5

1.4K 63 4
                                    

تراجعتُ خطوة إلى الوراء دون أن أزيح عينَيّ عن يحيى الذي أخفى وجهه تحت الخوذة.. و الذي بدا تماماً كقتام.. البرد الذي أحسستُ به في بداية لقاءنا تحول إلى صقيع الآن.. جمد أطرافي بشكلٍ مرعب.. لكني تابعتُ تراجعي إلى الوراء.. بدأ عقلي يستوعب حقيقة ما يجري.. ففاجأتني دموعي بالتجمع في عينَيّ.. لا أعرف إن كان بفعل الصدمة أم.. أم.. استدرتُ بخطاي و رحتُ أجري خارج الورشة و في الشارع الموحش نحو أقرب موقف حافلات.. قتام.. انه قتام!.. هطلت دموعي بغزارة لتعيد إليّ بعض الدفء بحرارتها و لتحررني من صدمتي شيئاً فشيئاً.. بطريقة ما ورغم حالتي وصلتُ إلى المنزل و حبستُ نفسي في غرفتي رغم قرع والدتي على الباب و محاولاتها بالوصول إليّ لتفهم سبب بكائي الذي لم أستطع اخماد صوته. حتى اختي خلود حاولت معي، و بعدها والدي حين عاد من العمل حاول أن يفهم ما خطبي، لكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل.

تأخر الوقت و استسلموا للنوم، و جفت دموعي و لم يبقى سوى بكاء قلبي الموجوع و الذي سُلب فرحته بلمح البصر لتتحول إلى انكسار لا جبر له. لقد سُلب.. حبي الأول.


(قتام)

بقيتُ على تواصل مع هانك لثلاثة أيام، أستفسر عن قبس لأعرف إن كانت قد عادت لعملها أم لا، و في كل مرة كان الجواب لا. مع كل يوم كان يزيد قلقي، كما ازداد شعوري بالندم. ما كان يجب أن أعترف لها بالحقيقة، لكنني أيضاً لم أستطع خداعها أكثر، لا أستطيع أن اتصرف معها كما أفعل مع سائر الناس. منذ لقاؤنا الأول و أنا أتنازل عن مبادئي مع هذه الفتاة. أذكر كيف تعرفتُ عليها حالما ذكر هانك اسمها أمامي حين عثَرَت على العلكة، و كيف خططتُ لأن أستغلها إذ أنها تتدرب في قاعتي الرياضية. كانت الفكرة أن أستغل قربها من والدها رئيس مكتب التحقيقات، كما أثارتني فكرة أن أكون بذاك القرب من محققة و لا تستطيع التعرف عليّ أو القبض عليّ.
لكن سرعان ما أحسستُ بغلطتي عندما أخذت علاقتنا تتطور بشكلٍ مختلف، شكلٍ نقي.. صادق.. أحاديثنا كانت بلا تكلف.. تفاجأتُ بخفة كلامي معها.. وكأنه أمرٌ طبيعي.. رغم أنني لا أقوم بذلك إلا مع أخي.. نظراتها.. كنتُ أقرأ كل شيء في عينيها.. تفضحها لدرجة أنني أستطيع استشعار تسارع نبضات قلبها بمجرد النظر إلى عينيها.. و أعلم سبب تورد وجنتيها.. و عضها على شفتيها.. و كل حركة صغيرة منها كانت واضحة لي.. وكأن تحركاتها كانت حديث من نوع آخر و أنا وحدي من يستطيع سماعه.. و من خلال ذلك الحديث علمتُ بأنها لم تعتبرني مجرد صديق.. فوقع كلانا ضحية فكرتي المتسرعة بأن أستغلها.. لتنشأ مشاعر بيننا رغم أنه لا مستقبل لها.. فطريقينا يستحال أن يجتمعا.. لكن.. ربما أردتُ عصيان الواقع.. و التمرد عليه.. و أحاول خلق أمل لتلك العلاقة.. فأعترفتُ لها بهويتي الحقيقية.. و جازفتُ بسلامتي و سلامة العصابة.. لكن يبدو أنني أخطأت.. فهي لن تتقبلني كقتام..
تنهدتُ و أنا أرمق المشروب الذي يحتسيه جيفري بصمت.. كم كرهتُ هذا المشروب الذي لطالما اعتبرته ضعف.. لكن ها أنا أقع في ضعفٍ أعظم.. أظنني اُفضل ضعف الخمر على ضعف الحب.. فلا يحق لأمثالي أن يحبوا.. لا يحق لهم بشيء نقي كهذه المشاعر..



جحيم السُلطةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن