المشاكسة الثانية

338 18 2
                                    

يتفرس شفتيها المزمومة ، وجهها العابس .. لا يعلم سببا لمقابلتها له وهي بهذا الشكل منذ عودته.
نام الصغار .. بدلا من تزينها له ، تقبحت له بهذا الوجه الدميم .
" ماسبب عبوسكِ ! "
" ابنك "
" هل أساء لاحدهم في المدرسة "
واجهته بنظراتها كالسياط
" أتاني بقلم يضعه بفمه ، يمج أنفاسه وكأنها سيجارة "
تنحنح وكأنها صعقته ، ينتظرها تردف
" أخبرني ( هكذا يلعب اصدقائي ) فقلت ( هذا فعل سئ ) سألني ( ولماذا يقوم ابي بفعل سئ ) قلت ( ادعو له ، هداه الله ) "
عقد حاجبيه ليقول بأسف
" أعلم أنها عادة سيئة لكن ليس لي سبيل بالخلاص منها "
" وما شأني أنا وولدي ، من اليوم ، لا اريده يراك وانت تشربها "
" وماذا ستفعلين مع أصدقائه ، ستذهبين لهم كلا علي حده لتقنعيه بسوء فعله "
قامت مغتاظة من كلماته ، أمسكها ..
" دعي الأمر لي ، سأتحدث اليه "
********
ليست  هذه طلباته ، ولا أفعاله ، كما اعتادت كل لقاء ، تبدل الحال فأصبح يتطرق الي أشياء مختلفة في حياتهم الخاصة ، وهي لم تمانع أبدا طالما في اطار الحلال ..
" ارتدي هذا "
" اتركي اظافرك قليلا ، احب طولهم "
" ضعي هذا اللون علي شفتيكِ "
" لقد مللت ، ما رأيكِ في التغيير "
ظلت تغير وتبدل كما أراد ، لتسعد به ويسعد بها .
لكن ما أثار حنقها و أسئلتها ، ظهور أساليب جديدة ليستمتع بها لكنها مقززة من منظورها .
كانت تسل
" ما الذي بدل حاله ، بعد أن كان يرضي بأي شئ ، الآن يتطلع لكل ما هو جديد وغريب .
ممددا جوارها ، تمرراظافرها التي تخطت منابتها بقليل بين شعيرات ذقنه ، تلدغها خشونتها مسببة لها تيارا داعب أنوثتها .
قالت بنبرة رقيقة
" هل تشاهد أفلام إباحية ! "
خفقات قلبه حيث يديها أخبرتها بنظير شؤم سيحط علي جلستهم الناعمة .
لم تحظ بإجابة فكررت سؤالها عليه ، سكنت لتستمع لرده الذي وصل اليها بإرتباك
" لمَ السؤال ! "
" تبدل الحال "
"لا "
" هل تتشارك وأصدقائك الثرثرة بخصوص العلاقة الحميمية "
هب من نومته ، وابتدت غضبته
" هل جننتِ ! ماذا دهاكِ اليوم ! "
قامت لتعيده كما كان ، تتخذ من بطنه وسادة ، مع نمو هذا الكرش الصغير
" أنا زوجتك ، فارغة العقل كما تدعوني ، ألاحظ تغيرك معي ، لذلك فكرت في الامرين ، أردت سؤالك لانال جواب وليس الغضب "
شعرت برأسها تتحرك بعنف مع حركة بطنه الغاضبة بصياحه
"لقد تخطيت فراغة العقل الي الجنون ، أردت التغيير بما لا يغضب الله ، فتتهميني  بترهات ليس لها دليل .."
هدأ .. فهدأت .. فكان الهدوء الذي يسبق العاصفة ..
***********
تعلمت منذ صغرها تفاصيل الحاسوب ، فكان أن تسترد الملفات المحذوفة ، وتظهر الاشياء المخفية أمرا في غاية السهولة بالنسبة لها .
فتحت الحاسوب ، وقامت بأظهار ملفات مخفيه .. وكانت الصاعقة ..
اليوم عطلة ، هو والصغار ، لا مدرسة .. لا عمل .. اذا مرحبا بالمشاجرات ..
اجتمع ولدها وابنتها علي شاشة التلفاز يستمتعوا بفيلم عن طبيعة الحيوانات بألوانها .. مغامراتها .. ينتظرون القادم بشغف .
وبالخارج ..
دوما ما تسلك الطريق القصير .. لا تحب المرواوغة فقالت ..
" وجدت ملفات خفية علي الحاسوب "
تركه لقهوته مضطربا زاد من تسارع نبضاتها ، فهي علي وشك دك عنقه ..
" لم أفتح شيئا من المقاطع ، لكن صورتها توضح محتواها .. أريد الذهاب لأبي "
ثم قامت نحو غرفتها ..
شبه راكضا لحِقها ..
باكية .. طردته ..
نادما .. عانقها .. وبقوة دفعته ..
" لا ، لا ، أرجوك لاتبكي لاجلي ، أنا أحمق ، مخادع ، .... "
" أحمق ، وكاذب ، ألم تخش رؤية صغارك لها "
" لقد أخفيتها "
" هل تتحدي ذكائهم ! "
تحشرجت انفاسه بقولها
" واجهتك و انكرت ، هل تعلم مدي فحش فعلتك "
حاوطها بكفيه هامسا
" أعلم .. أعدك .. لن أشاهدها مجددا "
" لا أثق بك "
" أرجوكِ .. لقد مللت ورغبت التغيير ، نصحني صديق بها ، يشاهدها هو وزوجته "
شهقت ، اتسعت عيناها ، حركت رأسها صدمة مما سمعت
" كان هذا ما ينقصني ، أن أشاهد معك ، بل واطبق ما اشاهده "
" لم أجرؤ علي طلب ذلك منكِ ! "
" والآن بعد ما علمت ، هل تجرؤ "
نظر أرضا بخزي ، يكره أن تضع اصبعه تحت ضروسها ، لقد وقع هذه المرة وبقوة ، ولن تتوان عن زجره
" لو كنت جاهلا لعذرتك ، لكنك تعلم ، عورات رجال ونساء تشاهدها مستبيحا ناظريك ، مأججا شهوتك بما حرم الله ، تبا لك "
زاد شعوره بجرمه فقالت
" أريد الذهاب لأبي "
" لن تفعلي "
" بل سأفعل ، وحالما يقلع بصرك وقلبك عن هذه الخبائث لن أتردد في العودة " ..
*********
محي المقاطع من حاسوبه ، من هاتفه ، ووضع صديقه ذاك علي قائمة التجاهل ، لقد عمت البلايا فوق رأسه منذ أول يوم شاهد فيه تلك الخبائث .
كان يستمتع بزوجته نعم ، لكن بقي سوادا بقلبه يلازمه لباقي ايامه ولياليه ، يصاحبه بلا ملل .
يهاتفها يوميا ليطمئن علي صغاره ..
يقدر كتمانها فلم تخبر والدها بشئ ..
لكنه اشتاقها ..
عنادها ، رأسها اليابس .. عقلها الفارغ .
وهل خلق العقل ورجاحته الا لها .. !
وهل خلق الذكاء الا ليملأ أرجائها ..!
هي أرضه ، هلاكه ، ونجاته .. !
هي الحلم .. الذي يحيا به ولأجله ..!
********
تبحث في مواقع التواصل الاجتماعي علي مقالات علمية عن العلاقة الحميمية .. لن تتركه وحده ليعالج الخلل ، بل ستسانده وتتشارك معه كل شئ .
رغم غضبها منه الا أنها تحبه .
حانقة عليه ، وتشتاقه .
وهل خلق الحب الا له .. !
لم تبتعد عنه منذ تزوجا ، لم تفارقه مع مشاكساتهم التي تحدث كشربة ماء متكررة في يومهم .
تعلمت ، درست ، فهمت ، حددت الخلل .. وجاري الحل .
طالما يستمتع بها بالحلال فلم الغضب ؟
لتختار ما يسعدها ، وما تتقزز منه ، ويتوصلا لحل .
تستمع لنبرة صوته الخشنة يتحدث الي الصغار ، متعللا باعطاء " ماما " اجازة من طلباته ، وسيأتي في القريب ليصطحبهم .
*********
مر اسبوع ..
استبد به الشوق ..
يقتله الحنين اليها ..
يرغب في لمسة لكفها وعناقا يبرد لهيب شوقه
"مرحبا عمي "
" هل أتيت أخيرا ، يحق لك أخذ أجازة من هذه المخبولة وصغارها ، لقد جن عقلي من صوتها وهي تصرخ بهم للمذاكرة "
" كي تعذرني ! "
" عذرتك "
أمسك أذنيه في عتاب ، غامزا بعينه
" لا تغضبها مجددا "
وصله تأنيب حماه ، يعلم بسرية الأمر ، زوجته لا تثرثر ، ذات عقل يسع الكون بأسره .
فور سماعها صوته ، وخروج الصغار اليه ، بدلت ثيابها .. وحزمت حقائبها ، هكذا بسرعة ، وبدون حديث ..
خرجت اليه فوقف ، أقترب منها يحمل عنها ، ضمها اليه ببطئ معذب لحواسه ..أمسك بكفها  ليغادر..
صوتان متحدان في عبارة واحده كالصراخ
" ونحن ! "
إنهم صغاره ، اللعنة ..
استدار اليهم مشيرا لما يحمل بيد ، والاخري متشابكة بأصابعها
" كيف ؟ هلي لي يد ثالثة ، سأعود اليكم ليلا لأصطحبكم "
تذمر الاطفال والجد ، فلم يترك لهم فرصة مغادرا بصحبتها ..
******
" لا احب ... "
" إذا فلنبدلها ب ..."
"امم .. لا احب تلك .."
" فلنمتنع عنها اذا .. "
" أحب هذه .. "
همس بصوت معذب
" فلنستزيد منها ..."
وبين الاقلاع والاستزادة وصلا لنقطة لقاء ، تسعدهم ، وتجدد حياتهم ..
حان الآن عودة الصغار ...
***********
تكدست الكتب أمامها ، تجلس لتقوم بعمل واجبات ابنتها التي غطت في نومها ، واجبات تكدست علي مدار ايام اجازتها ومكوثها لدي جدها .
" أكتب أنت الدين ، وأنا سأكمل اللغة العربية "
" لا أريد .."
" حبيبي .. الواجبات كثيرة ، لن أُثقل عليك ، هذه السورة مرة واحدة فقط "
امتثل لطلبها متأففا ، فهي ستكتب دروس العربي أربع مرات .
انهي ايتين وشعر بالملل تاركا اياها
" هذا ما تعلمته عن المشاركة يا رجل "
" أنا لا اتشارك الا شيئا واحدا "
" أعرف ما هو ايها الفحل "
عاد اليها بكوب حليب ، تنظر اليه بامتعاض ..
" لقد تحدثت الي صغيرك بشأن السجائر "
تركت القلم
" ووعدته بالاقلاع عنها "
ابتسمت .. فخلبت لبه ..
" اتركي واجب العربي ، سأقوم به .. "
تجرع كوب الحليب مرة واحدة .. غامزا بعينيه ..
فهمت مغزي غمزته ...
وبالعناق بادلته ..........
لتكافئه علي تغيره ، ربما بحكمتها ، أو ثورتها ...
تقبل مكافئته بعاطفتها ، وذكائها .
لطالما سحرته تلك المبتكرة ..
**********
ليلا ، في الفراش .. حيث النعاس
" ما أخبار ابداعاتك "
" سلسلة حلقات زوجية "
" ماذا تطرحين "
" مشكلات زوجية وحلول "
تقلبت تواجهه
" ومن الابطال "
" نحن ، حلم ومالك ، مشكلتنا الآن علي صفحات الفيس بوك "
" والعلاج "
" كما فعلنا "
" ليس كل الزوجات حلم .. "
" وليسوا جميعهم مالك .. لقد القيت الدلو في البئر ، وكلا يدلو بدلوه "
ابتسم يجذبها لصدره
" أخبريني من وصفكِ بفارغة العقل "
" أحدهم أحمق ! "

مشاكسات كاتبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن