الفصل الثالث: الرحمة

145 13 8
                                    

داست سيارتان فورد سوداء شارع 32 في الحمرا الذي يعد من أغنى الشوارع في بيروت نظراً لتطوره ولسكانه الأثرياء. فكان في السيّارة الأولى أسعد ناصر، رجل يبلغ الستة والخمسين من عمره، ماسكاً بيد زوجته الفرنسيّة ألساندرا مرميا. قوام أسعد بك طويلة، شعره أسود داكن مع خصلات بيضاء قليلة نظراً لسنّه. يتمتّع بالأناقة والجمال وزاد لإشراق وجهه بعد زواجه من الصبية الفرنسية التي تصغره ثلاثين عاماً. فهو الآن يسترجع أيام العز، أيام الشباب معها. يقال "ليت الشباب يعود يوماً"، إلا أن شباب البك عاد وخلّد.

بينما كان أسعد غارقاً في لمس يد ألساندرا، كانت هي غارقة في أسواق وطرقات بيروت. فالسيارة كانت تسير ببطئ نظراً لغزارة الأمطار، وهذا ما جعلها تتمتع بكل زاوية وكل حائط. هي صبية فاتنة في الجمال، أخذت الجمال العربي من ناحية الوجه الكوكبي والعينين البنيتين الكبيرتين من والدتها اللبنانية. إلّا أنه ما يعيق جمالها وسحرها هو أنفها الأفطس. كان شعرها الأسود مرفوعاً ومتوّجاً بقبعة سوداء مخملية تتناسب مع ثوبها الأسود المخمليّ. ولكي تكسر الأسود الداكن، قامت بوضع أحمر الشفاه المفضل لديها على ثغريها الكبيرين مثل شقائق النعمان.

قاطع شرودها صوت زوجها الذي قال لها: " ها قد وصلنا حبيبتي."

توقفت السيارتين أمام بناية أسعد المؤلفز من أربعة طوابق، يقسم كل منها إلى شقّتين. أسرع السائق إلى فتح باب أسعد بك ومن ثم توجه إلى باب ألساندرا. ترجّلت إيفا، الخادمة الفرنسية التي كانت تعمل لدى عائلة ألساندرا، من السيارة الثانية التي وُضه فيها الحقائب وفتحت المظلة فوق رأس الخانم.

صعدوا إلى الطابق العلوي من البناية حيث اتخذها أسعد شقّة له في بيروت. دخلت ألساندرا غرفة النوم بعد أن عرّفها أسعد على غرف الشقة المؤلفة من مطبخ، صالون شاسع مفتوح على غرفة مائدة، غرفتين نوم ومرحاضين.

جلست ألساندرا على السرير وأزالت القبعة عن شعرها الطويل وجعلته يتحرر وينساب على ظهرها. اقترب منها أسعد وجلس جنبها على السرير وأخذ يشمّ شعرها مسروراً برائحة الورد التي فاحت منه. ثم بدأ يلمس خدّها الناعم وقال لها هامساً: "لا أستطيع أن أكبت نفسي، فأنت تزدادين جمالاً ثانية تلو الأخرى."

ثم اقترب منها أكثر وقبّل شفتيها، مما جعل ألساندرا تبعده عنها والدخول إلى المرحاض مسرعة للتقيؤ.

اندهش أسعد من ذلك الوضع وعلم بأن الوقت ليس مناسباّ لتلبية رغباته وشهواته. فزوجته فقدت والدها منذ أسابيع قليلة. فلحق بها إلى المرحاض ليطمأن عنها.

- "حبيبتي، هل أنت بخير." سألها وهو يطرق على الباب.

- "نعم، إنني بخير. لكنني متعبة ومرهقة من السفر." أجابته وهي تمسح فمها بأوراق المحارم.

- "جسناً حبيبتي، سأتركك لتأخذين قسطاً من الراحة. فأنا ذاهب إلى البلدية." قال أسعد وخرج.

ألساندرا مرمياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن