الفصل الثالث عشر
إشراق الشمس ؛ هذا ليس اليوم الأولى ولا الخامس ولا حتى العاشر لرؤية منظر امتداد نور السماء على منازل القرية والتخلل بين اغصان الشجر الناضج والمعتم حتى يرتفع إلى التلة الصغيرة
أغمضت عيناها بهدوء لعلها تشعر بنقاء عبور النور من خلالها !
تجلس على المقعد العتيق قرب الشجرة المعمرة ؛ وقربها قدح من القهوة قد انتهى ولكن بخاره الدافئ ما زال يسبح داخل جوفه ..
لقد مضى شهر كامل على آخر مرة خاطبته بها .. وعلى اخر مرة تشاجرت معه او شردت بمواصفاته المتناقضة !
أصبحت تمتلك هالات سوداء تحت عينيها للأرق والسهر الطويل او على الأقل صعوبة النوم في كوخها الصغير
كانت أول جملة نطقتها بارتياح حينما أقامت في هذا المكان " يا لها من راحة ! "
اقترب طيف كلبٍ متوسط الحجم ليجلس بجوارها ، فورما لاحظت وجوده مَسحت على رأسه برضى ، كان أول شخصٍ يرحب بها ؛ حينما رأته أول مرة ظنته ذئباً لشبهه الكبير بالذئاب ولكن اتضح فيما بعد بأنه روح كلب متعلق بهذا الكوخ ، لقد توفي صاحب الكوخ وغادرت روحه إلى العالم الآخر ولكن سارلوس بقي هنا في حياته وفي مماته لأنه لا يستطيع التخلي عن حراسة هذا المكان ..
يحاول تقبل ان يكون حارساً لـ إيليا ويجاهد لأن يكون مستشعراً لكل طيف قد يقترب من قمة التل !انتفضت تستعد للذهاب إلى عملها بعد ان شهدت مرور شروق الشمس عليها ؛ بما انها خارج المدينة كان عليها ان تبدأ بخطى جيدة ان تكون شخصاً قوياً يُعتمد عليه وأن لا تذعر لأي روح تخطو قربها
وهذا مكنها من الحصول على عمل - في مخبز صغير -
رائحة البسكويت المتنوع بشتى النكهات جعلها تبتعد كثيراً عن وحدتها ، على الأقل في ساعات عملها
لمحت ساعي البريد الذي يحمل معه بعض الصحف والاخبار من المدينة
دخل المخبز يلقي التحية لتتلقى منه صحيفة الاسبوع فوراً ككل يوم ، فكل الاخبار تصل متأخرة بعد اسبوع او اثنين*•
إيليا
بما انني بعيدة عن عالمي أصبحت أتعلق بما تكتبه الصحف حتى لا أشعر بالغربة عما يجري في المدينة ، أعني ان تكون ترعرعت في مكان ما منذ طفولتك ثم تغادر فجأةً لمكان اخر مختلف بتاتاً لهو أمر صعب.
كدت ان اقرأها ولكن تكافت الزبائن إلى المخبز مما جعلني انشغل وأخفي الصحيفة داخل حقيبتي ..
انتهى هذا اليوم كأي يوم آخر لم يكن فيه شيءٌ مميز إلى الان ، تسألوني عن الأرواح ؟ حسناً بما ان القرية صغيرة وحوادثها نادرة فلا ارى الكثير منهم ، ليست صاخبة كما اجواء المدينة الفوضوية وحتى نظامهم مختلف فـ هنا لا وقت محدد لدوامهم كما ان أي شخص بإمكانه عرض بضاعته على الطريق كـ متجر دون جدران وأسقف ، هنا لن يتدخل أحد به فكل شيء بسيط وهادئ ، على ذكر الدوام وضعت المئزر جانباً وأخبرت صاحب العمل بأني انتهيت واتجهز للمغادرة
هنا على الجميع العودة لمنازلهم قبل غروب الشمس
خرجت لأتلقى تحية من كل شخص يمر في الطريق ،لم أكن أتلقى هكذا شعور جميل من قبل كالإختلاط بالناس أو ربما كنت اجتماعية جداً قبل الحادث لا أتذكر !
شيءٌ ما جاء من خلفي ومر بجانبي سريعاً خاطفاً الحقيبة من يدي ، صبي صغير ! " لحظة توقف " صحت به ولكنه أكمل طريقه محاولاً الهروب ، إن بقيت واقفة مكاني انده به سأفقد أثره لذا تبعته ركضاً ، ظننت بأنه يحاول تشتيت نظري لأنه قد انحاز نحو البساتين فتبعته دون تفكير ولكن عندما خرجت من الطرف الاخر خلفه ادركت بأن ظني كان خاطئاً عندما رأيت منزلاً خشبياً على بعد مسافة قصيرة وانتهى بذاك الصغير بالولوج داخل المنزل " ذلك الصغير ماذا يحاول ان يفعل "
تأففت بضجر وانا أحوم حول نفسي مترددة في الدخول
المكان كئيب نوعاً ما خاصةً مع الضوء الخفيف للسماء قبل الغروب ، ويحيط بهذا المنزل أرض قاحلة لا نبات بعده بينما البستان أمامه ، الرياح ايضاً قد اضافت تأثيرها
- ألم تدركي ان هدفه ليس الحقيبة ؟
قفزت عشرة أمتار بذعر من الصوت المفاجئ الذي داهم الصمت ، التفت لأرى روح شاب متكئ على عصا المنجل المغروز في التراب بملامح مشبعة بالملل
" لا تحاول تشتيت تركيزي انا سأقوم بتأديبه حتماً "
أجبته مندمجة بمزاجي الضجر ، هل أحسب نفسي أكلم بشرياً عادياً ؟ ما ردة الفعل التلقائية هذه يبدو بأني قد اعتدت على هذا الوضع ، نظرت بطرف عيني نحوه بتردد وهو يقف خلفي بنفس وضعيته السابقة همست له بتردد " لا بأس بدخولي صحيح ؟ "
استقام في وقوفه وسحب المنجل من التراب رافعاً إياه على كفته ثم اجاب بعيون ناعسة :
- لستُ حارساً هنا ، أبحث عن تسلية ليس أكثر.
تسلية ! هه ما الأمر المسلي في هذا المكان ؛يبدو ان خيالي قد انجرف بعيداً لذا ليس علي التوقع من الارواح شيء ذو أهمية ، تقدمت بخطواتي لكن ما زال نظره يتبعني وهو واقفٌ في مكانه ؛ وصلت إلى الباب وطرقته بخفة أحسب نفسي قد اشتكي لأهل الفتى الصغير وأستلم حقيبتي وأرحل ولكن فُتح الباب قليلاً وبقي على حاله لدقائق ، هل علي دفعه والدخول لقد فتحوا لي الباب بالفعل ! دفعته بخفة وأطليت برأسي متفحصة العتمة الخفيفة للمنزل يقابل نظري سلالم خشبية مهترءة وعلى اليمين غرفة وعلى اليسار ايضاً غرفة
" مرحباً ، هل من أحد استطيع التكلم معه ؟ "
ناديت بصوت عالي نسبياً اثناء دخولي بحيث إن كان احد داخل الغرف او في الطابق العلوي سينتبه لصوتي ويأتي
انتظرت قليلاً دون ان اجد إجابة او حتى ظل ذلك الصغير ، نظرت إلى يسار حيث المطبخ والغرفة التي في اليمين تبدو أشبه بغرف الجلوس او للضيوف حيث الأرائك القديمة متجمعة حول الطاولة ولكن الغبار يملأ كل قطعة هنا ، خشيت ان أجلس على أحد الأرائك فينطبع الغبار على ثيابي ولكن لقد انتهى الأمر بي بالجلوس وانا انتظر ان ينتهي صوت الخطوات القادم من السلالم
أرجعت رأسي إلى الوراء لأتمكن من رؤية ذلك الصغير يوجه الحقيبة نحوي وملامح بائسة تغزو وجهه ونظره موجه نحو الأسفل ، حسناً يبدو أني أشعر بالشفقة قد أكون أخفته وأنا ألحق به او يكون قد خاف من ان يوبخه والديه " لا بأس اقترب "
ابتسمت وأشرت له بأن يتقدم نحوي وقد فعل ذلك دون النظر إلي وتقدم يمد الحقيبة لي ، أمسكت الحقيبة منه لألحظ يديه تميل للشفافية وجسده شديد البياض ! رمشت بعيناي بصدمة لألحظ الفجوة التي في صدره وملابسه متسخة من الدماء " انت لست حي ! "
حرك رأسه بالنفي ورفع نظره نحو عيناي وفي تلك الشرارة التي امتلكت جسدي وجدت نفسي ادخل في دوامة مشاهدة مقتل هذا الصغير وما حدث له.
أنت تقرأ
أعمى البصيرة
Fantasiحينما يهرب القلب ضعفاً وخوفاً من المصائب والاستغلال ؛ يصطدم بالحب ! الذي فتح ذراعيه ملجأً له يحميه من أي كائن قد يؤذيه. هكذا كان السحر الذي جمع بين إيليا الفتاة المسكينة الملقبة بين الناس بـ " المجنونة" و القاتل المأجور تيم الملقب بـ " رجل القواني...