الفصل الثالث || Chapter three

62 33 18
                                    

دنت ساشا من بائع المشروبات تطلب شيئاً لنفسِها, بينما ترعدُ السماء باعثةً ضوضاء مُفزعة في قلوبِ جمهرةِ المُحاربين ضمن عالم  الكوارثِ الافتراضي هذا, فيُخال للجميعِ وقعَ ساعته,و يكيل السّماء و إفزاعها بالاختباء حتى يحتمي الدّهر من أي مصيبة,أو واقعة تردعُ له حقلَ الإطمئنان.

تغاريدٌ قدمت تطرق أبوابَ الطَرب في آذانها,فوجدت أسماعها متسلطنة على إحياءِ نبرة أنغامِ العندليب, فلهواً تناست أمر شِرائها,و نظرت من خلفِها ترصدُ صوتَ مكافحٍ على الرصيفِ المُلتوي.

بهمسٍ تارةً, و إباءٍ في الطّبقة تلاعباً بأنغامِ الأغنية المُختارة,و التي تسدلُ كلامها على وجعِ المرء صابّة جرعاتٍ زائدةٍ, تربي حالةَ المُعاني و المُتألم.. و تُرضي حالَ الجاحدِ و المُستلذ بكربةِ مكروههِ.

"اعتقدتُ إنني أبصرتُ الشّيطان هذا الصّباح, حينَ نظرتُ إلى المرآة,قطعةُ من الرّم على لساني,مع التّحذير الذي ساعدني لرؤية نفسي

بصورة أوضح, لم أقصد أبداً أن أشعلَ نيراناً, لم أقصد أبداً أن أجعلكِ تنزفين , سأكونً رجلاً أفضل اليوم , سأكون جيّداً, و سأحب العالم كما يجب, سأكون جيداً لكل تلك الأوقات التي لم أستطع أن أكون جيداً فيها"

I'll be good_James Young

رمشت بعينيها حين تلاشى نبض قلبها مع إيقاع كلماته الجّافة المُجرّدة من التفاؤل، و غدت فكرةُ اقتراح وجوده في الأمسية الغنائية لطيفة لهؤلاء الأطفال، لكنّها سيئةٌ في التّعارف، سيئةٌ في ابتداء الحديث مع طرفٍ خائر القوى، لم تعهد نفسها يوماً جيدة في طرح الأحاديث، و أيقنت أنها لن تعهد نفسها على هذا النحو أبداً.

استدارت تنظرُ إلى البائع الذي بدا في انتظار لطلبها، أخذت احتمالية نجاح هذه الطريقة المُتخمرة في ذهنها مُذ سمعت مفتاح ألمه.

"هل لي بكوبين من الشوكولا الساخنة؟" خاطبت البائع مع سقوط أول قطرة ماء وابلية إلى وجهها.
بكت السماء، عاطفة عليه.. ثار الجوُ كآبة من أجله.

"بالطبع" رحّب بطلبها بابتسامةٍ و سلّمها الكوبين على عجلٍ، راودها شعورُ التّوتر حيال خُطاها، ماذا إن كان ذهابُها خطأ؟ ماذا لو دفع مبادرتها من غير اهتمام؟ ماذا لو انطوى تقديرُها و ضاع سدىً؟ لكن عزماً غير مألوف أتاها، و هدم كُل توتراتها، فشعرت أنها تشبثت بأوصال كلامها مع استحالة إفلاتها، جلست .. جلست جانبه.. على ذلك الرّصيف السّحيق، فجذبت اهتمامه لأن عُمره استهون ببقاء حليف له أو بصمود أحدهم إلى جانبه.

أضحى سلبي القرار، صعب الاقتناع، و مستعصٍ لتبديل الرأي منذُ حادثته، عمّم الكراهية كطبعٍ متفشٍ عند جميع النفوس بلا استثناء، فاستغرب جلوسها، استغرب حضورها قرب شخص مثله.

"مرحباً، أنا ساشا" نقشت بسمة على وجهها، استصعب عكسها على خاصّته، فطغى أمر استغرابه على كل شيء، حتى استيعابه لبساطة لفظ اسمها.
"إنه... إيجي" مدّت يدها للمصافحة، هاب أن يتملّق الناس مصافحتهم..

لكنّه صارع نفسه هذه المرّة، و أراد السّير وراء رغبته هو، لا رغبة الشيطان المستوطن في أحشائه.

تعانقت أصابعهم إحياءً للسلام.

"جلبت لك هذه." دهساً لقلبه، جلّ ما كان يظنّه صواباً
"لست مُتشرداً" رفض عرضها، هنالك ما نست حسبانُه، حساسية بعض الأشخاص من هذي المواقف
وضعت الكوب على الأرض جانباً، زفرت تحاولُ إصلاح موقفها المُتأزم إحراجاً.

"إن الأمر ليس مثلما تعتقد، أردت النّقاش معك بشأن أمر قد تخاله لطيفاً، و جلبت معي كوبين بدلاً من واحد" لم تهتم بمدى سذاجة ما قالت، أرادت الإقحام في صلب الموضوع من غير تقديم المبررات.

"تقيمُ شقيقتي أمسية لدعم أطفال السّرطان الرئوي غداً في المساء، في الثامنة مساءً، و نوّد أن نحضر شابّاً أو شابّة بخامة صوت ثمينة كالتي تمتلكها، من أجل دعمهم معنويّاً بأغنية نختارها سويّاً، وددت تقديم العرض إليك، لأن غناءك لفت مسامعي بشكل مُلهم، ألهمت حواسي، إيجي، عليك أن تأتي، ألهمتني" ألّحت على تلك الكلمات الموجّهة إلى قلبه مباشرةً، و المادحة إليه لمرةٍ أولى و كأنما عالجت تمزّق فؤاده قليلاً لكنّ أفكاره السّلبيّة قفزت تُردد بعزم فشله إن ذهب، أو إثارته للسخرية في أمسية راقية كهذه.

"ل-لا أستطيع" خضع لجنون تفكيره، و استخفافه بقدرات نفسه فبدت له ذاته لا تخشع إلا ذمّاً ولا يليقُ بها الاستعلاء.

"لماذا؟" خابت متحسرةً على خسارةٍ كهذه، وقف هارباً من إجابته، بترديد عذره غير المُقنع ..

"لا أستطيع"
______________________

نفث الموسيقار القديم هارولد فوكس الدخان في الهواء مُستمعاً إلى الأغنية التي غزت الوسط الفنّي الحالي من قبل الموسيقار المُتداول مدحاً هذه الأيام فيكتور ستان، عاهداً هذه الألحان قبلاً، هو أحد الموسيقيين القدماء الذين لاقوا اهتماماً في فترةٍ ما في السّابق و اضمحلّ الأمر مع ظهور آخرين ، فقام الموسيقار الشهير فيكتور بإحياء أغنية قديمة من تلحين و تصميم هارولد إلى وسطه ليتداول الأمر بين النفوس على أن فيكتور هو المُصمم و المُلحن الأصلي، فلاقى فيكتور نجاحاً هائلاً على أغنية لم تكن يوماً له، بل كانت لهارولد.

ضرب هارولد الطاولة الزجاجية بيده شاعراً بغياب حقه عنه، أمسك بهاتفه مُجرياً مكالمة إجرامية.
"الأحد المُقبل، يستعد فيكتور ستان لإعداد أمسية موسيقية في مسرح كامبريدج الواسع، أريد من آرون و منك جلب فأسٍ بحجم ضخم و التّسلل إلى المسرح قبل افتتاحه لتعليق الفأس، سأحرس خطواتكم و سأتحكم بالحبل المسؤول عن حركة الفأس لتتم عملية الاغتيال بقطع الرأس"

أغلق الهاتف راضياً بخطته، قام باستئجار رجلين لتنفيذ المُهمة و علاج ذاته المُتعطشة للانتقام.

__

The War Of Existence || حربُ الوجودWhere stories live. Discover now