{أنا القتام.. فبددي ظُلمتي بقبسٍ من نورك..}
رواية
جحيم السُلطةبقلم
الاء صالح
(قتام)
أخرجتُ قداحتي من جيب سترتي الجلدية وأشعلتُ السيجارة.. سحبتُ نفساً طويلاً من دخانها لأملأ رئتَيّ به وأمهل هينري بعض الوقت ليراجع قراره بشأن الاعتراف.. لقد توقف عن مقاومة أمجد وآشتون وبقيَ محبوساً بين قبضتيهما، واحدٌ على يمينه والآخر على يساره.. أنزلتُ السيجارة عن فمي ونفحتُ دخانها في الهواء ببطء لأعود بعينَيّ إلى عينَي ذاك المرتبك.
ـ ألن توفر العذاب على نفسك وتعترف؟
عاد لينكر خيانته بصوت يفضح كذبه وجبنه.. فتنهدتُ وعدتُ لأسحب نفساً من السيجارة ثم قلت وأنا أقترب منه بخطواتي المتمهلة:
ـ حسناً، ليس لدي اليوم كله، هل تتعاون أم أنهي الأمر؟
اتسعت عيناه برعب وهتف بصوت مزعج:
ـ أرجوك لا تفعلها! أنا لم أقصد، ولم أعطِهم معلومات مهمة، فقط أمور تافهة أقسم لك!
أومأتُ برأسي وأخفضتُ نظري لأراقب السيجارة تهوى من يدي إلى الأرض ودعست عليها بحذائي. ثم مررتُ يدي على شعري وتمتمتُ بصوت منخفض:
ـ مؤسف أنك إخترت كونور لتخوننا معه، لو كان غيره لربما فكرتُ في أن أعفو عنك.
عاد ليبرر ويتوسل بصوتٍ بغيض فسحبتُ سلاحي من حزامي ورفعته نحو جبينه قائلاً بهدوء:
ـ لن أدعك تتعذب كالبقية، فقط لأنك كنتَ واحداً منا.
ضغطتُ على الزناد وانقطعت صرخاته المتوسلة مع دوي صوت الطلقة..
تدلى رأسه إلى الخلف فاستدرتُ لأوفر على نفسي المنظر البشع وقلتُ متجهاً نحو مخرج الورشة التي كان يعمل فيها هينري قبل موته:ـ اتركوه مكانه، لكن خذوا السيجارة معكم.
****
- تخلصت منه؟
أومأتُ برأسي بالإيجاب وجلستُ أمامه عند الطاولة المستطيلة ذات الخشب القديم.. كانت عيناه مرتكزة على الخدوش التي حفرت الطاولة في أماكن متعددة.. معظمها لسكاكين ضُربت على الخشب بغضب منه وأخرى مني عندما فقدتُ أعصابي مع الرجال. هناك خدش جديد من صنعه بسبب خيانة هينري لنا، كان يراقب ذلك الخدش تحديداً وكأنه يمحي ذكرى هينري بنظرة أخيرة، ثم رفع عينيه إليّ وقال:
ـ هل تظن بأننا قسونا عليه بحكمنا؟أجبتُ باختصار:
ـ كلا، فهذا عقاب كل خائن.
أومأ برأسه وقال ببطء: