولاد صديقه المفضل ,أم بأختها التي فضلت مرة صديقه عليه , سألته بهدوء:
" هل تراهم كثيرا؟".
"نعم , لدى أختك شعور بالأستقلالية والأعتماد على الذات يثير الأعجاب ,ولكنها تجد من المناسب بين الحين والآخر أن يكون قربها رجل تعتمد عليه وتستعين به, يميل بول وكاتي , والدا أريك , الى تدليل الأولاد أكثر من الضروري ... أنه أمر طبيعي بالنسبة الى الجدين ,ولذلك أجد نفسي أحيانا مضطرا للتدخل ,والتصرف معهم كأب , أقوم بهذه المهمة لأخفف قليلا من مطالبة أمهم بأكثر مما يجب".
علقت على كلامه بشيء من السخرية , قائلة:
" أنك... الأخ الأكبر!".
سألها بهدوء وحذر:
" ماذا يعني كلامك هذا؟".
" هكذا تتصرف معهم , أليس كذلك؟ أعني... أعني أن هذه هي نظرتك نحو شيلا وأولادها".
"منذ متى لم تلتقي أختك؟".
" ألتقيتها عندما أتت الى المزرعة في الربيع الماضي , أما أذا كنت تعني ملاقاتها في جاكسون , فهذه هي المرة الأولى".
"لم تشاهديها وهي تمضي فترة ما بعد الظهر مع الأولاد , ثم تعمل معظم ساعات الليل لأنهاء أعمالها المنزلية , لا تعرفين كيف يصر أريك وسيندي كل مساء , بعد أن ينام أخوهما , على أن تخصص لكل منهما أهتمامها كاملا غير مجزأ... أو كيف يتصرفان أحيانا كشخصين راشدين لتخفيف بعض الأعباء عن كاهلها , كنت سأهتم بها ,وسأساعدها قدر أمكاني ,حتى لو لم يكن زوجها أعز صديق لدي , يمكنك أن تصفيني بأستهزاء كالأخ الأكبر , ولكن ذلك لن يمنعني عن متابعة ما أقوم به أتجاهها وأتجاه أولادها".
أرادت أن تستفزه لتظهر له أعتراضها على أهتمامه بأختها وأشمئزازها من ذلك ,ولكنها أثارت حفيظته وجعلته يتخلى عن هدوئه وسكينته... ويكشف لها عن طبيعته القوية المتسلطة وسمعته يضيف متمتما:
" كان علي أن أعرف أنه يستحيل وجود شخص آخر مثل شيلا , من حيث الأخلاص والتضحية ... والبعد عن الأنانية".
أدركت جنيفر أنها عرضت نفسها بنفسها لمثل تلك الكلمات القاسية ,ولكنها على الأقل أصبحت تعرف مدى حاجة أختها لها , أحست بعد هذه الملاحظة الكريهة بأنه ستساعد شيلا , عوضا أن تكون عبئا جديدا على كتفيها المتعبتين , فتحت فمها لتعتذر منه ,ولكنها شعرت بأن السيارة أخذت تموج كذيل سمكة , كانت الطريق مغطاة بطبقة رقيقة من الجليد , وأحست من ملامح وجهه المتوترة بوجود خطر حقيقي:
"تمسكي جيدا , يا جيني , فقد نخرج عن الطريق بين لحظة وأخرى".
حبست أنفاسها وهي تراقب محاولاته اليائسة للسيطرة على السيارة , بدا للحظة أنه يكاد ينجح بذلك ,ولكن... أنزلقت السيارة مسافة ليست قصيرة , ثم أرتطمت بأحد الأعمدة...وتوقفت , أبعد خصلات شعرها عن وجهها وقال لها بتلهف , فيما كان يتفحصها بعناية:
" جيني ؟ هل أنت بخير؟".
"نعم .... أنا... أنا بخير".
ثم ضحكت بشيء من العصبية والتوتر , وأضافت قائلة:
" أنا بخير والحمد لله, مع أنني أصبت بخوف وهلع شديدين :.
أبتسم وقال:
" وأنا أيضا, هل أرتطم رأسك بزجاج السيارة أو بأي شيء آخر؟".
أكدت له باسمة بأنها سليمة وشعرت بالدفء والأمان بسبب لهفته وأهتمامه الصادقين , وتضايقت الى حد ما عندما أبتعد عنها وأستوى في جلسته وراء المقود , خرج من السيارة , فأحست بقوة العاصفة وسرعة الرياح الباردة , تفحص مقدمة السيارة , ثم عاد بسرعة والثلج يغطي رأسه وسترته , واجه نظراتها الجادة بأبتسامة مرحة ,وقال:
" لدي أنباء سارة وأخرى سيئة , بماذا أبدأ؟".
أبتسمت وطالبته بأن يبدأ أولا بأبلاغها الأنباء الجيدة , فقال:
" علقت السيارة , ولا يمكننا أعادتها الى الطريق".
سألته بلهجة تنم عن الخوف الشديد:
" رباه, وما هي أذن الأنباء الجيدة؟".
"يوجد بيت على بعد حوالي مئة وخمسين مترا من هنا , ومن المؤكد أن سكانه موجودون فيه لأنني رأيت الدخان يتصاعد من المدخنة".
أحست بغضب عارم لم يدم طويلا , لأن روحها المرحة تغلبت على جديتها , أنفجرت ضاحكة , فضحك بدوره وقال لها باسما:
" وأخيرا عرفت أن لديك روحا مرحة , كان من الصعب جدا علينا أن ندخل بيت أشخاص غرباء ونحن على خصام , غطي نفسك جيدا , فالطريق طويلة والطقس رديء جدا".
زررت سترتها وشدت غطاء الرأس جيدا حول أذنيها وخديها , ثم أرتدت قفازيها وقالت له أنها جاهزة , طلب منها أن تخرج من جهته لأن الثلج أقل كثافة في الجانب الأيسر للسيارة , أخرجت رجليها لتنزل من السيارة , فقال لها ضاحكا من الخارج:
"سوف تغرقين في هذه الثلوج , أيتها المسكينة".
لاحظت كيف يغطي الثلج رجليه حتى الركبتين تقريبا , فأرتعش جسمها الصغير وهي تتصور نفسها غارقة حتى أعلى رجليها ,قال لها وهو يهم بحملها:
" ضعي ذراعك حول عنقي , سأحملك حتى الطريق".
أرادت أن تحتج وتمانع , لأنها لم تكن راغبة في الألتصاق الى هذه الدرجة برجل مثله ,ولكنها شعرت بأن الأعتراض سيكون سخيفا للغاية , لأن أقتراحه عملي ومنطقي , رضخت للأمر , وطوقت عنقه بذراعيها.
كانا على بعد ستة أو سبعة أمتار عن الطريق, ألا أن الهواء القوي كان يهب بأتجاههما , سرها جدا أن تتمكن من أخفاء وجهها في سترته البنية الجميلة... ليس فقط لحمايته من الثلج والريح , ولكن أيضا لمنع لوغان من رؤية أحمرار وجنتيها , أنزلها بهدوء وروية , وقال لها بصوت عال كي تتمكن من سماعه:
" سنمشي الآن نحو ذلك البيت , لا تتركي يدي , وألا أضعتك في هذه العاصفة".
رأت أبتسامته الخبيثة فتضايقت ,ولكنها لم تجادل أو تعترض , سار أمامها بخطى بطيئة ,وكانت قدماه تتحركان كشفرتي مقص ليفتح لها وراءه مباشرة ممرا أفضل , شعرت كأنها تسير على حبل مشدود , ولمسافة تصل الى آلاف الأمتار , تعبت كثيرا , وأوقفته بضع مرات كي تلتقط أنفاسها وتريح رجليها ,وفجأة , فقدت توازنها وهوت على ركبتيها , لم يستأذنها , بل حملها ثانية وهو يقول:
" أنه الأرتفاع الشديد , من الأرجح أننا الآن على علو حوالي ألفين وثلاثمئة متر عن سطح البحر".
لم ترفض أو تعترض , كانت متعبة لدرجة كبيرة , وممتنة له لأنه قرر حملها بقية المسافة , خاب أملها عندما أقتربا من ذلك المسكن , وتبين لها أنه كوخ خشبي وليس بيتا , تطلعت اليه لتعرف رد فعله , فلم تشاهد أي شيء غير عادي في ملامحه.
فتح الباب فجأة رجل متقدم في السن , تغطي وجهه لحية بيضاء وتوحي عيناه بأي شيء ألا الترحيب وروح الضيافة , تطلع الى لوغان غاضبا ,وسأله بصوت عال:
" ماذا تفعل هنا؟ ماذا تريد؟".
تجاهل لوغان الروح العدائية واللهجة العنيفة ,وقال بهدوء:
" علقت سيارتي قرب الطريق ,ولم أعد قادرا على أخراجها بسبب كثافة الثلوج , شاهدت الدخان يتصاعد من مدخنتك , وخيل الي أننا قادران على اللجوء اليك طلبا للأحتماء ببيتك أثناء الليل".
" أنكما غبيان جدا , وألا لما كنتما تجولتما في مثل هذا الطقس! في أي حال , أدخلا الآن قبل أن تتجمد هذه الأنسانة!".
فتح الباب لهما على مصراعيه ليدخلا , فأنزل لوغان أخت صديقته وشكر الرجل من صميم قلبه , قال لهما بصوت قاس , ينم عن الأنزعاج:
" ليس لدي قصر ,وليست لدي أشياء كثيرة يمكنني تقديمها لكما , ومع ذلك , فأنكما على الرحب والسعة".
أخذت جنيفر تتأمل الكوخ الصغير بأعجاب واضح , قبل أن يسألها لوغان:
" هل أساعدك لتخلعي حذاءك المبلل؟".
شكرته على أهتمامه بها , فتطلع بمضيفه قائلا:
" أسمي لوغان تايلور , وهذه هي الآنسة جيني غلين , أننا نقدر لك كثيرا أستضافتك لنا وأهتمامك بنا".
"هل قلت تايلور؟ يبدو أنني أعرف والدك , أيها الشاب , كان صيادا عظيما ,أليس كذلك؟ أنا لا أعترف أبدا بالصيد لأجل المتعة فقط , يجب أن يفرض على كل صياد أن يأكل لحوم الطيور والحيوانات التي يصطادها".
"صحيح ,ولكن والدي كان يصطاد كثيرا ويحب اللحم المشوي ,ولكنه توفي قبل سنوات عدة".
" أوه! هل يمكنني أن أدعوكما الى العشاء؟ أقتربا من النار, وسوف أحضر لكما بعض قطع اللحم , أسمي كارمايكل".
ثم أشار الى جنيفر وسأله عما أذا كانت تعرف كيف تطهو , أبتسم لوغان بمرح ظاهر , فقال الرجل:
" هناك شيئان لا يمكنني تحملهما ... الطاهية الجيدة , والأمرأة التي لا تعرف الطهي , ضحك لوغان وأقترب من الموقد , أنضمت اليه جنيفر , فقال لها:
" أنه عجوز يحب الخصام والمشاكسة , أليس كذلك؟".
أبتسمت جنيفر وهزت رأسها دليل الموافقة , نظر الى النار ثانية , وقال:
" يجب أن تستبدلي ثيابك هذه بأخرى جافة , سأحضر لك الحقيبتين من صندوق السيارة".
"ليس ذلك ضروريا على الأطلاق , سوف أتدبر أمري هذه الليلة ".
"هراء! أنتظري هنا! سأعود خلال دقائق".
أمسك بيدها وأجلسها على كرسي قرب النار , وهم بالذهاب , قالت له:
" أنتظر على الأقل حتى تجف ثيابك".
"لا, فالوقت لا يسمح لي بذلك, أذا أنتظرت قليلا رحل الظلام , فلن أجد طريقي بسهولة الى السيارة".
راقبته جنيفر بتردد , فيما كان يزرر سترته ويضع يديه في قفازيه ,لوح لها بيده... وغادر الكوخ على عجل , أنه طيب جدا , ويحب مساعدة الآخرين , ربما كان هذا التصرف أحدى وسائله لأيقاع النساء في شركه وحبائله, ولكن... ما هو رأي شيلا به؟ أنها الآن على الأرجح في وضع يجعلها فريسة سهلة المنال بالنسبة لرجال مثل لوغان , فهو من النوع الذي يستطيع التظاهر بأنه الرجل المطلوب , والتصرف كأنه شخص لا يمكن الأستغناء عنه ,أبتسمت جنيفر بشيء من الأعتزاز , لأن برادلي ستيفنسن علمها هذه الأمثولة , أصبح بأمكانها الآن أن تنظر الى أشخاص مثل لوغان بروية وحذر فائقين , شعرت فجأة بالهواء البارد يلسع وجهها , فعلمت أن الرجل المسن عاد الى الكوخ , أبتسمت مرحبة به , فتجاهلها ورمى كمية اللحم التي أحضرها على طاولة صغيرة لا تبعد عنها كثيرا:
"هل يمكنني أن أساعدك بشيء؟".
"لا! لا أطيق وجود نساء في مطبخي".
دخل لوغان في تلك اللحظة ,ووضع الحقيبتين على الأرض قائلا:
" أوه ,أعتقد أن الوضع يزداد سوءا في الخارج".
أبتسم الفلاح العجوز وقال:
" أنت على حق, على الأنسان هنا أن يتوقع أحد أمور ثلاثة من طقس وايومينغ ... فأما أن تثلج السماء وتغطي الجبال بطبقة رقيقة من المساحيق البيضاء , أو أن يصبح الجو أبرد من قدمي زوجتك في الشتاء , أو أن تهب الرياح الباردة جدا بحيث تصطك أسنانك وتشعر بأنها ستقع خارج فمك , أما عندما تجتمع هذه الأحتمالات معا , فذاك هو الجحيم الحقيقي!".
ضحك لوغان من أعماق لبه , فنظرت اليه جنيفر بعينين باسمتين , هز رأسه وقال لها مبتسما بود وحرارة:
" السيد كارمايكل على حق, فلا يمكنك حقا أن تعرفي معنى الشتاء والبرد , ما لم تمضي هذا الفصل هنا في تينونز".
ثم نظر الى رب البيت وسأله بهدوء:
" أين يمكنها أن تستبدل ثيابها؟".
أشار الرجل برأسه الى مكان قريب , قائلا:
" الحمام هناك ,الى اليسار".
ثم تنهد قليلا وقال:
" وعدت ماري قبل أربعين عاما بأنني سأمد لها أنابيب المياه الضروري , ولكنها توفيت قبل أن أتمكن من الوفاء بوعدي , اللعنة على هذا البرد! أنه يجمد الماء في الأنانيب!".
لاحظت جنيفر أن ذلك الحمام كان غرفة صغيرة للغاية , وأن الحوض الحديدي يملأ معظمها , لم تجد سوى نصف متر فقط تتحرك فيه ,ولكنها نجحت أخيرا في أستبدال ثيابها وعادت الى الغرفة الرئيسية , وفيما كان السيد كارمايكل يعد المائدة , راحت جنيفر تتأمل المجموعة الكبيرة من الكتب الموضوعة على ثلاثة رفوف في أحدى الزوايا , وسمعت لوغان يسأله:
" ألم تفكر أبدا بأيصال الكهرباء اليك ؟ الخط الرئيسي موجود على بعد أمتار قليلة فقط".
رد الرجل المسن بشيء من العصبية:
" النفقات باهظة , ثم هل أنا فعلا بحاجة اليها؟".
تدخلت جنيفر , وهي تنظر الى قصة توم سوربار لمارك توين ,وقصة أوليفر ستون لتشارلز ديكنز ورواية روميو وجولييت لوليم شكسبير ,وقالت:
" من المؤكد أن لديك مجموعة رائعة من الكتب , يا سيد كارمايكل".
أخرج البطاطا المشوية من الموقد, وقال لها بحدة:
" وهل كنت تظنين أنني لا أقرأ أبدا؟".
أعتذرت جنيفر قائلة:
" أوه, لم أكن أقصد ذلك على الأطلاق, تصورت فقط أن.......".
" أعرف , تصورت أن هذا الغراب العجوز لا يقرأ مثل هذه الكتب الراقية , لا, يا عزيزتي , فأنا أقرأ كل شيء ... بما في ذلك الملصقات الخاصة بالمأكولات المعلبة , هيا الآن , فالطعام جاهز ".
كان العشاء بسيطا للغاية , ولكنه كان شهيا ولذيذا , ثم قدم لهما القهوة المرة , شربتها بتمهل وتردد , فيما كان الرجلان يشربانها بتلذذ وبساطة , تذمر الرجل العجوز قائلا:
" أنها ليست قوية كما يجب , لا تكون القهوة جيدة ألا عندما تكون قوية للغاية".
ثم أبتسم عندما شاهد دهشتها وأستغرابها ,وقال:
" أننا نسميها قهوة الرجال ... قهوة الأقوياء الأشداء , وهي ليست خفيفة كالشاي , مثل تلك التي تشربها النساء".
نظر الفلاح نحو لوغان بعينين براقتين ثم أشار الى جنيفر , وأضاف قائلا بلهجة جادة:
" أنها من النوع الجيد من النساء , سيظل شكلها دائما هكذا... كفتاة مراهقة , وستظل بشرتها على الدوام ناعمة وقوية لا تعرف التجعيد".
لم يعلق أي منهما على كلامه , فتابع حديثه عنها قائلا:
" تعرفت في بداية عمري على عدد كبير من النساء , ولذلك لاحظت فور وصولكما أنها أحدى الأناث اللواتي سينجبن أولادا أصحاء وأقوياء".
فتحت جنيفر فمها دهشة وأستغرابا ,ولكنها أقفلته بسرعة عندما لاحظت النظرات الساخرة في عيني لوغان , قررت أن تضع حدا لهذا التحول المزعج في مجرى الحديث , فقالت وهي تحاول أخفاء أحمرار وجهها :
" سأهتم أنا بغسل الصحون والأطباق , يا سيد كارمايكل".
"لا, سأتولى ذلك بنفسي , أما أذا كنت تصرين على القيام ببعض الأعمال المفيدة , فما عليك ألا أن تفتحي هذا الصندوق القديم وتخرجي منه الأغطية القديمة لتضعيها كفراش قرب النار".
كانت على أستعداد للقيام بأي شيء للأبتعاد عن نظرات لوغان وعينيه الساحرتين ,ما هو الوقت الآن يا ترى؟ ليس أكثر من الثامنة بالتأكيد , ولكنها تشعر بالتعب الشديد والنعاس , فتحت الغطاء الخشبي الثقيل ,وسندته على السرير الوحيد في تلك الغرفة , رأت غطاء سميكا , فقررت على الفور أستخدامه كفراش فوق الأرض الخشبية , فيما تستعمل الأغطية الخفيفة الأخرى كلحاف , علت ثغرها أبتسامة عندما تصورت لوغان يدخل تحت هذه الأغطية المتعددة مع السيد كارمايكل , فيما تستأثر هي بالسرير , نظرت نحو الرجل المسن , الذي كان ينهي غسل الصحون وتجفيفها , وقالت له:
" لم أجد أي وسادة يا سيد كارمايكل ".
تمتم بتأفف وأنزعاج ثم فتح درجا وأخرج منه وسادتين , أقترب من جنيفر وأعطاها أياهما بعصبية , قائلا:
" أستخدمي هاتين الوسادتين".
شاهدت على أحدى الوسادتين تطريزا لكوخ خشبي يتصاعد من مدخنته دخان أزرق الون , وكتبت تحته كلمتان ... بيتي الجميل ,ولكن التطريز الموجود على الوسادة الثانية هو الذي لفت نظرها , أذ كان مؤلفا من قلب أحمر كبير وفي داخله كلمة ... حبيبي, كادت تختنق ضحكا وهي تتخيلهما يستخدمان هاتين الوسادتين العاطفيتين ,وضعتهما جنبا الى جنب بدون أي تعليق , ثم جلست على الكرسي الهزاز أمام النار تتأمل لألسنتها الجذابة الساحرة.
أقترب كارمايكل من السرير قائلا:
" ها قد أنتهيت من جميع الصحون والأطباق , أن لم لديكما أي مانع, فسوف أذهب الى النوم منذ الآن".
ثم وجه أليهما أبتسامة خفيفة, وأضاف قائلا:
" يمكنكما الذهاب الى النوم في أي وقت تريدان".
أحست جنيفر برعب شديد وذهول فائق , وكادت ألا تسمع لوغان وهو يقول:
" هل من المحتمل أن تستخدم جنيفر سريرك لهذه الليلة؟".
أمسك الرجل بوسادته ,وسأل بأستغراب بالغ:
" سريري أنا؟ ما هي مشكلة الفراش الذي أعدته على الأرض ؟".
حدقت جنيفر بالرجلين وهي لا تصدق أذنيها , شعرت بأنها ستصاب بنوبة جنون ,أنه حلم ... أنه كابوس!".أحست فجأة بأن الغطاء السميك الموجود على الأرض تحول الى سجادة من الفرو الثمين , وأنها كانت مستلقية عليها .... بين ذراعي برادلي ستيفنسن , كانت تعانقه ...لا , كانت تقاتله وتضرب يديه اللتين تحاولان التسلل الى جسمها , كانت تتململ وتتحرك بعنف بالغ , وتكافحه بقوة رهيبة , أفلتت منه , فصرخ بها:
" لا تلعبي معي دور الفتاة البريئة".
وسمعته يحطم زجاج النافذة ,ويتابع صراخه.
" كنت تعرفين تماما ماذا سيحدث , عندما دعوتك الى هنا , لن ينفعك وجه الطفولة هذا بعد الآن , قبلت تصرفاتك الهادئة والجادة طوال أسابيع عديدة , أما الآن فقد حان دورك أنت لتقبلي تصرفاتي كما هي!".
وتذكرت أنها وقفت تنظر اليه بأحتقار وأزدراء , خاصة لأنها أرادت أن تحبه ... أن تحب هذا الرجل....الذئب!
وركضت , ركضت بعيدا عنه , ولكنها لاحظت أنها تركض ضمن دائرة ضيقة وفي حلقة مفرغة , وأستفاقت فجأة من هذا الكابوس المرهق , عندما سمعت الرجل المسن يقول:
" هذا سريري! أنتما في مقتبل العمر , وعظامكما ليست ضعيفة كعظامي لن يؤذيها النوم لليلة واحدة على الأرض".
قالت له جنيفر بصوت متوتر هامس :
"ولكنك لا تفهم الحقيقي , يا سيد كارمايكل , نحن لسنا متزوجين".
قال لها بجدية:
" ولكنكما سوف تتزوجان, أشعر بذلك من النظرات المتبادلة بينكما".
ثم تطلع نحو لوغان , وهو يبتسم بدهاء , وأضاف قائلا:
" هذا بيتي ,وأنا أقرر أين أنام , سأنام في سريري! تصبحان على خير!".
![](https://img.wattpad.com/cover/183663633-288-k556037.jpg)
أنت تقرأ
حبيبتي جيني ...
Romanceالملخص الجراح درجات ...وجرح القلب أخطرها.... البعض يداوى حروق قلبه بالسفر والنسيان , والبعض الآخر يعض على جرحه وينام مكسورا من الألم. جنيفر خدعها مديرها ستيفنسن , وزرع فى كفيها أحلاما جرفها نهر الحقيقة , فأقفلت باب قلبها وهربت حاملة جراحها فى حقيبة...