أُقْـحُــوَانٌ ..

269 45 25
                                    


كُنْتُ أبْلُغُ مِن العُمرِ السَّادِسةَ عَشرَ ، أنا الفتاةَ الوحِيدةَ بينَ اخوتِي الذُّكور ، لطالمَا شعرْتُ بانتباذِهمْ لي - فقطْ لِأنَّني خالفْتُ المعهودَ وولِدْتُ أُنثىٰ ، ألا يعلمُونَ أنَّ اللّٰه وحدُه‍ُ الوَهَّاب ؟! - ..

كُنَّا نقطُنُ قرْيَةً رِيفِيَّةً صغيرةً بِلكادِ تلمحُهَا ، ولأنَّها كذلِكَ كانَتْ الأخبارُ تنتشِرُ فِيها بِسُرعةِ البرقِ - إنْ صحَّ التَّشبيهُ !! - ..

أنا كأيِّ فتاةٍ في القريَةِ ، لاتَكادُ تُنهِي المرحلةَ الإعدَادِيَّة ؛ حتَّىٰ تُحْرمَ مِن اكمالِ دراستِها ، ماعدا فتاةٌ واحدَةٌ ؛ هي استثناءٌ .. هِي ابنَةُ شيخُ قريتنَا .

سُبحانَ اللّٰهِ ! ، يخْتَلِفُ عنْ رِجالِ القريَةِ ؛ كيفَ لا ، وهو العلِيمُ بأمورِ دينِهِ وتعاليمِهِ ؟! .
يُنصِفُونَ الذُّكورَ علىٰ حِسابِنَا ، فقدْ محَقُوا حقَّنا فِي المِيراثِ ضاربينَ تعاليمَ دينهمْ عُرضَ الحائطِ ؟! .

ماكانَ شيخُ قريتنَا ليسْمَحَ بهَذا ، ولكِنَّهْمْ يُجبِرونَ النِّساءَ علىٰ التَّنازُلِ عنْ حقِّهِنَّ .
وكذا أمرُ الزَّواجِ ، فلمْ يكُنْ مُسمُوحًا لَهُنَّ بابداءِ رأيهُنَّ فيمَنْ يتقدَّمُ لهُنَّ ، ومَنْ تفعلْ هذا تُصفُ بِأَنَّها " جاحِدَةٌ للنِّعمةِ !! "

- وإنَّ الاسلامَ لَبرِيءٌ مِنهُمْ ؛ كَبراءةِ الذِّئبِ مِنْ دمِ يُوسُفَ !! -

لمْ نكُنْ نعرفُ أمرًا يُدعىٰ " الانترنت ، أو الشَّبكة العالمية .. " ، أصلًا كانتْ الهواتِفُ الجوَّالة حِكْرًا علىٰ الذُّكورِ دُونَ الإناثِ ..

كانَ أخي الكبيرُ - بِكْرُ أبَويَّ - مُتشَدِّدًا ، يمنعني مِن القِيام بالكثيرِ مِن الأمورِ بدريعَةِ أنَّني فتاة ، وأنَّني سأُلحِقُ - العَار - بهم إنْ فعلتُها ..

لمْ أخرُجْ من بيتِي مُذْ اليوم الآخيرِ من المدرسة ، تحديدًا عندما أنهيتُ المرحلةَ الإعدَادِيَّةَ ، لا يسمحُونَ لي وكما الفتياتُ من القريَةِ بزيارةِ أقاربهنَّ ، صدِيقاتِهنَّ .. أو أيَّ أحدٍ !! ..

السُّخريّةُ الحقِيقِيَةُ تكْمُنُ فِي أنَّ الدِّراسَةَ قدْ أُتِيحتْ لهُمْ - معشرَ الذُّكور - ، لاكِنْ لَمْ يُفلِحْ أحدٌ مِنهُمْ فِيهَا ..

فَمثلًا إخوَتي الثَّلاثَةَ ، أبي وفَّرَ لهُمْ جمِيعَ السُّبُلِ المُتاحَةِ لإكمالِ دراستِهمْ ، ولمْ يَحُدثْ أيًّا مِنْ هذا الأمرِ !! ..

أُمِّـي ، حالُهَا كحالِ أيِّ امرَأةٍ فِي قريتِنَا الشُّؤومِ ، لا تسْمَعُ ، لا تَرىٰ .. ولا تتكَلَّمُ أيضًا .
إنْ كانَ هذا هُو حالُ والدَتي ؛ فكيْفَ بِي ؟! - الحمْدُ للّٰه - ..

جُـمَـانٌ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن