المشاكسة الخامسة

271 16 0
                                    

ليتها لم تهتم به .. أو بتفاصيل أموره بدقة ، ليتها ما أعدت ملابسه ، ولا طعامه ، ولا درجة المياه لاستحمامه ، أو درّست لاطفالهم ، أو أستمعت له وقت ضيقه وتحملت رعونة تصرفاته.
ليتها .. فقط جواره !
سقط علي فراشه يمسد رأسه ضاغطا علي اسنانه بقوة ، زوجته مسجونة ، تحاوطها أربعة جدران ، تشعر بالمهانة بين نساء خارجات عن القانون ، قُبض عليهن لجرائم متفاوتة ، زوجته هو يتم التحقيق معها ، وهي مثال للأمانة والأمان .
" آااه يا حلم ، ليتكِ ما عملتِ ، ولا خرجتِ من بيتكِ ، أين كان عقلي حين وافقتكِ علي خروجكِ للعمل "
تنهيدة أخذت ما تبقي من أنفاسه ليخرجها بقوة كالنار التي فقط .. تُحرق .
يلفه الصمت ، عيناه تمشط الغرفة التي جمعتهم خمسة عشر عاما .
في تلك الزاوية قبّلها ، وهناك حملها كما الاطفال هائما بها عشقاً ، وهنا .. علي فراشة ، تحملت هجره وقساوته وغضبه وحبه .
أغمض عينيه متألما من فقد فرض قصرا عليهم ، وتنهيداته الموجعة تتابع مع كل ذكري وكل حلم وكل .. أمل .

************

تلامست ايديهم بشغف ، حمم ملتهبة بعينيه عندما أقتربت بصحبة شرطيين ، منهكة الوجه والجسد ، لازالت التحقيقات جارية ، والقضية شائكة.
لحظات تشابكت أعينهم ، لامس يداها بوهج الشوق العاجز ، لأول مرة منذ تزوجها غير قادر علي عناقها وبثها الاطمئنان .
هي لحظة بل ثوانٍ مرت من أمامه لغرفة التحقيق ، رفع حاجبيه بألم ، يومئ برأسه بأن إطمئني .. ومضت .
تحدث الي المحامي فكان قوله
" أثق ببرائتها لكن موقفها حساس ، هي من قامت بعمل دعاية للمستثمر ، هي من استلمت منهم ثمن العقارات ، هي من تعاملت معهم مباشرة وليس هو ، إمنحني بعض الوقت "
حك ذقنه بعصبية ، يقول من بين أسنانه
" زوجتي تنام بين العاهرات و صغاري عالمهم توقف بضغطة زر ، أبيها بالمشفي من صدمته وتطالبني بالوقت ، لا وقت ، لا عقل ، أريد زوجتي حرة "
وكأن المحامي هو السبب فيما يحدث مع زوجته ليصب جل غضبه فوق رأسه.
بعد قليل
التحمت عينيها الدامعة بعينيه المتسائلة ، تخرج من غرفة التحقيق ، لن يمنع نفسه من حضن يطمئن به نفسه بقربها ، استأذن الشرطيين لحظات.
قربها منه في عناق دافئ أزال عنها برودة حبسها ، تنعم بدفئ ملابسه وعطره ، تشتم رائحة منزلها وصغارها بصدره، همس
" اطمئني حلم ، أنا جواركِ حبيبتي ، تجلدي ، تذكري حبي لكِ دوما ، تذكري لحظات عشقنا ، أبدا لن أترككِ ، لقد مررنا بالكثير ، ألم تكن تلك كلماتك دوماً  ، أرواحنا ستظل علي العهد ، ستعودين لي قريباً ، ثقي بذلك "
يحاوط وجهها بكفيه لتُحفر ملامحها الخائفة بذهنه ، لن ينسَ نظرتها أبدا ما بقي له من عمر ، تتوسله ، تعتذر له ، تتمني عفواً يُسقط وزرها عنها.
منهكة ، متعبة ، هزيلة ، تري ، ما الذي يحدث بداخل ذاك المحبس اللعين بعيدا عن أعينه !
سيعاني معها عندما تخرج حتي تستعيد نفسها ، وهو أيضاً !
فلتخرج أولا وسيحطم كل الحواجز والأفكار التي قد تبعدها عنه .

***********

ضحكات سافرة حولها تزعزع أمانها الذي استلبته منه منذ قليل وعزز دفاعاتها ، لقد تربت علي أفكاره ومبادئه التي اتفقت مع حيائها وعفتها دوما ، ومع أول مرور لها من بوابة شرّعها لها ومضت وحيدة لعمل تحملت ثِقله وحدها مدعية القوة والاعتماد علي النفس حتي تعرقلت وسقطت .
أغمضت عيناها تعزل نفسها عمن حولها ، تعود لذكرياتها السعيدة .
زوجها وحفل نجاح ابنتهم ، ابتسامته التي لم تفارقه فخرا بها .
نزهة فارقة في مجلدات مخاوفها حالما لعبت ألعاب الرعب بصحبته مطمئنا لها .
مرض صغيرها بعدوي ألزمته المنزل طويلا فجمعتهم كحبات اللؤلؤ في سوار محكم لا فكاك لحبة عن مثيلاتها .
دمعة علقت بطرف رموشها ، لكم تحن لتلك الأيام .. صقيع قدميها وتهافت صغارها لتدفئتها ، كاسات الكاكاو الساخنة المحلاة كما يعشقونها .. أصابع مالك المدثرة لكفها وهم يشاهدون التلفاز .
لقد إشتاقت كل شئ ... كل شئ .

مشاكسات كاتبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن