الفصل الثاني

41 10 47
                                    

كان صوت الموسيقى العالي يطغى على كل شيئ آخر في منزل العروس ( حامد المنصور ) عم العروس و الولي عليها و هو رجل ستيني تكاد تقرأ جشعه و نذالته على كل شبر في وجهه تقف قربه زوجته ( سعاد ) تتأبط ذراعه و تقوم بدور أم العروس بشكل مبهر غير أن الحقيقة التي لن يعرفها أحد من الحضور أنها لطالما آذت ميادة بكل الطرق التي تمكنت منها صوتها العالي نسبيا و هي تكلم زوجها متسائلة عن بعض الوجوه التي حضرت برفقة العريس ليجيبها بإقتضاب عن أشخاص يعرفهم و آخرون يراهم لأول مرة
الإبتسامة المتشفية على وجه دنيا و هي تلمح والدة العريس و كأن ميادة كتب لها أن تستريح من عذاب والدتها لتقع في يد إمرأة أسوء منها صوت الأخيرة المتذمر من تنضيم الحفل في حديقة المنزل عوض كراء قاعة أفراح مناسبة و الواضح أنها لا تعرف أن والدها العزيز وضع أموال القاعة التي دفعها العريس في خزانته و تحجج بإقامة الحفل بالمنزل البسيط كتقليد متوارث لايستطيع تغييره و العريس لم يبدي أي إهتمام غير أنه أصر على إقامة العرس في أسرع وقت فقط كأنه لايطيق صبرا للزواج بإبنة عمها
كان الوضع كما يجب أن يكون هرج و مرج من الشباب و أحاديث جانبية من الكبار قبل أن يعم الضلام فجأة
        ••••••••••••••••••☆•••••••••••••••
خرج من المكتب و علامات التعب بادية عليه
ضغط على زر المصعد متوجها للكراجات أسفل مبنى الشركة ليستقل سيارته مغادرا بسرعة
أعاد تشغيل هاتفه ليصدح بالرنين بعد بضع ثواني
: مرحبا
و قبل أن يكمل قاطعه الصوت الحنون
: بحق الله بني أين أنت أتصل بك منذ عدة ساعات
رد بصوت محب
: أمي لما كل هذا لقد كان لدي بعض الأعمال أكملتها و سأعود
: و أين أنت الآن
: متجه إلى ####
عاد صراخها يصم أذنيه
: ماذا تفعل في هذا الوقت خارج المدينة
: بحقك أمي لست طفلا
: أجل لكن تصرفاتك لا تدل على ذلك
تنهد بتعب و أردف
: أمي لقد نسيت بضع أوراق في منزلي هناك أحضرها و سأعود
إستمع إلى صوت تذمراتها من أفعاله قبل أن تتسائل
:ماذا تفعل في ذاك المنزل ليس مكتمل البناء أصلا...
الشقة الصغيرة الذي إشتراها منذ مدة طويلة لم يكتمل تجهيزه بعد صحيح أنه يمكن إستعماله حاليا لكن ليس تماما رد بملل على تساؤلات والدته التي لا تنتهي
: أمي أليس لديك شيئ آخر غير إنهاء رصيدك معي
: أراني الله فيك يوما يا إبن بطني و سأشمت فيك إلى الأبد
أطلق ضحكة عالية قبل أن يغلق الهاتف بعد كلمات وداع قصيرة و رمى الهاتف على الكرسي قربه
مسح على وجهه بيديه مفلتا المقود لثانيتين فتح عينيه بتعب ليظهر على بعد أمتار منه شعر غجري يتناثر وسط الضباب و حوله رذاذ المطر يتساقط بعشوائية ثوب الزفاف المبلل و الذي تمسك به صاحبته تظهر قدمان حافيتين أضواء سيارته إنعكست على الفستان لتلتمع الجواهر المزينة له رمش بسرعة و السيارة تنحرف قليلا حاول إستعادة السيطرة عليها بصعوبة و كل شيئ حصل فجأة
الطريق الزلج جعل السيارة تستدير و عجلاتها المحتكة بالطريق تصدر صوتا عاليا
لتتوقفت السيارة بعد دورة كاملة محدثة صريا عاليا لينزل مسرعا بعد ثواني حاول فيها إستعادة أنفاسه
هاهي تكمل مارثون جريها لهذا اليوم بعد أن حررت شعرها من مشبكه ذا الحواف المسننة و غرسته في وجه السائق القذر تاركتا إياه يتخبط منتصف الطريق قدميها تصرخان وجعا شهقاتها الباكية ترتفع وسط الطريق الخالية  و هي ترتجف..خوفا..رعبا..و بردا
لماذا يا إلاهي لما كل هذا لما حياتها متعبة إلى هاته الدرجة ألن ينتهي هذا اليوم؟
لابد أنه إنتهى و حل يوم آخر و هي في منتصف الشارع كالمتشردة و الأسوء ألم قدميها
صرخت بأعلى صوتها جراء كل ماحصل اليوم و كل جزء في جسدها يئن بتعب إلى متى ستستمر هكذا
مشت كثيرا و جدا ستموت هنا في منتصف الطريق و لن يعثر أحدا على جثتها و ربما ستأكلها الحيوانات المشردة مثلها
لو بقت و تزوجت و عند هاته الخاطرة بالذات طاقة غريبة إنبعثت في جسدها و جعلتها تكمل طريقها إلى المجهول
أضواء السيارة التي ضربة عينيها مباشرة جاعلتا إياها تتوقف عن مشيتها السريعة بلا هدف صوت الصرير العالي و مقدمة السيارة المنطقة نحوها بسرعة جعلتها  تتيبس كتمثال رخامي في منتصف الطريق
تجمدت أطرافها برهبة ورفعت ذراعيها تغطي بهما وجهها مستعدة لمصير واضح  قبل أن تحصل معجزة ما جعلت السيارة تنحرف قليلا و تتجاوز جسدها المتيبس بمسافة قصيرة  إنهارت جالست أرضا غير آبهة بحفر الوحل المنتشرة هنا وهناك تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة وقد ضاعفت قطرات المطر شعورها بالبرد و هول الموقف هذا يقبض على أنفاسها
لقد كانت على وشك أن تدهس بطريقة بشعة صرخ بها عقلها عدة مرات و سيناريو ماكاد يحصل لها يتكرر مرة تلو الأخرى أطلقت ضحكة غبية وهي تتلمس يديها قبل أن ترفع عينيها إلى الرجل الذي نزل من السيارة وهو يرمقها بنضرات متفاجأة
من مكانه قرب السيارة وقف بلا حركة يتأكد مما يراه هل هي حقيقية إنها إمرأة شابة تلبس ثوب زفاف يبدوا حاليا خرقة بالية تقدم بخطوات بطيئة متوجسا بخيفة أن يكون أثر التعب جعله يتخيل عروسا هاربة منتصف الليل
تلعثم بضع مرات قبل أن يجلي صوته متسائلا
: هل أنتي حقيقية
رفعت نضراتها إليه تهمس ببكاء
: ساعدني...أرجوك       
              ••••••••••••••••••☆•••••••••••••••
الضوضاء التي إنتشرت بين الحضور تحولت لصراخ عالي حين دوى صوت إنفجار مريع يليه إنتشار دخان أسود من داخل المنزل تحرك من مكان وقوفه بسرعة متجها حيث وقفت والدته و شقيقاته و قد ضهر عليهم إمارات الخوف ملقيا أمره بصوت حاد بوجوب خروجهم
تعلقت والدته بكتفه تمنعه من الدخول إلى المنزل المشتعل و هي تصرخ فيه بغيض
: قاسم هل جننت
أزال يدها بشيئ من الحدة و هو يرد بلا تفكير
: زوجتي في الداخل
الأجساد الراكضة بخوف و هلع في كل صوب لم يمنعه من شق طريقه وسطهم وهو يحاول تبين غرفة العروس
شتم قاسم بعنف و النيران تنتقل من الباحة الخلفية إلى أرجاء المنزل بقوة الستائر تشتعل بسرعة مطلقة روائح خانقة تجعل البعض يسعل بشدة لاكنه لم يهتم و هو يرتقي الدرج  بخطوات راكضة في حين يزداد صراخ بعض الفتيات من داخل الصالة الواسعة 
أمسك كتفي ألفت التي تحاول النزول و عيناها تنهمران بدموع الخوف
: أين غرفة ميادة
رفعت أنضارها المشتتة على وقع صوته الخشن إرتبكت وهي ترفع يدها ناحية إحدى الأبواب المغلقة و هي تهمس
: إنها هناك سأساعدك ربما ثوبها
قاطع هدرها و هو يدفعها ناحية السلم قبل أن يقول بصوت عالي
: إتصلي بالإطفاء بسرعة
واصلت خطواته المتلهفة ركضها إلى حيث أشارت الفتاة الصغيرة مد يده يفتح الباب هامسا بإسمها
و هو يتخيل عدم خروجا لإغمائها بسبب الدخان أو الروائح النفاذة ليزداد خوفه و هو يتبين إغلاق الباب بالمفتاح أطلق سباب لاذع و هو يحاول مرة بعد أخرى
قبل أن يتراجع بضع خطوات و يركل الباب بكل قوته لتنفتح على مصرعيها
قابلته الغرفة الفارغة و ستائر النافذة المشرعة تتلاعب بها الرياح العاتية في الخارج
جال في أنحاء الغرفة الضيقة حيث لاتزال بعض أدوات الزينة موضوعة على التسريحة مشط الشعر يستريح على السرير الضيق و حذاء أسود لامع موضوع قرب الخزانة المفتوحة
زفر بأنفاس مرتاحة و هو يستدير خارجا يجول نضراته بحثا عنها تقطيبة حاجبه تزداد كلما نضر في الأرجاء الخالية منها و الضاهر أن عمها تفطن إلى هذا حين دفع يد زوجته النائحة قربه و هو يجول متسائلا عنها و شيئ ما جعل خوفا غريبا يجثم على نفسه حين قابل نضرات قاسم الخضراء المشتعلة
           ••••••••••••••••••☆•••••••••••••••
مد أيمن ذراعه لميادة التي تجلس أرضا في حالة يرثى لها يساعدها على الوقوف وهي إمتثلت إلى طلبه بلا أي إنفعال
كان جسدها متعب و عقلها مشتت و حتى ضميرها عاد يصرخ بخطأ فعلتها
مشت بضع خطوات حيث سيارته المتوقفة جانبا تراقبه يفتح بابها و يساعدها على الجلوس قبل أن يستدير جهته و يعود حاملا قارورة ماء مدها إليها بشفقة
لم تتحرك لم يرمش لها جفن أصلا عقلها يسجل مايحصل لاكن جسدها خائر القوى لدرجة عدم إتيانها بأي حركة
: هل ...أنت...إسمعي
تكررت كلماته الغير مفهومة المعنى عدت مرات قبل أن يزفر بسخط و هو غير قادر على معرفة مذا عليه أن يفعل هل يتركها هنا و يتجاهل أمرها أم يساعدها
و الضاهر أن الخيار الثاني سيجلب له الكثير من المشاكل
تنحنح يجلي صوته متسائلا
: يا سيدة  هل أنتي بخير
عند سؤاله بنبرة مهتمة رفعت يديها تغطي وجهها تشهق ببكاء حارق
رفع أيمن حاجبيه بصدمة من صوت بكائها العالي تململ في وقفته غير مدرك ماعليه فعله مد يده ناحيتها و أعادها قربه بإرتباك من هذا الموقف الغريب
لاكنه إستعاد تعقله وهو يلمح أضواء سيارة تقترب منهم أسرع يدس طيات ثوبها داخل السيارة و يغلق الباب ثم يتوجه إلى مكانه مشغلا السيارة
عيناه تسرقان النضر إليها حيث توقف بكائها و بقت مجرد شهقات خافتة تطغى على السكون حولهم
تريح رأسها على زجاج النافذة كتفيها متهدلان بتعب
حتى قارورة الماء لاتزال مستقرة في حجرها ولم تفتحها أصلا رغم وضوح أنها في أمس الحاجة لها
أعاد نضره لطريق و لايزال غير مستوعب هاته الورطة التي يعيشها قبل أن يطلق ضحكة عالية من ردة فعل والدته  لو أتصل بها الآن و أخبرها بما يحصل معه
ضحكته التي تسللت إلى أذنيها جعلتها تفيق من تلبدها و كأنها كانت تتحرك بلا وعي لتجد نفسها تستقل سيارة منطلقة مع رجل غريب
إعتدلت في جلوسها تحاول إخراج صوتها الخائف
: من أنت إلى أين تأخذني
أجاب بمرح لم يكن وقته إطلاقا
: أخطفك
صرخ بفزع و هو يراها تمد يدها نحو مقبض الباب تفتحه رغم سرعة السيارة المنطلق بها
أوقف السيارة جانبا و هو يمد يده نحوها يجذبها قربه مانعا الكارثة التي كادت تفتعلها
قاومت يديه بشدة و هي تصرخ بهياج
: دعني..... إبتعد ....مذا تريد مني
أمسك ذراعيها بشدة يحاول تهدئتها و إنفعالها الشديد  يجعله يقر بأن مساعدتها أمر واجب عليه
أجلى صوته بأرق طريقة إستطاعها و هو يقول
: لا بأس ستكونين بخير سأساعدك لا تخافي فقط أخبريني بقصتك

            ••••••••••••••••••☆•••••••••••••••
كان صدره يعلو و يهبط  بأنفاس ثائرة شيئ خاطئ يحصل
ميادة لا أثر لها وسط المدعويين الذين إنسلوا هربا من هاته المصيبة صوت سيارة الإطفاء يقترب أكثر و أكثر
لينتشر بعض الرجال ببزاتهم الحمراء يبعدون التجمهر الغفير عند المنزل في حين ركض بعضهم يتأكدون من خلو البيت من ساكنيه و هذا زاد من إرتجاف يديه اللتان يقبض عليهم بغضب
تحرك صوب حامد الذي يكاد العرق البارد يغرقه
: أين هي
رفع نضره للصوت الخافت المتسائل قبل أن يهز رأسه بلا معنى و هو يجيب بخوف
: لا أعرف لم أجدها أنا أبحث ول
قاطع كلامه بنضرات شيطانية و هو يكرر سؤاله بنبرة بطيئة
: أين ميادة
: أقسم أني
توقف عن كلامه و هو يقول بشيء من الأمل
: ربما إختبأت جهة الحديقة
لم يدعه يكمل كلامه و هو يستدير راكضا و من باب المطبخ الذي تم إخماد نيرانه المشتعلة منذ وقت قصير
تحرك إلى حيث قال عمها و هو ينادي إسمها عدة مرات بلا رد
وقف وسط الحديقة يلهث بعنف قبل أن يشد نضره الباب الصغير الموارب في جهة قصية تحرك بضع خطوات ناحيته جسده يرتجف بإنفعال و هو يعبر الخطوات القليلة ليقف عند الطريق الجانبي المهمل
نضر في الإتجاهين المتقابلين بحيرة قبل أن يبتسم إبتسامة صغيرة تحولت شيئا فشيئ إلى ضحكة عالية هزت أرجاء السكون حوله

هاربة إلى قدريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن