خواطر منوعة ~🎵

تمرّدٌ بريء ~

في دُنيا تملؤها الألوان، الضحكاتُ والآمال، كنتُ أنا حبيسَ غُرفةٍ بيضاء، لا رُوحَ فيها ولا جمال..

تقولُ أمي أنّ الغيوم غطّت غرفتي لحُبِّها الشديدُ بالتواجدِ حولي وزرعِ النقاء في قلبِي، حاولت أن أزرع نقاءً  وبياضًا لكنّي مللتُ الأبيض وكرهته بشدة!

حتى ممرّضاتي تمنّيت مِنهُنَّ ارتداءَ ألوانيَ المفضّلة لكنّهنّ أصررن على ذلك الّلون القبيح!،

وقالت أمي مرًّة أيضًا أن الشَّعْرَ غادرني لأنّني جميلٌ كفايًة دونه، اقنعتني نوعًا ما.. ولكنّها لم تستطع تفسيرَ عشقِ الآلامِ لمَعِدَتِي، آهاتيَ اللّيليّةُ واستغاثاتي، كلماتيَ المقطّعةُ وذاكرتي الضّعيفة، حتّى عِندما سألتُها مرّة عن عدمِ قدرتي على المشيِ اكتفت بدموعِها كجوابٍ يوحي أن لا اسأل هذا السؤالَ ثانيةً.

في مناماتي رأيتُني أقفزُ وألعب، المسُ البحرَ والسماء، أُقبِّلُ الأرضَ و الفضاء، أُحلِّقُ بعيدًا حتّى أُشبِعُ نظري ممّا تحتويهِ هذه الدُّنيا الزّاهية، أعوِّض أيامًا قتلت شغفي وأحلامي، احتلّت ماضيَّ ومستقبلي..

حتى مزماريَ الذي كان يُواسيني كلّ يومٍ لم أعد أستطيعُ النّفخَ فيهِ بعدَ الآن..

متعبٌ أنا كمن يحمِلُ أطنانَ الجِبال، متمسّكٌ بالدُّنيا كالذي أوشكَ أن يقعَ في البئرِ لولا قوى أصابعه الصغيرة..

كثير ماكلّموني عن نعيمِ الجنّةِ حتى أصبحتُ أُفكِّر بجدّيّةٍ فيها...

مساحاتٌ خضراءُ واسعة، طلبات مُنفَّذة، آمالٌ محقَّقة، والكثيرُ مِن الملذّات الّتي لم يحالفنيَ الحظُّ بالاستمتاعِ بها في الدّنيا..

"سأُحِبُّ الموتَ من أجلِ الجنّة"، عندما أقنعتُ نفسي بهذه الفكرة، واتخذت الشجاعة والمقاومة طريقاً أسلكه حين يمتصّ المرض الخبيث بقايا روحي الهزيلة.. جاءني خبرٌ من الأطبّاء خاصّتي أنّ سرطاني الشرّير قد تركني وذهب!! رحل هكذا دون أن انتقم منه بما تسبب لي من تمزّقٍ ودمار!!

أهذا ماكُنتَ تريدهُ أيها المرضُ الّلعينُ ذو الأنياب؟!

لا أخفيكم سرًّا أنني سعِدتُ كثيرًا.. رغم أنني أحببت الانتقام منه، وأن يتجرع ما أذاقني من ألم.. لكني ومع تحفيز عائلتي وأصدقائي، رأيت الجانب المشرق..

واخترت ملابس بيضاءَ مجدّداً لأنها تذكّرني بحربٍ انتصرتُ فيها بعد ألمٍ كبير، وسجدتُ لّله حامِدًا شاكِرًا فالجنّةُ جميلةٌ لكنّ الحياةَ أيضاً تجرِبةٌ مُشوِّقةٌ لا تُفوّت..

#مذكرات_طفل