14- فندق الملك !•

482 17 3
                                    

بانت لي اضواء المدينة من بعيد اخيراً بعد ان قضيت الطريق نوم فشرود فيقظة ثم غفلةً أخرى ، رحيل سارلوس قد جعل المسيرة كئيبة مُرَّة حتى إيثان بقي صامتاً ! حسناً لا يمكننا جعله متأثراً لان بكل الاحوال هو لا يتكلم إلا اذا اصريت على الحديث معه ، بما ان القطار ليس بِه الكثير من الركاب فهو قد احتل المقاعد الاخيرة واستلقى عليها بمظهره الناعس ومن المؤكد اصبح الجميع يخشى الاقتراب من مؤخرة القطار ..
أعلنت الصافرة عن انتهاء رحلتنا فترجلنا مغادرين
- متى موعد العودة ؟
" على رسلك .. لقد وصلنا للتو " بقي ينظر لي ببرود ، ماذا لم أجبرك على القدوم معي ! يبدو بأن ضجيج الازدحام قد حطم رأسه - ابتسمت ثم عدلت إجابتي السابقة " فقط إلى حين رحيل والداي "
زفر بانزعاج ثم اكمل سيره يثني ساعديه خلف رأسه بكسل :- متى اخر مرة قابلتهما ؟
" منذ سبعة أشهر " أجبته بشرود حقاً كانت مدة طويلة
- وهل ستقابليهم بهذا المظهر ؟
" هيييه وما به مظهري ! انه جيد " نظرت إلى سترتي الصفراء وبنطالي الجينز وحذائه الابيض ، إنهما متناسقين .. حرك إيثان رأسه بالنفي أسى على حالي وانا لا أفهم ما بي حتى ! قال بهدوء :
- إيليا .. إن اردتِ ان يعتقدون انكِ حقاً تغيرتي خلال السبعة اشهر فعليكِ تغيير مظهرك اولاً ، ليس كما اعتادوا عليه دوماً.
أومأت رأسي بتفهم حسناً إن كلامه منطقي لا أريد ان تبقى فكرة الفتاة المجنونة في أذهانهم او ان يشعروا بالشفقة لمجرد رؤيتي ، انا الان واقفة امام شبح انسان اتحدث معه وأنقذت عائلة ارواح الليلة الماضية ، اذاً انا فعلاً تغيرت وبالتأكيد لن اثق بهما مجدداً واسرد لهم ما أرى لانه حينها قد اجد نفسي في اقرب مصحة عقلية ، اللعنة.
" هل لديك فكرة ؟ "
ابتسم لي باستمتاع ، لاحظتم ؟ إيثان ابتسم ولم أدرك كم ان معنى ابتسامة هذا الشبح خطيرة إلا عندما امسك يدي وركض ولا استطيع ان أتلوا عليكم بقية ما حدث فلا ارى سوى أبواب تفتح وابواب تُغلق ، أثواب كثيرة وغرف تبديل ملابس .. لا استطيع ان اتخيل شكل ملامح الموظفين حينما يَرَوْن الثوب يطير من مكانه فجأة ويأتي لوحده ناحيتي عند غرفة تبديل الملابس ، طبعاً هذا ليس فعلي وإنما حماس إيثان وابتسامته تلك التي أخبرتكم عنها ، وجدنا اخيراً شيئاً يجذب اهتمام السيد نعسان
انتهى بي الامر في الخروج من صالون التجميل لقد مضى كل شيء سريعاً فوضوياً كأنها دوامة او هذا ما اعتقدته انا فقط ، لأنني عندما نظرت إلى نفسي في المرآة ذُهلت " إيثان .. هذه انا إيليا حقاً ؟ "
أخذ يلمع أظافره بإفتخار بأن هذا من صنعه وأومأ رأسه بتواضع ، لقد كان ثوبي اسود مخملي عاري الذراعين ضيق عند الخصر ويتسع نزولاً إلى ركبتي ، على كتفي لحافاً أنيقاً من فرو ناعم أبيض اللون متناسب مع الحقيبة الصغيرة والحذاء البسيط من الجيد انه ذو كعبٍ متوسط
اما شعري فقد اصبح منسدلاً على كتفي بتناسق وفراشة فضية تجمع بعض الخصلات للجانب الأيمن بالطبع مع بعض الميك آب الخفيف ؛ هذا جميل جداً هيا لندهشهم !
هاتفت والدتي عند وصولي لفندق الملك وحقاً هذا اللقب يليق به فأقل ما يقال عنه بأنه ملوكي ! تصميمه تراثي من الأعمدة المنحوتة وصولاً إلى الجدران الترابية والسجاد الأحمر ، ناهيكم عن التماثيل الموزعة في كل عدة خطوات ، نظام الموظفين برداءهم الذهبي شيئاً آخر ! أخبرتني انهم في مطعم الفندق ، نظرت إلى إيثان الذي بقي واقفاً خلفي " ماذا ؟ "
- حظاً موفقاً - قال وقد لوح لي بيده متمنياً التوفيق وكأني سأتقدم لخطبة أحد ! " ألن تدخل معي ؟ "
- هذا تجمع عائلي.
" لا بأس لن يراك أحد غيريـ .. " كدت أن أكمل ولكني صمت أُفكر لا أحد يراه وربما يقول ابي او امي شيئاً لي يكون محرجاً امامه فأنا لا أعلم ماذا يخططون بقدومهم إلى هنا او حتى دعوتي لرؤيتهم !
" اذاً ستبقى هنا ؟ " حرك رأسه بالنفي ثم دلك عنقه بإنزعاج يتمتم : - سأجول المستشفى القريب من هنا لربما اجد شيئاً .
" حسناً أصبحت تعلم مكان الفندق ، أراك لاحقاً "
ودعته لأراه وهو يخطوا خارج بوابة الفندق يعبث بقبعة الرجل في طريقه ويبعثر شعر ذاك الطفل هههه لا اتذكر ماذا كنت افعل انا عندما كنت في غيبوبة ؛ أخذت نفساً عميقاً ثم اتجهت ناحية مطعم الفندق إلى حيث أرشدتني والدتي في الحقيقة كان الأمر مُحرجاً لان اغلب الاعين قد توجهت نحوي عند دخولي يوجد الكثير من الطاولات
سرتُ كـ التائهة إلى ان عثرت على ظهر إمرأة اعرفها تماماً شعرها الرمادي القصير وبشرتها الوردية على الرغم من جسدها النحيل ، وبجانبها جسد رجل ذو شعر أشقر تخلله بعض البياض بالإضافة إلى لحيته ايضاً.
توقفت عن التأمل من بعيد كالبلهاء واقتربت ناحية الطاولة " مرحباً "
نظرا لي طويلاً كأنهم يتأكدون إن كانوا عادوا بالزمن ام ان هذه هي انا حقاً ابنتهما ! " ماذا هل نسيتما شكلي ؟ "
نهضت والدتي تحضنني " هل من احد  ينسى شكل ابنته ؟ " تلاها والدي في احتضان جسدي وقد بادلتهما كلاهما هذا العناق الدافئ الذي لم اشعر بِه منذ زمن والذي كانا بخيلين جداً لأن يعطاني إياه ، مرت فترات قد احتجته حقاً ، ماذا ايليا هل هذا وقت الحزن ؟ كوني قوية
" اشتقنا لكِ " قال والدي بعد ان ابتعد بابتسامة حنونة كدت ان اجيب باستنكار - حقاً - من يشتاق كان قد يأتي منذ زمن لكني لا اريد ان يشعروا بالشفقة تجاهي لذلك ابتسمت ببساطة وأجبت " وانا أيضاً " وفي قلبي اشتياق اكبر مما احتوته كلمتكم العابرة ، سمحنا لنفسنا بالجلوس
ثم نظرت إلى الرجل الذي كان جالساً معهم منذ البداية ولم انتبه له يبدو انه كان ينظر لي منذ مدة ، قالت امي " هذا جوزيف صديق والدكِ ، كان متشوقاً للتعرف عليكِ "
" حقاً ؟ " ضحكت بخفة ماذا سمع عني حتى أصبح متشوقاً لمعرفتي ولا يبدو بأن ما يعرفه شيئاً جيداً لصالحي " تشرفت بمعرفتك عم جوزيف "
اقتضب وجهه قليلاً وقال " ليس من الجيد مناداتي بعمكِ " ثم انفجر ضحكاً بصوتٍ عالي ليضحك معه والداي
ما بال هذا مجنون ؟ وضعت امي يدها على كفي وابتسمت تسأل " كيف حال علاجكِ ؟ "
" علاجي ؟ " ردات سؤالها باستنكار
أكد ابي بحزن " اجل لقد كان قبل رحيلنا ولم تتقبليه بسهولة "
إنهم يقصدون المبيت في المصحة العقلية وتلقي العلاج والمواد المقرفة تلك ، هل كان من الضروري تذكيري بكل تلك الأمور ؟ أغمضت عيناي بأرق احاول ضبط مزاجي ومعاودة الابتسامة ولكن تلك الاحداث تتالى في رأسي ، رفعت نظري إليهما وانا افتح ذراعاي
" انا بخير كما تريان ، وذاك العلاج انتهى منذ زمن "
" تعنين بأنكِ لم تعودي ترين أشياءً غريبة ؟ " كان ابي يستنكر بعدم تصديق وربما هو مبتهج لهذا الخبر ، حركت رأسي بنفي أكذب " كل شيء طبيعي "
" الحمدلله " تنهيدة صدرت من كلاهما يشعرون بارتياح كان يجب ان يشعرون بِه منذ زمن وأوفر على نفسي ايام العذاب تلك ! نظر ابي إلى صديقه وقد ضرب كتفه بمرح
" هذا جيد لكما " أجاب الأخر ينظر لي بغموض
" انا في الأساس لم يكن لدي مشكلة في ذلك حتى لو عادت الهلوسة لها انا ارحب بكل حالاتها "
نكزت والدتي ذراعي تهمس " انتِ محظوظة حقاً "
لما الأجواء اصبحت غير مريحة ، أزحت خصلة شعري خلف أذني بضجر وعدلت جلستي احاول تحسين نبرتي
" سأكون محظوظة إن أخبرتماني عما تتكلمان "
" أبنتي .. لقد تقدم جوزيف لخطبتكِ " قالت امي بحماس
ليكمل ابي صدمتي التي ستقضي على عقلي
" بعد ان علم ما جرى معكِ أصر على ان يقابلكِ وتتحدثا " يا للسخافة لقد تزينت لأجلهما .. وأتيت كل هذه المسافة لأراهما ، في النهاية لم يكونا مهتمين لرؤيتي ولولا الصديق ربما لم يكونوا ليسألوا عني ابداً ! ماذا كنت أتأمل بالضبط ؟ رفعت رأسي عندما سمعت صوت تكسر زجاج لأجد كأس العصير خاصتي قد كُسر لوحده ؛ هل بدأتُ أؤثر بما حولي ؟ نظرت إلى صديقهما لأقول مافي جعبتي " لِقد كان كرم أخلاق منك سيد جوزيف مقابلة فتاة مجنونة لديها سجلات عديدة من المصحات ، ولكن اعذرني وقتي ضيق " التقطت حقيبتي ونهضت من مكاني أغادر الصالة وسط أنظار والداي المحرجين مني وصديقهما الذي يظنني وقحة ولكني حقاً لم أعد أُبالي لشيء أريد فقط البقاء وحدي بعيداً ولكن أين ؟ نزعت الفراشة الفضية عن شعري بحنق وانا أسير في الممر والدموع قد ملأت عيناي الدموع اللعينة أحاول بشدة كبتها ، وسط رؤيتي الغير واضحة أرى جسداً ممشوقاً قادماً .. الخطى الواثقة ! رائحة العطر التي احتلت انفي وجميع حواسي ؟ هل يعقل بأن الدنيا صغيرة إلى هذا الحد لتجمعني بِه مجدداً ! كان بعض الموظفين يسيرون خلفه وربما انا كنت واقفة كالبلهاء في منتصف الممر
تلاقت انظارنا لثواني وانا في صدمة من أمري ، ثم أزاح نظره وما زال مكملاً طريقه مروراً بجانبي ، هل أزاح نظره حقاً وكأنه لا يعرفني أم هو حقاً لم يتعرف علي ؟! ذاك الأحمق .. سالت الدموع على وجنتي لأشعر به قد توقف خلفي ونطق بنبرة صوته التي اشتقت لها كثيراً
- هل فندقي ليس بالجمال الكافي ليغير مزاج زباءنه ؟
" لا .. فندقك .. سيّء جداً. "
- إذاً تعالي لمكتبي وقدمي شكوتكِ - قال جملته الاخيرة ثم رحل ولم يلتفت احدنا للأخر خلال المحادثة وما بعدها
إذاً هذا الفندق أصبح من ممتلكاته ؟ لم أعلم بأنني سأتورط مع هذه العائلة مجدداً فور عودتي ، ولكن على ما يبدو بأن تيم لم يأخذ شكلي المألوف على محمل الجدية .
سبب عودتي بدا لي تافه جداً لذا لا اعتقد بأني سأنتظر لنهاية زيارة ابي وامي ، تنفست بروية وحجزت غرفةً لي ثم توجهت لها سريعاً ، غيرت ثيابي لطقم الباندا الذي اشتراه إيثان - يبدو لطيفاً- دفنت نفسي تحت الأغطية ودلفت بكل تلك المشاعر المجروحة ناحية الأحلام.
كان كل شيء حولي سوداوي ؛ استدرت حول نفسي المكان فارغ لا ارض ولا سماء كأنه نقطة من فضاء لا نجوم فيه ، اشعر بالذعر لسبب ما ! لمحت جسداً ظهر من العدم بعيداً بعض المسافات عني ثم بدأ يقترب شيئاً فشيئاً " أمي ؟ " تقدمت نحوي واحتضنت جسدي بصمت
- انا لن أترككِ ابداً.
ابتسمت بقلة حيلة وربت على ظهرها ثم دفنت رأسي في كتفها احاول ترميم الحنان الذي فقدته " هل تعدين بذلك؟"
أومأت رأسها ثم نظرت لي بتمعن :- تعالي معي.
" إلى أين يا امي ؟ " أمسكت يدي تجذبني إلى طريقها وهي تضحك بخفة : - ليس بمكان بعيد .. هيا سيعجبك.
سرت معها ولا ادري اين نذهب وسط هذا الظلام فلا أرى شيء ! ظهر في طريقنا باباً أحمر حديدي
قالت بتشجيع وهي تسحبني : - هيا لندخل.
" لا أريد "
- لما ؟
" لا أعلم .. فقط لست مرتاحة لهذا المكان.
لوحت يديها بالنفي وهي تقول :- كفاكِ هراءاً لا شيء يدعوا للقلق.
" لا أريد " اكملت الرفض بإصرار لأجد ابتسامتها قد اختفت ثم نطقت بهدوء مرعب :- فلتدخلي إيليا.
لما ينتابني شعور غريب ؟ تراجعت بخطواتي بحذر وانا اتمتم " ماذا يوجد هناك ؟ " تمزق فمها لتصرخ بي بصوتٍ ثخين وبشكلٍ مرعب جوفها اسود ومقلتيها اصبحتا فارغتين ، استدرت أركض بكل قوتي ولكن شيء مقزز كالأمعاء قد التف حولي يمنعني عن الحركة ويبدأ بإعتصاري ، ما هذا الشيء ؟! إنها ليست امي حتماً
- ألن تدخلي ؟
جاءني ذاك الصوت الثخين من خلفي ، قاومت بكل قوتي ولكن كان ذاك المخلوق غير رحيم ليشتد بقوة ضغطه ، أجزم بأن عظامي تم هرسها " دعني " صرخت به وسط الألم وبعدها أصبحت الامور تتخبط ببعضها ، اصوات غير معروفة وجوه تظهر وتختفي وذكريات مفقودة !
لمحت وجه روح انجيلا من بين تلك الوجوه التي تمر برأسي ، هل تحاول التواصل معي ؟ لما كل هذه الفوضى داخل رأسي !! صحوت بفزع التقط أنفاسي بصعوبة أزحت الغطاء عني وقد كان العرق يقطر من جبيني .. لا بأس لقد كان مجرد حلم مريب ؛ حاولت إقناع نفسي ونهضت لأسمع صوت ارتطام شيء ثقيل في الأرض ، انحنيت التقط الذي سقط عند نهوضي " أليس هذا منجل إيثان ؟ " ماذا يفعل هنا ! وجدت باب الشرفة مفتوحاً على مصراعيه والشمس لم تشرق بعد فالسماء كانت معتمة قليلاً ، توجهت ناحية الشرفة لأجد إيثان يجثو أرضاً وهو يلهث " هل انت بخير ؟ "
- لقد تضررت.
هرعت إليه بقلق اسند رأسه في حجري حتى أتيح لجسده الاسترخاء إن كنت استطيع التأثير عليه فيجب ان اهدأ اولاً ، كيف سأستطيع وذاك الحلم ما زال يسكنني " ماذا حدث ؟ " عقد حاجبيه بضيق وقد أغمض عينيه لا بد من ان شيئاً يؤلمه ! تمتم بصعوبة :- لقد تهجَّم عليكِ كيان شيطاني كان من الصعب ردعه.
اعلم بأن كلامه لن يتغير ! إنه دوماً مختصر ولكنه يوضح شيئاً ما وهو ان ذاك الكيان كان يسيطر على حلمي ولولا ردع إيثان له لما استيقظت الان ، الألم الذي كنت اشعر به في حلمي .. إنه يغزو روحه الآن .
وضعت يدي على جبينه وأخذت نفساً عميقاً انا حقاً ممتنة لوجودك معي إيثان ، انت الشيء الجميل الذي حصلت عليه من كل تلك الفوضى وهروبي للريف ؛ شعرت بالطاقة تتدفق مِن يدي ثم جسد إيثان يهدأ ويعادل تنفسه
فتحت عيني لأجده ينظر لي بهدوء " هل اختفى ألمك ؟"
- أجل ، هذا شعوراً رائع .. ما كان ذلك ؟
ابتسمت له " إنه الإمتنان يا إيثان " شرد في جملتي ليكرر كلمة - إمتنان ! - بإستغراب لربما المشاعر شيئاً جديداً على الروح فكما ذاكرة الروح تختلف عن ذاكرة الجسد فحتى المشاعر كذلك ربما يكون لها طعماً آخر ، ساعدته في النهوض ليصل إلى سريري " فلترتاح لبعض الوقت " جلست على الأريكة الذهبية بملل ، أشعلت التلفاز ثم طلبت بعض القهوة عبر هاتف الغرفة لنتدلل قليلاً ؛ استقبلت القهوة ثم عدت لمكاني أحاول البحث عن برنامج ترفيهي يستطيع إخراجي من مزاجي السوداوية الآن ؛ فعلياً انا اشعر بالوحدة والكآبة .. مازال هناك بعض الظلام على قلبي تنهدت وانا اشعر بالسكون الكئيب ، سمعت صوت طرق الباب .. ماذا ! لقد أخذت القهوة من النادل وانتهيت منها ! من قد يكون الطارق ؟
