بصباح جديد وقفت أمام بناء ضخم به عدة طوابق وجهته الخارجية من الزجاج الأزرق تنعكس عليه خيوط الشمس الذهبية ليتوهج كأحجار العقيق... ظلت أقدامها ثابتة في الأرض كشجرة عملاقة تغلغلت جذورها بداخل الأرض تتماسك بها بقوة تستمد منها طاقتها، رفعت عيناها تنظر البناء أمامها وهي تزفُر زفرة حارة تفيض ببعض مما يعتلي صدرها... تنهدت بأسى وهي تذهب بخطوات بطيئة تجاه المصعد تذكرت مرتها الأولى التي رأت فيها قابض أنفاسها، أسدلت جفنيها بحزن وهي تنظر لهيئتها بمرآة المصعد شتان بين هيئتها السابقة والآن... قديمًا كان المرح يتقافز من مقلتيها طفلة تركت الغد بكل ما فيه لتنعم فقط باليوم تُرحب به وهي تفتح ذراعيها إليه، واليوم ملامحها جامدة مقلتيها تحملان حزن كهل كبير تَحَمّلْ من الحياة ما لا يمكن لشاب في منتصف العمر تحمُله....توقف المصعد ولجت منه بخطوات رتيبة ثابتة تجاه غرفة مكتب والدها، فَقد تحدث معها بالهاتف صباحًا وطلب منها أحضار بعض الملفات إليه بالمشفى... فقامت بإيصال صغيرها إلى روضة الأطفال تركته هناك لتُلاقيه قبيل غروب الشمس ببضع ساعات...
وصلت لغرفة المكتب وأمسكت بمقبض الباب لتشعر بإنقباضة تعتصر قلبها، تنفست بهدوء لتفتح الباب وتدلف داخلًا...
تصنمت مكانها لدقيقة وهي تراه جالس على المقعد بيده بعض الأوراق يُدقق النظر بها قبل أن يرفع عيناه يصيح بغضب لمِن دلف بدون أن يطرق الباب فتوقفت الكلمات على طرف لسانه وهو يراها أمامه مُتصنمة كتمثال رخامي ليس به روح...تغيرت نظرة فريد من التعجب للجمود وهتف بنبرة خاوية :- أفندم يا مدام سمرا
أغمضت عيناها لثانية ثم همست بنبرة مهتزة جاهدت لجعلها ثابتة كقدميها الثابتتان أمامه :- أنا جاية أخد ورق مهم لبابا ...
أشار فريد تجاه المكتب الخشبي بكفه وهو يتفحصها، تحركت أمامه بجمود وبداخلها يتلاطم بقوة كتلاطم أمواج بحر ثائر...
أقتربت من المكتب لتمد يدها تلتقط الملف أمامها فوجدت كف فريد ممسكة بساعدها بقوة، أتسعت عيناها وهي ترمقه بدهشة...
ثنى فريد ذراعها خلف ظهرها وجذبها إليه فأصبح ظهرها مُلامس صدره قائلًا بهمس مُعاتب ينذر بفيضان أتٍ :- قدرتي تعيشي مع غيري يا سمرا! قدرتي يكون ليكي ابن من غيري!!!
أبتلعت الغصة بحلقها مغمضة عينها بألم... لمَ يظن ذلك؟ يُمكنها تحمل فقدانه الثقة بها ولكن أن يفقد ثقته بجنين حبهما شعرت وكأن معدن مُنصهر يُراق فوق قلبها... طفلها كان نطفة الحب التي أنبتت برحمها، ألم يلحظ ملامحه التي ورثها الصغير منه؟....
صاح فريد بعصبية وهو يضغط على ذراعها لتنفلت شهقة متألمة منها :- ردي يا سمرا
أنتشلها من صمتها صوت رنين هاتفها، أنتفضت بخفة وهي تدفع فريد بعيدًا عنها أخرجت الهاتف لتجيب وهي تعقد حاجبيها بعدما رأت يظهر على شاشه رقم أحدى المربيات بروضة الأطفال... أجابت سمرا بتوجس لترتعش يداها بعد لحظات من أستماعها لحديث الأخرى، أرتفعت وتيرة أنفاسها بهلع وأتسعت حدقتيها يهتزان بغير ثبات...
أنت تقرأ
سمرا القلب "نوفيلا"
Romanceأبتعد عنها يحميها من ظلام قلبه ليدرك بعدها أنه ترك قلبه بين يداها ورحل جسده فقط... عند رؤياها تسلل الدفء لقلبه وعندما استمع لحروف اسمها "سمرا" أصبح الدفء هو "سمرا القلب"، ضحكتها كخيوط الشمس الدافئة تُذيب جليد قلبه.... أمينة عزت ممنوع النقل أو الاقت...