الفصل الثاني || Chapter Two

102 43 14
                                    


عضّ إيليو على شفته السّفليّة متأبّطاً الزّجاج الحاوي لوجه لورينا ملغوز الجمال، اقشعرّ جسده حين لاقت عيناها نقاط ضعفه الخفيّة في وجدانه، لهيب يعتزم وهن نبضه كلما جاءته الذكرى الجارحة عن رحيلها، بلا اتزانٍ في قولها..

حطت أنظاره مكان وقوفها في الغرفة الساكنة، منذ أشهر قليلة حملت جاذبية الغرفة قوامها الممشوق طولاً، باعتذار يغلبُ على إقبال إشراق وجهها.

تيّم إيليو بها، و نسقت مشاعره ألحاناً إليها، جمعهما ظرف انتقالها من قلب رجل هضّام إلى رفض معزوم عن الاستجمام في قلب إيليو الرائق.

لكن أخبرته بالتأني، و توعّدته بحب أملس حين تعيا من جروح زوجها السابق تيموثي.

أحس إيليو بحبها لتيموثي الصادق، و إهمال تيموثي صدقها، لكن أقوال إيليو التنبيهية لم تجد بعث المصداقية و التوخي بالحذر في لورينا، حتى ظنت بأن إيليو يوقع جفوة بين معشوقها و هي.

و باتخاذ تيموثي قرار تخليه عنها، صارح بجفاء عن مدى غيظه لوجودها، فارتجلت حينها مكسورة الفؤاد تستنجد بإيليو، الذي حاول كتمان سعادته لفراقهما الأبدي.

علمت لورينا برغبة إيليو الكبرى لاستقبالها بأعماقه المحبّة، فغامرت بتجربة ذلك كي تتعافى من مشقة نسيان تيموثي و كلامه المسقط للخناجر في ترائبها التي لم تعد متماسكة بعدما سُمع.

أمر عبئها على حياة تيموثي لم يغب عن بالها لمرة فقط،فكذبت على إيليو حيال عدم مبالاتها بتيموثي مجدداً، التقاطاً منه إياها تحاول التكلم لتيموثي ثانيةً، أو اتباع طريقة جديدة تحصر انتباه تيموثي لها كأول مرة يلتقي الحبيبان فيها.

فاق السخط مقدار احتمال إيليو، فانفجر تفوهاً بكلام غير محسوب النتائج العاطفية المتوالدة من بعده.

لذا، جلس الاثنان -إيليو و لورينا- يتفقان عن حل مرضٍ لكليهما، ووجدوا في سفر لورينا خير سبيل للنجاة من مآسي الأحاسيس.

و قبل انطلاق لورينا في رحلة لبلد ناءٍ آخر، قامت ببرهان رغبتها بالارتياح بحذف جميع حساباتها الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي أمام عيني إيليو.

صادف الأمر أياماً فائتة حين لاحظ إيليو إحيائها لأحد حساباتها الالكترونية على موقع الانستاغرام، و أكدت لدى آيليو حضور الافتراء في مكامنها كأبرز عاداتها الطبيعية.

لجأ حينها للاستعانة بصديقه المقرب أدريان ليمنع عنها فرصة الاستمتاع و حجب كذبها القائم إلى حقيقة لا تقبل الشك بأنواعه.

أعاد الصورة الزجاجية مكانها، زفر منتظراً من أدريان الاتصال لإنباءه بتمام المهمة المعقدة.

__

"أود تذكيركم بتحليل عناوين جريدة نيويورك تايمز العدد 407 ليوم الثلاثاء المقبل" أعلن الاستاذ الجامعي الخاص بالصحافة عن انتهاء الوقت المحدد لمحاضرته بتذكير أخير رافق بداهة إيجي الذهنية بالتذكر، مشى إلى خارج حرم الجامعة، رفع بصره لتنعكس على مقلتيه ضعيفتا النظر لافتة "كلية الإعلام" التي تبدو متكسرة تارة و شبيهة البيان تارة أخرى.

نزل أدراجها الثمان، مترسخي الهيئة في مخيلته حين كان بمقدوره أن يرى المحيط خالي التشوش، واضح التفاصيل، في مرحلة سابقة في حياته..
حين استقرّ الشمعدان وقبل أن يزول عنه، حين كان بنفسٍ لا تهاب ما يجري.

نقلة نوعية ثقيلة حملها على كاهله لبقية العمر المزري، زوال الشمعدان بحادثة ميلاده الفائت.
رمق دراجته النارية الراكنة في مطرحها، أسفل منزله في مرآبها الخاص، فراغُ خوف بينه و بينها، منذ سقوطه و تحطم آماله ما عاد بجرأة تسمح له بأن يقودها رغم الإصرار المتين فيه.

ليلة احتفال بميلاد الصحفي اللامع إيجي في منزله الجديد، وجوه حاسدة و أخرى جاحدة، و لا البراءة في تمني الميلاد السعيد لشخص مخضرم البداهة في جامعته و نابغة في حرصه على كل استدامة لمعلومة تغذي اختصاصه، لطالما أحب الصحافة و النّقش و الكتابة العميقة، تحليل الجرائد، التقارير المكتوبة، المراسلة و إنشاء المقابلات الصحفية.

صعد يشتم العليل بعد رحيل المعازيم، و إذ بسخرية القدر تلاحق ابتهاجه و تبدله برزء.

اصطدمت دراجته النارية بسيارة مركونة، و ضعف تراص أصابعه بقيادتها، فزاغ طائراً في الهواء، ساقطاً على حافة رصيف سلبت من دماغه أحد أهم أسباب نجاحه البالغ، بصره السليم.

حاول الأطباء أن يعيدوا هذه العينين إلى وضعهما الاستثنائي المهيب، لكن رغم صعوبة الأمر تمكن من استعادة البصر دون سلامته المطلقة، القليل من الرؤية أفضل من العمى التام.

أثناء العملية الجراحية، أخطأ الممرض بإعطاء الطبيب أداة حادة بدلاً من موسّع الأجفان، فاستخدمها الطبيب سهوةً، أدت إلى جرح الأجفان لعينه.

اعتذر كلا الطبيب و الممرض لإيجي على التصرف الساذج، الذي دام أثره على عين إيجي اليسرى.

غض نظره عن تلك الدراجة النارية، استعان بنظاراته الطبية مشياً بين الورى، ووفقاً لملذات الحياة الغاشمة.

جلس على حافة رصيف ملتوي، مخفضاً بصره عن عامة الناس المذعورة من الشطب الفنيّ الخاطئ، كأنما جعلوا من عينه سبيلاً وقيراً للترفيه عن نفسهم بالرسم الحاد.

__

ودّعت ساشا زميلها تيموثي من مركز الإطفاء، ارتجاج هاتفها دفعها إلى تخمين اتصال شقيقتها كاثي للاطمئنان على حال إخبارها إياها بالبحث عن مغنٍ أو مغنية لدعم الأمسية الصغيرة لأطفال السرطان الرئوي بأغنية لطيفة ليلة غد.
و أسفاً، لم تعثر ساشا أو لم تبادر حتى بأن تبحث، ضغطت الزر الأحمر عبوراً من قرب الرصيف الملتوي الذي يجلس عليه شاب معزول الانسجام.

__

The War Of Existence || حربُ الوجودWhere stories live. Discover now