الجزء الثاني_ الحلقة الأولى

1.8K 99 10
                                    


بدأت نسائم رمضانية تحيط بالاجواء ، تريح النفوس وتسمو بها ، تتغير كل مظاهر الحياة فى هذا الشهر الكريم ، بداية من الشوارع التى تزدان ،لاستقباله رغم أن الشهر الفضيل لا يحتاج زينة لاستقباله ، لكنها عادات إعتاد الناس عليها للتعبير عن سعادتهم بهذا الشهر ، ثم تأتى المتاجر التى تقدم العروض المنخفضة الأسعار كمساهمة لتمكين الفقراء من الحصول على ما يحتاجون إليه ، ثم تأتى الأسر التى تستعد لاستقبال رمضان بطرق شتى .
وأخيراً بعد غياب طال لأشهر يهل علينا هذا الشهر ، الكثير من الفقراء ينتظرونه لتدفق الصدقات عليهم فيه ، والكثير من الأغنياء ينتظرونه للتقرب إلى الله بإفطار الصائمين .
أليس الفقراء فقراء طول العام ؟ !!!
لم ينتهى رمضان وينتهى الخير معه ؟ !!!
فترفع الموائد الرمضانية التى تمتد لشهر ، هل شبع الجائعون ؟ !!!!

من بين الناس فئة كبيرة هى فئة موظفى الحكومة . ذوى الدخول المحدودة ، والذين تتمثل تطلعاتهم فى هذا الشهر الكريم في التوسيع على أسرهم ، مهما كان الدخل بسيطا إلا أن رب الأسرة يجاهد في هذا الشهر لمنح مائدة الإفطار طابع مميز
يدخل عصام من باب منزله سعيدا ،فهذا أول شهر رمضان تكون فيه زوجته ندى بمنزله ، زوجته الحبيبة الغالية والتى تزوجها فى عيد الفطر بالعام الماضي بعد خطبة دامت لخمس سنوات طويلة كان الكفاح رفيقه فيهن ليحصل اخيرا على تلك الشقة المتواضعة بأحد مشاريع الشباب الإسكانية ، لقد كان الله كريما معه كما تمنى ، فكلل مساعيه وعمله الشاق بتلك الزيجة التى كانت حلما من أجمل أحلامه .
ومالبثت ندى أن زفت له بشرى انتظارهما لطفلهما الأول ليأتى هذا العام وقد أصبح له زوجة وطفل ياله من محظوظ !!!
يدخل عصام بخطوات متباطئة يخشى أن يقلق صغيره الذى مؤكد نومه . فهو بعد ولادة ندى وزيادة المصاريف لتلبية متطلبات الصغير عدى إضطر هو أيضاً للبحث عن عمل إضافى ، فالأسعار تتضاعف والراتب لم يعد قادرا علي الإيفاء بمتطلبات المنزل .
حسنا لا بأس لطالما عمل عملا إضافيا .
وهل هو اليوم عائد من عمله وقد منحه صاحب المتجر راتب الشهر ليقدمه لحبيبته ندى لتتسوق ما تحتاج إليه استعدادا للشهر الكريم الذى أقبل .
دخل بترقب ليجدها تجلس عاملة على طى الملابس بينما صغيره كما توقع يغفو بوداعة . ابتسم مقتربا منها لتبادله بسمته الصامتة حتى جلس بجوارها على الفراش وهو يبدا فورا مساعدتها بطى الملابس .
عصام : السلام عليكم . ازيك يا حبيبتي.
ندى : عليكم السلام.اتأخرت ليه يا عصام ؟
عصام : معلش انت عارفة ده محل يعنى مواعيده حسب التساهيل مش حكومة يعنى
نظرت له بشفقة : انت بتتعب أوى يا عصام .
عصام : هو فى احلى من إن الواحد يتعب علشان حبايبه ؟
اخرج أخيرا المال من جيبه ليقدمه لها بفخر : الحمدلله قبضنا . خدى بقا هاتى حاجة رمضان
تناولت المال بسعادة : ربنا يخليك لينا .
نظر لها معاتبا : مش قلنا بلاش الدعوة دى . اللهم بنيتها تقبل .
ارتبكت ندى فهو طالما يحاول تغير هفواتها اللغوية لكنها سريعة النسيان .
ندى : ربنا يبارك لنا فيك يا عصام معلش بقا حسب ما لسانى اتعود
عصام بسعادة فحبيبته لا تتعصب لاخطائها : حبيبتي بكرة تتعودى . المهم أنا اخدت اذن من المحل بكرة بساعتين تأخير هاجى من الشغل تكونى لابسة تسيبى لى عدى وتنزلى بسرعة تشترى اللى انت محتاجاه .
ترأف ندى بحاله : ما كنت وديته عند ماما وانت ارتحت الساعتين دول ؟
عصام : يا ندى طنط ماتقدرش عليه هى كمان تعبانة . أنا يا ستى هاخد بالى منه بس تحاولى ماتتأخريش .
وهكذا اتفقا أن تتوجه ندى فى اليوم التالى لشراء ما تحتاجه استعدادا لهذا الشهر الكريم ، ويكون عصام كما إعتادت منه نعم العون والسند .
*******************
الصباح التالى بعمل عصام .
يجلس كعادته منذ وصل صباحا يعمل على إنهاء الملفات أمامه بصمت ، يدخل زميله بالعمل حسين الذى استأذن منذ ساعة لشراء فطور له ولزملائه يتأفف : سترك يا رب إيه الجشع بتاع الناس ده على الصبح ؟
عصام : مالك بتبرطم ليه ؟
حسين : يا اخى شوية الفول حسرة وندامة بعشرة جنية من على عربية في الشارع ! أمال لو جبنا من مطعم ؟
عصام : هنعمل ايه بس يا حسين ؟ اهى كل حاجة بتغلا .
يتوجه حسين لأحد المقاعد ويضع عليها الكيس الذى يحمله ليبدأ فى إعداد الفطور ليقبل عصام وزميليه بالمكتب يشاركون حسين هذا الفطور اليومى الذى لا يزيد غالبا عن الفول والطعمية والباذنجان المقلى .
عليهم جميعا محاولة توفير المزيد من النقود ، كما عليهم سرعة العودة للعمل .
********************
عاد عصام من عمله مهرولا فى محاولة للإيفاء بوعده لزوجته. دخل مسرعا ليجد ندى تجلس وقد استعدت للخروج ، هرول إليها : السلام عليكم . اتأخرت عليكم ؟
تنهض ندى ليتناول عدى من بين يديها : ابدا يا حبيبي .
يتناوله عصام : حبيب بابا .
يضع كيسا بيده على الطاولة وهو يجلس : روحى ما تخافيش علينا أنا هعمل كل اللى يحتاجه وهنبقا تمام .
تبتسم ندى وهى تهرول للخارج : طيب . يلا سلام عليكم .
كادت تصل للباب ليوقفها بلهفة : ندى !!!
توقفت تنظر له ليقول بحنان : اشترى حاجتك واركبى تاكسى . بلاش ميكروباص وانت شايلة .
ابتسمت له وغادرت فورا . فرغم أن استقلال تاكسى سيكلفه كثيرا هو نفسه لا يستقله مطلقا يكتفى بالمواصلات الشعبية ليس لشئ سوى لتوفير المال ، لكنه يتعب لترتاح هى ، هو يركب الاتوبيس والميكروباص سعيدا ويكون أكثر سعادة حين يوفر لزوجته أجرة تاكسى .
***********************
يجلس عصام يتابع التلفاز بملل فقد غفا صغيره ، كان يتمنى قضاء الوقت فى ملاعبته فهو لا يملك الكثير من الوقت ليبقى معه ، بل هو مضطر للعمل دائما ليقدم له كل ما يحتاج إليه.
وضع الصغير جانبا ثم توجه للمرحاض فتوضأ وعاد يصلى الظهر
انتهى من صلاته ليقبل على صغيره المستلقى فيجده قد اسيقظ ليشرق وجهه سعادة ويبدأ في مداعبته لينعم قلبه بضحكاته البريئة التى تمحى متاعب الحياة عن قلبه .

أقبل رمضانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن