٤- عربة الذئب

4.7K 115 1
                                    

أمسك بمرفقها خوفا من أنزلاقها ,وقال لها:
"هذه هي السيارة".
رفعت جنيفر رأسها , وهي تتوقع وجود السيارة ذاتها التي أحضرها بها الى جاكسون.... اللاند روفر المخصصة للطرقات الجبلية الوعرة ,ولكنها شاهدت سيارة فخمة بيضاء من طراز كونتيننتال , ظهرت الدهشة على وجهها , فقال لها:
"أبقيها أثناء الشتاء عادة في المرآب ,ولا أستخدمها ألا مرات قليلة لتظل في وضع جيد".
فتح لها الباب , وأضاف ضاحكا:
" أضافة الى ذلك, أجد صعوبة في معرفة مكان وجودها أثناء العواصف الثلجية لأنها بيضاء".
دخلت السيارة , وأعجبتها على الفور مقاعدها المغطاة بالجلد الأسود الفاخر , شعرت بأنه ينتظر رد فعلها بالنسبة للسيارة , كان من الواضح أنه يتوقع منها أطراء أو ثناء أبتسمت له عندما جلس وراء المقود ,وقالت بحلاوة مصطنعة:
"لا أرى كيف يمكنك أن تواجه أي صعوبة في أيجادها , ما عليك ألا أنتنظر الى داخلها, فترى أنها سوداء مثل قلبك".
ضحك من صميم قلبه , لمس وجهها برقة وقال:
" كنت أعرف أنك لن تتمكني من أبقاء هذا اللسان السليط مقيدا وساكنا لفترة طويلة".
أبعدت وجهها عنه وراحت تنظر خارجا , وهي تأنب نفسها , كان عليها أن تعرف جيدا أنه لا يبالي بأنطباعاتها عن سيارته , لم يكن ينتظر شيئا سوى أغاظتها , ومن المؤكد أنه نجح في ذلك , الى درجة كبيرة.
وصلا بعد دقائق معدودة الى بيت شقيقتها , ففتح لها الباب وحمل عنها علب الهدايا , هجم عليه الأولاد الثلاثة بلهفة وشوق ,وقال كبيرهم أريك بسعادة بالغة:
" هل أحضرت لنا هدايا الميلاد منذ الآن".
داعب شعره الأسود الجميل ,وقال:
" لا يا حبيبي, هذه هي الهدايا التي أبتاعتها جيني , أنا أساعدها فقط في حملها ".
قالت له سيندي وهي ترقص فرحا:
" أحضرنا شجرتنا , يا خال لوغان , أنها في غرفة الغسيل و قالت أمي أنها يجب أن تجف أولا قبل أن نزينها , تعال لأريك أياها".
أمسك أريك بيد جنيفر , فيما كانت يده الأخرى لا تزال ممسكة بأخيه الصغير ,وقال مناشدا:
" تعالي أنت أيضا , يا خالتي جيني".
" جنيفر يا أريك! جنيفر!".
ظهر الأنزعاج قليلا في صوتها وهي تصحح له أسمها ,لأن الأولاد يصرون على التشبه بلوغان ,لم تسمع سيندي كلمات خالتها , أو أنها سمعتها وتجاهلتها , أذ أنها كررت دعوة شقيقها قائلة:
" نعم , تعالي يا خالتي جيني".
" بعد قليل".
كان آخر شيء تريده في ذلك الوقت , هو وجودها مع لوغان في غرفة صغيرة , خرجت شيلا في تلك اللحظة ,وهي تجفف شعرها ,وعندما شاهدت لوغان , قالت له بلهفة:
" لوغان! لم أتوقع مقابلتك بعد ظهر هذا اليوم".
نظر اليها بجدية ,وليس بسخرية وخبث كما يفعل معظم الوقت مع أختها ,وقال:
" اريد أن أطلعك على بعض الأمور ,ولكنني سأذهب أولا لمشاهدة الشجرة".
أبتسمت لجنيفر بحنان ومحبة ,وقالت:
" يا لها من شجرة! أختارها الأولاد وأصروا عليها , أنها قليلة الأغصان الى درجة مؤسفة , قالت سيندي أن ما من أحد سيبتاع هذه الشجرة , وأنها ستظل وحيدة طوال فترة الأعياد أن لم نأخذها نحن , وهذا ما فعلناه بالضبط".
ضحكت جنيفر , مع أنها تأثرت بذلك التصرف النبيل لطفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها , قالت لأختها:
"الأولاد مسرورون بها ,وهذا هو المهم".
" هل أشتريت كل حاجياتك؟".
هزت جنيفر رأسها وهي تخلع معطفها وتعلقه في مكانه , وأضافت شيلا:
" لم أكن أتصور بأنك ستحضرين لوغان الى البيت , وألا لكنت تأخرت بعض الوقت في غسل شعري".
سارعت جنيفر الى توضيح الأمر , مخافة أن تعتقد أختها بأنها ذهبت خصيصا لمقابلته.
قالت لها:
ألتقيته صدفة في ساحة البلدة ,وقد أصر على أحضاري الى البيت".
" هذا لطف منه".
وافقتها جنيفر على رأيها بدون حماسة تذكر , تطلعت شيلا نحو غرفة الغسيل , ثم قالت لأختها التي ذهبت الى المطبخ:
"أشعر أحيانا بالذنب لأن الأولاد يأخذون الكثير من وقته وأنتباهه, لكنه, على الأرجح , لا يرى أي أزعاج من ذلك , أتصور أنه يجد متعة كبيرة في....".
توقفت فجأة عن أكمال جملتها , ونظرت الى جنيفر قائلة:
" هل تذكرين تلك اللعبة التي كنا نحبها كثيرا ؟ لعبة أختيار أوصاف لأحد الأشخاص بناء على الأحرف الأولى من أسمه؟ لوغان تايلور ! كلما فكرت به , ترن في رأسي هذه الكلمات الأربع ... لياقة , نبل تهذيب , وروعة , أنه يساعدني أنا والأولاد بشكل لا يصدق".
أبعدت جنيفر وجهها بسرعة عن أختها , مخافة أظهار أستغرابها ودهشتها , فلو أنها هي التي ستختار أربع كلمات تصفه بها , لقالت :لؤم , نذالة , تعجرف ,ورياء! ألتفتت نحو أختها بسرعة , وسألتها:
" هل تريدين فنجانا من القهوة؟".
أرادت أن تغير الموضوع قبل أن يتطور الى تفاصيل ليست راغبة أبدا في الخوض بها.
سمعت صوتا وراءها يقول:
" نعم , نصف فنجان".
ضحكت شيلا وسألت لوغان فور دخوله المطبخ:
" كيف وجدت تلك الشجرة الرائعة النادرة؟".
" أكدت لي سيندي بأنها ستكون جميلة , ولكنني أخشى بأن معظم أغصانها غير قادرة على حمل الزينة المعتادة".
جلس قرب شيلا ومد رجليه الى الأمام , بحيث أضطرت جنيفر للمرور فوقهما لتضع الفناجين على الطاولة الصغيرة , أرتجفت يدها قليلا , ولكنها رفضت أن تنظر اليه , دخلت سيندي وقالت لأمها بلغثها الجميلة:
" يقول الخال لوغان أننا قد نجد صعوبة في تزيين الأغصان ,ولكنني أعتقد أنه مخطىء , يمكننا أن نجعلها جميلة جدا".
تدخل أريك قائلا بلهجة تنم عن الخوف الى حد ما:
" وأذا تكسرت هذه الأغصان الضعيفة , فكيف سنزينها ؟ أنني نادم عل قبولي أقتراح سيندي".
لاحظت جنيفر بأن سيندي بدأت تعقد جبينها , فقالت:
" يمكننا أن نزينها بحبال من الأوراق الملونة , وننثر عليها مية من الذرة المسلوقة ".
أبتسم لوغان وقال:
" ولكن تأكدوا من أن داين لن يأكل الذرة".
" أريك , لنأخذ داين كي يراها... هيا , لنذهب الآن".
خيم الصمت على المطبخ بعد ذهاب الأولاد , الى أن قال لوغان:
" ذهبت الى الفندق هذا الصباح , وأكتشفت أن أحدث نزيل فيه لم يكن ألا ديرك هاملتون".
أصفر وجه شيلا وأصبح كالمنشفة التي تلف بها رأسها , أرتجفت يدها وهي ترفع فنجان القهوة نحو شفتيها , حاولت جاهدة السيطرة على أعصابها ونبرات صوتها ,وسألته بهدوء مصطنع:
" حقا؟ ماذا يفعل هنا في مثل هذا الوقت من السنة؟"
"قال أنه سيعمل على لوحة أو أثنتين عن جبال تيتون في الشتاء".
ذهلت جنيفر عندما شاهدت الأهتمام الحقيقي والجدي الذي ظهر على وجهه, وهو يراقب رد فعل شيلا ,وقفت أختها وسارت نحو الباب , فقال لها:
"أسمعي يا شيلا , سأطلب منه أن ينزل في مكان آخر , أذا كنت تريدين ذلك".
ردت عليه شيلا بلهجة أحست جنيفر أنها ليست صادقة , قالت:
" لا تكن سخيفا, يا لوغان, لماذا نتركه ينفق بعض أمواله في فندق آخر بدلا من فندقنا؟ في أي حال, لم يعد وجوده يهمني أطلاقا , أضف الى ذلك , أنني كنت أنوي أخذ جنيفر معي غدا الى الفندق لأطلاعها بعض الشيء على العمل الذي أقوم به , كذلك , فأن والدي أريك مشتاقان جدا للأولاد , يمكن لجنيفر أن تحل محلي غدا !".
شعرت جنيفر فجأة بعيني لوغان تتحولان اليها , لاحظت أنها تقف بذهول ردا على كلمات شيلا الأخيرة , كان الأتفاق بينهما أن تعمل جنيفر بعض الوقت , أذا غابت أحد العاملات أو صرفت ,ولكن أختها تتحدث الآن عن عمل بصورة شبه تامة , من هو هذا الرجل اللعين , ديرك هاملتون ؟نظرت الى شيلا , فرأتها تتطلع بها متوسلة راجية ... فيما كان لوغان يحدق بها , منتظرا جوابها أو تعليقها.
" أنها... أنها فكرة... لا بأس بها".
تلعثمت بكلامها , ولكن أختها تنهدت بأرتياح ظاهر , أما لوغان فلم يبد مقتنعا كثيرا برغبتها الصادقة , فأضافت قائلة بلهجة مرحة:
" أنها فرصة مناسبة جدا , لأنني كنت على وشك أن أصاب بالضجر والملل , أنفقت مبلغا كبيرا من المال على الدراسة والتدريب على العمل ,ومن المخجل أن يذهب المال والتعليم هباء".
تطلع لوغان بشيلا وسألها بهدوء, يحمل بعض الحدة:
" هل هذا ما تريدينه , يا شيلا؟".
لاحظت جنيفر أن أختها متوترة الأعصاب الى درجة فائقة , فتدخلت على الفور قائلة:
" ألم تقل لك ذلك قبل قليل ,يا لوغان؟".
تجاهل كلمات جنيفر , فيما بدا التوتر والأنزعاج بوضوح على وجهه وفي عينيه ,توجه نحو الباب وهو يقول:
" أعتقد أنك ترتكبين خطأ يا شيلا , ليس لدي الآن الوقت الكافي لبحث هذا الموضوع".
تذكرت جنيفر أن تشكره على أحضارها الى البيت, ولكن أهتمامها كان مركزا بصورة تامة على أختها المعذبة , أغلق لوغان الباب الرئيسي وراءه , فتخلت شيلا عن الهدوء المصطنع , مدت يدها بعصبية الى المنشفة التي تلف بها رأسها , وقالت:
" يجب أن أسرح شعري قبل أن يجف تماما".
" من هو ديرك هاملتون , يا شيلا؟".
ردت عليها , متظاهرة , بأن المسألة عادية للغاية:
"مجرد فنان , كان هنا في الصيف الماضي لأعداد بعض اللوحات الزيتية ".
أقتحم الأولاد الثلاثة وداين باب المطبخ في تلك اللحظة , فقالت لهم:
" كم مرة قلت لكم أن تبقوا الكلب خارج البيت , عندما يكون ملوثا بالوحل على هذا الشكل؟".
تسمر ألأولاد في مكانهم , بسبب اللهجة القوية القاسية التي لم يعتادوا عليها سابقا , سيطرت شيلا على أعصابها , وقالت لهم بصوت أقل حدة:
" هيا! أخرجوه من هنا فورا!".
أطاعها الأولاد بسرعة , ولكن جنيفر تضايقت من ملامح الأرتباك والذهول التي بدت على وجوههم الصغيرة البريئة , تطلعت نحو أختها , فلاحظت أنها ندمت على تصرفها القاسي معهم :
" شيلا؟".
قالت لها أختها بحدة , وبشيء من المرارة:
" أسمعي! كل ما في الأمر أنه أبدى أهتماما ببعض لوحاتي , أنا لم أطلب منك أن تحدثيني عن برادلي وعليه, أرجو أن... لا أريد التحدث عن هذا الموضوع!".
أحست جنيفر لأول مرة في حياتها بوجود صمت متوتر بينهما... صمت لا تعرف كيف تتخطاه أو تتجاوزه , فيما أختها تعرف ولكنها ترفض.

حبيبتي جيني ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن