الحلقة الرابعة_ الجزء الثاني

2.1K 152 29
                                    

اعتذر عن التاخير

وصل عصام لعمله فى موعده ومالبث حسين أن أقبل يحمل حقيبة كبيرة ، ما كان يتوقع أن مشترواته بهذه الكمية ، لقد أرهق صديقه فقد حملها لمنزله بالأمس وعاد بها اليوم .
نظر له بشفقة فالاجهاد باد على ملامحه وهو يقدم له الحقيبة : إيه كل ده يا حسين ؟
يبتسم حسين : تصدق إنك مرزق وهاخدك معايا بعد كدة كل ما اشترى حاجة .
ابتسم عصام : ياسلام ، اشمعنا يعنى ؟
جلس حسين : يا سيدى انت مشيت امبارح بعد ما قلت لى على حاجتك وخلاص دورى قرب ، وراحوا منزلين عروض جديدة ، تخيل كل اللى طلبته عليه عروض . جبت لك بقا بفلوسك وغيرت شوية حاجات كده علشان الحاجة كانت هتبقى كتير وممكن تترمى
أسرع عصام للحقيبة بسعادة : انت بتكلم جد ؟؟
أغمض عينيه بسعادة يشكر ربه على المزيد من الرزق الذى يأتيه بلا حول ولا قوة منه سوى السعى والرضا . وضع الحقيبة جانبا ، ستسعد بها ندى كثيرا ، فسوف توفر وجبة سحور غنية لكليهما لما يزيد عن الاسبوعين .
نظر لزميله بإمتنان هو حقا شخص أمين يمكنه أن يقدم له تلك الوظيفة وهو مرتاح البال ، اقترب منه هامسا : بقولك يا حسين .
أقترب حسين ايضا ليقول عصام : امبارح كنت بشوف حسابات فى محل ملابس وصاحبه طلب منى واحد بيعرف كمبيوتر علشان المحاسب سرقه ، جيت في بالى علطول ، إيه رأيك؟
لتكون السعادة من نصيب حسين هذه المرة : بجد يا عصام !!! ياما انت كريم يا رب . أنا كنت شايل هم مراتى تولد والحكاية ماشية بالعافية .
عصام : ما أنا قلت كدة بردو ، أنت أحق واحد والراجل طيب أوى وهيكرمك .
حسين : خلاص ودينى النهاردة اتفق معاه .
بالفعل اتفق معه عصام أن يعود لمنزله الغداء ثم يتقابلا ليعرفه لصاحب المتجر قبل أن يتوجه لعمله هو .
مر اليوم روتينيا كالعادة ليعود عصام لمنزله يحمل الحقيبة بيده والرضا بقلبه ، كانت ندى تنتظره وقد أعدت الغداء حتى لا يتأخر عن عمله المسائى .
دخل من الباب لتستقبله مبتسمة : حمدالله على سلامتك. هجهز الغدا حالا .
عصام : هاتى عدى طيب العب معاه شوية .
قدم لها الحقيبة لتتساءل : إيه د يا عصام ؟
عصام ببساطة : شوية حاجات لرمضان
نظرت أرضا بخزى بينما حمل صغيره وتوجه للاريكة لتقول : عصام انا اسفة ، ضيعت الفلوس ،بس والله كنت فاكرة كدة صح
نظر لها بحنان : تعالى يا ندى
جلست بالقرب منه ليقول : حبيبتى رمضان شهر عبادة ، ربنا وسع علينا وحبينا نوسع البيت مش مشكلة بس بالمعقول ، يعنى انا وانت بذمتك هنعمل ايه بكيلو مكسرات من كل نوع ، عاوزة تجيبى هاتى أنا مش ممانع بس على القد ، ورايحة تجيبى فانوس لعدى بخمسين جنية مش هيلعب بيه ولا هيستفاد بيه من أصله .
استمر عصام لفترة يحدثها عن ضرورة التركيز فيما بعد فى انفاق المال، فإن كان ما اشترت يزيد عن حاجتهما يمكنها التصدق به ، لكن ما حاجة الفقراء لمثل هذه الرفاهية ، عليها أن تفكر فيما تحتاج إليه الأسرة وما يمكنها أن تتصدق بما يفيض منه أيضا .
استجابت ندى لحديث عصام الهادئ لتقول بالنهاية : فهمت يا عصام واوعدك مش هتكرر تانى ،بعد كدة نقعد مع بعض ونحدد نشترى إيه .
عصام : يا حبيبتي بعد كدة هحاول انزل معاكى لحد ما تتعودى
ندى : يعنى خلاص مش زعلان مني ؟
عصام : لا طبعا مش زعلان ، بس إلحقينى بالغدا علشان هقابل حسين اوديه يشتغل فى محل قبل ما اروح شغلى .
نهضت مسرعة تتوجه للمطبخ لتعد الطعام لزوجها الحنون .
أنهى عصام طعامه وتوجه للخارج ليتوجه لعمله ليوقفه صوت ندى : عصام .
إلتفت لها لتتساءل بمسحة من الحزن : راضى عنى يا عصام ؟
دق قلبه وعاد لها فورا : طبعا يا ندى ده سؤال بردو . مش معنى انك تغلطى أو أنى اتعصب إن قلبى شال منك . انت مراتى يا ندى وام ابنى . يعنى حته منى .
ندى : بجد يا عصام ؟؟
عصام : بجد يا نن عين عصام
قبل جبينها ليتجه للخارج ، لقد نصحتها أمها بهذا السؤال ، واخبرتها أنها تسأله لوالدها دائما ، وكم يرق قلبه حين تسأله إن كان يرضا عنها . وقد رأت هذا بعينها للتو لتتمتم برجاء : يارب ارزقه برزقنا وهون عليه الصعب .
********
قابل عصام حسين وأوصله للمتجر حيث قابله صاحبه بترحاب وشكر لوفاءه بوعده ، قدم له حسين وهو يثنى عليه وعلى أمانته ويخبره أنه ليس بأفضل منه إطلاقا ثم غادر بعد أن همس فى أذن حسين يوصيه بأن يكسب ود صاحب العمل .
وصل لمتجره متحمسا للعمل ليجد الفواتير بإنتظاره ليبدأ العمل فورا .انهمك فى عمله بين الاتى والغادى يسجل ما يشتريه الزبائن ويراقب فى صمت .
وصل وقت الذروة وامتلأ المتجر بالزبائن ، من بين الزبائن رجل يصحب طفلا صغيرا كان وقوفهما بالقرب من عصام ليستمع دون قصد لحوارهما .
كان الصغير قد انتقى حذاءا وانتقى والده اخر . قام الصغير بتجربة الحذائين ليصر على اختياره ليقترب أبيه منه قائلا : حبيبى أنا عارف إنه اجمل من اللى أنا اخترته ، بس بردو اغلى وانا مقدرش ادفع تمنه .
لمحة من الحزن احتلت وجه الصغير لحظة قبل أن يقول : خلاص يا بابا مش مهم المهم إنه جديد وبتاعى لوحدى .
اعصر قلب عصام ألما على هذا الصغير الذى أقصى أحلامه أن يحصل على حذاء جديد لم يستعمله غيره ، يبدو أن هذا الرجل يعانى فقرا ليضطر لشراء الأحذية المستعملة لصغيره ، لا أحد يلجأ لهذا إلا لحاجة شديدة .ليردد قلبه فورا : ما نقص مال من صدقة ...
نهض عصام عن كرسيه هو عادة لا يتعامل مع الزبائن هو يعمل على الحسابات فقط ، أقترب منهما مدعيا عدم استماعه للحوار : اخترت إيه يا جميل ؟
تساءل ببساطة ليقول الرجل : هناخد ده لو سمحت .
عصام : هو جميل ، بس التانى اجمل . ونازل عليه عرض انتم أولى بيه
شعر الرجل بالحرج وهو يظن أنه سيدفع المزيد من المال بينما قال عصام : اصل لما بيفضل قطع محدودة بننزل عرض على الباقى ، والكوتش ده النهاردة بنص الثمن يعنى ارخص من اللى هتاخده واحلى كمان .
تهلل وجه الرجل والصغير ايضا ليتساءل الرجل بلهفة : بس مش مكتوب عليه عرض .
عصام : مالحقناش نكتبه اصل اخر حته لسه خارجة من خمس دقايق. ها قررت إيه؟
الرجل بسعادة : هناخده طبعا .
ابتسم عصام وتقدم من الحاسب . كتب السعر الحقيقى للحذاء وسلمه للرجل لينصرف سعيدا ويخرج عصام من جيبه باقى الثمن يضعه فى الخزينة .
لم يكن يعلم أن هناك من يراقبه ، إلا أن الحاج زاهر رغم ثقته بعصام إلا أنه يراقب جميع متاجره بكاميرات مراقبة ظن عصام أن الهدف منها منع السرقات فقط ، لكن للحاج زاهر هدف آخر .
بعد ساعة كان الحاج زاهر يدلف للمتجر ، تجول على غير عادته بين العاملين وتبادل مع كل منهم حديثا خافتا ليتأكد أن كل العاملين لديه يحملون بين جنبات أجسادهم المرهقة ارواحا صافية وقلوبا نقية .
فقد حاول أن يستدرج أحدهم ليوشى بما فعله عصام إلا أن الجميع ابدى عدم العلم بما يتحدث عنه ، جميهم يعلم أن عصام اقدم على ذلك رغبة في مساعدة الرجل فهيئته كانت كافية ليعلم الجميع حالته المادية . لذا لم يحاول أحدهم الإعتراض عما يفعله عصام .
أقترب زاهر من الحاسب ليسأل عن مبيعات اليوم ، ليس هذا من عادته إلا أن عصام لثقته فى نفسه ، بدأ يشرح له و يقدم له الفواتير ، ليلاحظ أن عصام لم يغير السعر بالفاتورة لكن الرجل من لهفته و سعادته للحصول على الحذاء لم يلحظ ذلك .
ابتسم زاهر براحة ثم قال بحزم : خلصوا شغلكم وماتروحوش . أنا راجع بالليل .
وغادر زاهر مرة أخرى وسط نظرات الدهشة من البائعين ، لتتحول لنظرات شفقة وهم يشعرون أن عصام سيخسر عمله هذه الليلة .
أنهى الجميع عمله وتأخر الوقت ، الكل يراقب الساعة وينتظر الحاج زاهر الذى أتى ليترجل عن سيارته مسرعا : اتأخرت عليكم معلش .
نظروا لبعضهم بتعجب بينما يخرج الحاج زاهر من جيبه عدة اظرف ويقدم لكل منهم مظروفا عليه اسمه : دى مكافأة ليكم بمناسبة رمضان . واتمنى تفضلوا زى ما أنتم محدش منكم يتغير .
فهم الجميع عدا عصام الذى لم يفهم إشارة الحاج لكنه حصل على مكافأته ليعود سريعا للمنزل فقد أجزل الله له العطاء .
كان يتمنى أن يقدم لأسرته الصغيرة الكثير لأنهم أسرة للمرة الأولى يزورها رمضان ، ورغم ما حدث من زوجته إلا أنه تحلى بالصبر وسعى للحصول على المال مرة أخرى ليكافأه الله بما يثلج قلبه ويدمع عينيه فرحا
تمت بحمد الله
قسمة الشبينى
كل عام وانتم بخير

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 22, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أقبل رمضانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن