كانت كبرياء دولة الروم على الإسلام قد جعلتها تأبى عليه حق الحياة، وحملها ذلك على أن تقتل من أتباعها من يدخل فيه، كما فعلت بفروة بن عمرو الجذامي الذي كان واليا على معان من قبل الروم، فقد غضبوا عليه وسجنوه، ثم حكموا عليه بالقتل فأعدموه، ثم صلبوه وتركوه مصلوبا ليرهب غيره أن يسلك مسلكه. ونظرا إلى هذه الجراءة والغطرسة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز جيشا كبيرا في صفر سنة 11 هـ، وأمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، يبغي بذلك إرهاب الروم، وإعادة الثقة إلى قلوب العرب الضاربين على الحدود، حتى لا يحسبن أحد أن بطش الكنيسة لا معقب له، وأن الدخول في الإسلام يجر على أصحابه الهلاك فحسب. وتكلم الناس في قائد الجيش لحداثة سنه، واستبطأوا في بعثه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان خليقا للإمارة (أي جديرا) وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا من أحب الناس إلى بعده. وأطاع الناس أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذوا يلتفون حول أسامة، وينتظمون في جيشه، حتى خرجوا ونزلوا الجرف، على فرسخ من المدينة (الفرسخ ثلاثة أميال تقريبا) إلا أن الأخبار المقلقة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرهتهم على التريث، حتى يعرفوا ما يقضي الله به، وقد قضى الله أن يكون هذا أول بعث في خلافة أبي بكر الصديق.