|| لَمحة ||

285 91 90
                                    

أثقل ابتهاجها ممشاها نحو المركز الطبي الشهير "لا تفقد الأمل" بعدما توالى على أسماعها أقوال مادحة عن حرص هذا المركز على رعاية الجيل الجديد, و تمتين قدراته الجسدية على تحمل أعباء الحياة و عنوانيها القسرية

دخلت مع ارتكاز بنانها على انتباج بطنها, تحمل في داخله روح لمولود جديد, الذي قارب على الإتيان إلى فحوى العالم المحسوس, ضمن قوقعة الاختيار هذه.

غرفة الانتظار خلت من الورى الذين يجلبون ازدحامها, جلست وحيدة على الكرسي الخشبي, أشارت لها الفتاة من وراء المكتب بمنح الفريق الطبي حفنة من الوقت المستحق كي ينهوا واحداً من خفايا أعمالهم, و رغم شهرة النطاق الوسيع من حول هذا المركز, إلا أن أعماله دائماً تبقى سرية, بحيث تقصد المرأة الحامل الدخول ولا يتسنى لها بأن تخرج إلا إن أرادت الخروج من غرفة الفحص

و ما أرادت امرأة ما يوماً أن تخرج ولا أن تخبر مماثليها بما شاهدت داخل الغرفة الطبية تلك

رمقت إعلاناً موضوعاً على الطاولة ذات الستار القرمزي, وضعته بين راحتيها تقصد قراءة الجاذب الأسمى الذي أدى إلى حصوله على هذا الكم من المهتمين.

" إن أبرز ما شوهد في الآونة الأخيرة, الضعف, انعدام المسؤولية تجاه صعوبات الحياة, الأجيال في اضمحلال متوالد عن القوة, لكن مع مركزنا الطبي, لا تفقد الأمل, لأن طفلك يحتاج إلى هرمون الشجاعة والمتانة الذي سيعطى إليه قبل ولادته ,اضمن الاستعداد التام لطفلك أمام كل المعوقات واتصل بنا على 44413430

كانت مترددة حيال الأمر, حث البقية لها على بذل سواعد الأمان والحماية لمولودها جلبها هنا, وكل النتائج التي آتى بها هذا المركز للأمهات بين وقت لآخر, تسمع صراخاً يملئ المبنى بأكمله, فانتابها الجزع الوخيم, بعدما حددت مكان انطلاق الصوت, حيثما ستذهب, وفق تخمينها.

لكن جزعها لم يدم محتدماً عليها, فمناداة الفتاة السمراء لها أنقذها من التراجع عن قرار ولوجها

نادت الفتاة السمراء من وراء المكتب لها و عسى أنه خير فعل لهذا الطفل, لهذا الابن, و يسير عليه

كلما اقتربت من سدة الغرفة التي نالت اهتمام الأكثرية, شعرت بندم يعقبه شجاعة, لكنها أسهبت في الشعور و تعجلت بالدنوعلى مهد الاستقبال يقف فريق طبي على شكل صف متناسق ,بثياب موحدة ينظرون إليها بانبعاثات و معان مختلفة, أمسك طبيب يدها و قادها نحو كرسي يتوسط الأجهزة التي تعاين حالات الوليد, و حالما جلست, قيّدت معاصمها بواسطة حدائد أو أغلال ظهرت إثر ارتطام معصميها بأيدي الكرسي

رجف نبض قلبها ذعراً عم يحصل , ناول أحد الأطباء الطبيب المسؤول إبرة معدنية بشكل طولاني وثخين, فحقن سائلها الغزير في يدها المقيدة , كانت تتساءل عن سبب هذه الحقنة, إلى أن لاقت عينيها أعين الفتيات الدامعة, النادمة, المنبئة باقترافها شيء عسير

صراخ دوى في المكان, فنظرت مع اقتداح الجمر في وحدانها إلى جمهرة الأمهات الذين أخطئوا ذات خطئها, ووثقوا بالمركز الطبي المخادع, للحظة لم تدرك الصواب من الخطأ, و عامت في الأفكار عن سبب صراخهن, شعرت بضعف أطرافها حين جعلوها ترتجل عن مقعدها إلى باب في آخر الممر, مع هؤلاء الصارخات, ذوات إكساب الحياة لمولود يركن في أحشائهن.

مشينَ مقيدي الأرجل وراء بعضهن البعض, كانت مشوشة الهن بينهن, لا تدري سبب صراخهن, ولا ندبهن, وعلى طرفها الأيمن وجدت امرأة صامتة, لم ترافق هذا الموكب العريض صراخاً , لعلها معتادة على هذا الممشى- و كأنما يبدو هذا صحيحاً-

نظرت إليها ثم استعادت بصيرتها عنها خوفاً من التفوه بأي سلسلة كلام تستفهم فيه عمّ أقحمت نفسها به


" لقد قتلت نفسك للتو" قالت المرأة بنبرة غير مبالاة مع نداء أحد الحراس لهنّ بالإسراع

"لمَ؟" تاحت لها فرصة المعرفة

"انظري إلى كل هذه الوشوم على يدي, ثلاثة منهم تشير إلى ثلاثة كوارث تعرض حياتي للموت, كانت أمي أحد النساء اللواتي حقنن بهذه الإبرة كي تكسبني الشجاعة, لكن الأمر لم يكن هكذا, إن هذه الإبرة تضع وشوماً على أيدي مولودك الجديد, يشير عددها إلى عدد المرات التي سيتعرض فيها إلى مواقف مميتة, حبذا ينجو منها حسب معنى الوشم القوي أو الضعيف, لأن الوشم غالباً ما يكون معروفاً, شعار تأخذ به إحدى الشركات, أو المنظمات, فبالعودة إلى معنى الوشم يتبين قدرة تحمل الابن له.دخولاً إلى هذا العالم الافتراضي – أنى نحن ذاهبون – محصن, مباعد عن العالم الأصلي, مشابه له لكنه مبرمج كي يتكيف فيه أولاد الجيل الجديد , لا أحد يتحكم يما سيأتي على المرء لمواجهته, لكن أنا الآن امرأة حامل, لم أتمكن من الهروب , و أمضيت حياتي ضمن عالم الكوارث, لي ثلاث فرص للعيش بعد, على أمل بأن أتمكن من اجتياز كل ما سيعترضني"

أنهت شرح ما انطوى على فكرها حسرة, وتسرعاً دون الأخذ بالأسباب و التفكير بالعواقب الغير المدروسة , لابنها مصير مجهول, لابنها حياة زائفة, في عالم زائف, سيديم الإيقاع به, و يتعبه.

فهي أول من ساهم بخلق هذا التعب لمولودها, أول من ساهم في تدمير واقعه, بلا وعي

" لقد كان لدي ستة وشوم, مررت بثلاث كوارث, و نجوت منها, إن اجتيازي لأمر ما مميت يمحي أحد الوشوم من يدي, و إن تمكنت من اجتياز الجميع معاً, فسأنتقل إلى العالم الأصلي, أي عالم الوجود, متهيئة تمامًا لكل تلك الصعوبات هناك

بات الأمر يصبح واقعياً, و مدركاً, حين رفعت رأسها تبصر ما قمن بالعبور من أسفله.لائحة جسيمة اعتلت رؤوسهن, و التي تعرّف بالحياة الجديدة, بمصيرهن, و أولادهن

عالم الكوارث الافتراضي

--

The War Of Existence || حربُ الوجودWhere stories live. Discover now