لو مهما بلغت من أموالك أهمية، ستعجز عن تكبير نفسك إن كانت دنيّة.
ارتفعت هتافات المتظاهرين وسط شوارع بيروت التي داسها مئات الأشخاص من الرجال، النساء والأطفال. كما وقد أقفلت معظم الأسواق استنكاراً لما حصل في سوريا وحداداً على الشهيدة دلال عزمي رضوان التي قضت بالتظاهر في دمشق. كما وارتفعت يافطات تطالب بالاستقلال التام باللغات العربية، الفرنسية والإنكليزية. ضمّ هذا التظاهر مئات الأشخاص من مختلف المناطق، الطوائف والأديان الذين وقفوا وقفة واحدة أمام السراي الفرنسي الذي أحيط بالعساكر الفرنسية.
كان الهدف من هذه المظاهرة توصيل صوت اللبنانيين ودعم سوريا ووضع حد للسلطت الفرنسية التي تمادت سياسيّاً، إجتماعياً وإقتصادياً. لم تهدف إلى خلق بلبلة في الساحات أو إلحاق أي ضرر. "فالمعادلة بسيطة، نريد أن نقف إلى جانب إخواننا السوريين وندع العالم يعرف بأننا سنحقق الإستقلال التام لبلاد الشام." هذا ما قاله المحامي ربيع مروّة في حديثه الإذاعيّ مع إحدى الصحافيين، "فالإستقلال آت، لا محال. إنما ما الثمن الذي سنحققه بغية تنفيذه؟ كم شاب وشابة، ثائر وثائرة عساهما أن يموتان كي يصحى العالم ونصحى معه لنحقق إستقلالنا؟"
كما وتصدرت جملته: "الإستقلال آت، لا محال..." الخطوط العريضة في معظم الصحف اللبنانية والعربية. وأصبحت تتداول بين الألسن. فالإستقلال آت، هذا ما يؤمن به البعض، هذا ما يحلم به البعض، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه البعض الآخر.
لم تمض دقيقة كاملة على جاد إلّا وفكّر فيها بالفرنسية الجميلة التي خطفت عقله. فهو ما زال مصرّاً أنّه قد رآها في أحد الأيام، وأيقن ذلك إذ لاحظ ارتباكها الشديد. لم يفارق عطرها أنفه، فهو ما زال يشعر في لمسات يديها الناعمتين، وما زال مسحوراً ببريق عينيها. مسك وسادته عن سريره وأخذ يشم كل زاوية فيها، فهي ألقت رأسها على هذه الوسادة عندما فقدت وعيها. أراد أن يشعر بوجودها معه وجنبه على السرير.
هذا السحر الذي وقع جاد في شباكه، يبدو أنّه أوقع ألساندرا لكن بشكل آخر ومختلف جدّاً. فهي على يقين أنّع عرفها لكنّه يستغبيها. هي على يقين أنّه سيضايقها، وربما سيبتذلها. فهي من أرادته في تلك الليلة، هي من كانت تقبّله بعنف وكأنها بنت من بنات الهوى في تلك الخانة.
أخذت كمانها لتعزف، لا بل لتنسى. أرادت أن تجعل ألحان الكمان يأخذها من حاضرها هذا. أرادت أن تعيش في عالمها الخاص، العالم الذي لطالما تحلم به لكنّه بعيد جدّاً عنها، بعد البحر عن السماء.
أما في مكتب سالم بم في المعمل، علاقات من نوع آخر لكنها مشابهة لعلاقة جاد بألساندرا. فجميعها تتبلور حول الخيانة، الزنى والحرام. كانت علياء جالسة في حضن سالم تخبره كم اشتاقت له وكم ترغب بمقابلته خارجاً فيما كان هو يداعب شعرها بيده اليمنى، ويقوم بتفقد أسفل ظهرها بيده الأخرى.
أنت تقرأ
ألساندرا مرميا
No Ficciónفي صراع بين الماضي والحاضر، عادت من فرنسا إلى لبنان بعد مضي سنوات على رحيلها. هي رحلت من لبنان مرغمة، رحلت جسداً وأبقت قلبها وروحها هناك. رحلت ولم تأخذ معها سوى ذكريات أليمة وقاسية. إلا أن هذه الذكريات هي من أبقتها حية، هي من زرعت فيها الأمل، أمل ال...