فتحت الباب لأجد السيد جوزيف يقف بجسده البدين يغطي مساحة النظر كلها " صباح الخير " قال بابتسامة بشوشة تظهر رغم شاربه الكثيف الذي لا يختلف عن لحيته ، إنه حقاً من عمر والدي كيف يفكر بخطبة فتاة بينهما جيل كامل ! تذكرت كلامه امس وانه متقبلاً لحالة رؤيتي وما يدعونها هم بالهلوسة - ما المصلحة التي يخبئها - لاحظت بأني اطلت النظر بِه بتفكير لا ينقصني بأن يظن اني ملهمة به ولاحظت ايضاً نظراته المتأملة لزي الباندا الذي أرتديه - اللعنة كيف نسيت نفسي به !- " لطيفٌ جداً " ياله من متملق " ماذا هناك سيد جوزيف ؟ " ضم كفيه لبعضهما وأخذ يتكلم ما جاء من أجله بطريقة لطيفة " لقد كنت أفكر بأن نحظى بمحادثة ودية معاً "
محادثة ودية - بيني انا وانت - ما بال عقل هذا الرجل ؟ سأكون مجنونة إن جاريته في احاديثه الودية - ما اللعنة التي وضعوني بها أهلي - قال المياه تعود إلى مجاريها قال لقد تحول الامر إلى صرفٍ صحي انا حقاً اشعر بالسخط " ربما نحظى بها في وقتٍ آخر ، اعذرني انا مشغولة "
" لما ، ماذا كنتِ تفعلين ؟ "
تنفست بروية هيا بهدوء إيليا حاولي ان تكوني لطيفة
" أفكر في كيف سأنفذ نفسي من لعنة المشاكل " أومأت رأسي بتحية ثم عدت لغرفتي مغلقة الباب خلفي قبل ان اسمع اي جملة أخرى منه - يا للإزعاج - لم أكن هكذا مع البشر لا ادري ما قصتي هذه الايام أصبح عدائية ، نظرت إلى إيثان النائم لم أسأله عما حدث معه برحلة البحث ولكن على ما يبدو انه عاد خالي الوفاض وإلا لكان اخبرني فورماً بحماس او ربما لعاد إلى الفندق بجسده ، مرت عدة ساعات ليرن منذراً عن مكالمة واردة
أوه إنه فيرسوس " اهلاً صديقي الشرير " قلت مازحة ليأتيني صوته المستمتع رغم انه يحاول تأنيبي
" لقد علمت بأنكِ عدتِ للمدينة ، هل أستطيع رؤيتك ؟ "
" أجل لنتحدث .. في مطعم فندق الملك  .. أنتظرك "
انهيت المكالمة لأنهض وأغير ثيابي لقميص أصفر اللون وبنطال أسود ، لملمت شعري بعقدة وتركت بعض الخصلات الحرة من الأمام بالطبع لن أتزين كالأمس ولم أعد أبالي كيف سيروني اهلي ، المهم شيئاً مريحاً وسهل الحركة به ... خرجت من غرفتي لأصطدم بجوزيف الذي كان على وشك اقتحام الباب بالطرق
" هل ما زلت واقفاً هنا ؟ "
ضحكت بخفة ليقول " لا بالطبع لا " مسد على لحيته يكمل بلطف " جئت لأخبركِ بأن نلحق بوالداكِ لقد سبقونا للمتحف الوطني " خطة ذكية منهم ان يذهبوا قبل ان يخبروني حتى ويطلبوا من جوزيف ان يبقى ليحضرني معه ، كم أخذوا من الوقت يفكروني لأني سأفشل خطتهم في ثانية " لدي موعد مع صديقي وهو ينتظرني في الأسفل ، بالتوفيق " قلت ما عندي بابتسامة واسعة وما كدت ابتعد حتى أردف بهدوء " هل حقاً لم تشتاقِ لأجواء والداكِ ؟ أي فتاة اخرى بعيدة عن أبويها كانت ستلتصق بهما عند رؤيتهما " هل تحسب نفسك تعرف الوضع ؟ أخبرته دون ان أستدير " انت لا تعرف شيئاً فلا يمكنكـ "
قاطعني يقول بقوة " بل أعرف " التفت له بضجر تعرف ؟ بضع كلام من الناس اصبح يلخص حياتي وما أشعر بها ! معاناة سنين تُختصر في حديث ببضع دقائق !
" تعرف ما أخبروك به .. ذاك لا شيء " انهيت كلامي وابتعدت لا أريد مزيداً من الهراء وللمرة الثانية تركته صامتاً خلفي وغادرت فلا اعتقد بأنه سيعترض طريقي في المرة الثالث ، وصلت إلى المطعم وجلست على اقرب طاولة تطل للمدخل أنتظر ولم يتأخر كثيراً فها هو قد ظهر يبحث بعينيه عني حتى لوحت له بابتسامة حاولت وضعها ونسيان ما واجهني بداية هذا اليوم
جلس مقابلاً لي يتمتم بعتاب :- كيف تأتين كل هذه المسافة دون ان تخبريني كنت سأتي لإيصالكِ.
" لم أرغب في إتعابك .. لقد حصل كل شيء سريعاً
- إذاً هل مللتي من اجواء الريف و قررتي العودة للمدينة ؟
" صدقني لم أكن لأترك الريف لولا المشاكل التي لعبت برأسي وجعلتني آتي إلى هنا. "
- اية مشاكل ؟
" مشكلة عودة والداي للمدينة ورغبتهما في رؤيتي " تمتمت بسخرية ثم أكملت " والمشكلة الأكبر حل أمر الاندماج الروحي ذاك "
- اندماج ماذا !
" قصة طويلة ، لن أصدع لك رأسك بها "
تنهدت بيأس وتعب لو أَجِد شيئاً ما يخفف عني او لو استطيع التبرع بمشاكلي ، ابتسم هو محاولاً تغيير الاجواء : - لقد اشتقتُ لكِ ..
" ماذا ستطلب؟ إنه على حسابي بما اني من كنت انتظر "
- حسناً اعلم انكِ تبادليني نفس الشعور ولكني اشتقت لكِ اكثر.
لقد ظن بأني اغير الموضوع ولكني حقاً لا اعرف كيفية الرد على هذه الامور بالخجل يجعلني غبية احياناً كيف ذلك وانا لم أعتاد على ان يفتقد لي أحد " الأمر فقط هذا شيئاً جديداً علي او ربما لم يحدث منذ زمن "
ابتسم بخفة متفهماً وكاد ان يتكلم لكن ضرب أحدهم بكفه على الطاولة مقاطعاً ما كان سيقول وقد حشر رأسه عنوةً بيننا " كيف تطلبين الطعام من فندق لا يعجبكِ ؟ "
رفعت نظري عن كفه المسند على الطاولة عندما سمعت صوته الذي أميزه بين المئات وتعلقت عيناي عليه - تيم !
" انت من اين أتيت ! "
" هذا فندقي .. انت مالذي تفعله هنا ؟! "
حاول فيرسوس تجاهل تيم تماماً ونظر لي يقول " لما كان عليكِ اختيار هذا الفندق بالذات ! "
" لأني أقيم به حالياً ! " بررت له ببساطة وليتني لم أتكلم لأن تيم حول نظره الحاد وانحنى أكثر يهمس
- أخبرتني ان الفندق سيّء جداً ، لنذهب لمكتبي ونتكلم - ثم أكمل بنبرة واثقة - فأنا أرغب بالتحسين ليصل إلى الأفضل.
أومأت له بشرود وتشتت من أنفاسه القريبة وعيناه التي تركز على حدقتي لما أشعر بأني أتواجد معه للمرة الأولى ! رفع جسده مبتعداً عن الطاولة ولكنه بقي واقفاً يرمق فيرسوس بنظرات مستفزة وعلى ما أظن بأنه ينتظرني لأنهض معه وقد فعلت ذلك استأذنت من فيرسوس ولحقت تيم الذي بدا يخطو امامي بنصر ونرجسية لم ألحظها به من قبل ، أم ان السلطة غيرته ؟ في الحقيقة لم أكن أنظر لأي من اللوحات التي كان يشير إليها او إلى التماثيل التي يتحدث عنها ، كنت فقط انظر إلى ظهره العريض أمامي وانا أسير خلفه كالمنومة مغناطيسياً.. من يستطيع ملاحظة مكان تواجده وهو معك ! دخلنا الغرفة التي ذكرتني بالشوكولا فور دخولها فـ لون الخشب الذي صنع منه هذا المكتب كالشوكولا الذائبة بالإضافة إلى الأرائك الذهبية والستائر ترابية اللون ، هذا حقاً راقي !

أعمى البصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن