فِي ذَاك اليَومِ تقدَّمَ « جِـهَـادٌ » لِخطْبَتي سَأَلنِي أبِي؛ أتَقْبَلِينهُ زَوجًا؟! .غَمرتْنِي فِطرَةُ الحَيَاءِ فَإكتَفيْتُ بِإماءَةٍ عَلامَةً علىٰ الرِّضَا والقَبُولِ .
ابتَسمَ أبِي بِلُطفٍ وقَالَ: لِمَ هُوَ بِالتَّحدِيدِ، وكَأنَّكِ تعرِفينَهُ مُنذُ زمنٍ؟! .
أَرْخَيْتُ رَأسِيَ خَجلًا، وتذَكَّرتُ الأيَّامَ الخَوالِي؛ فَيا لَيْتَكَ تَعلَمُ يا أبِي أنِّي مُنذُ رأيْتهُ أشارَ قَلبِي إلَيْه وكأنَّهُ التَقَىٰ بِه فِي عَالَمِ الأَرْواحِ مِنْ قَبلُ وَائْتُلِفتْ الرُّوحُ بِه كَأنَّهُ سَاكِنهُا .
رأيْتهُ يَا أبِي أوَّلَ مَرَّةٍ بِلحْيَتِه ومُصحَفَهُ الصَّغيرَ وهُوَ يَجُوبُ الطُّرقَاتِ بحْثًا عَنْ أحدِ المَساجُدِ؛ حِينَها جاهَدْتُ وغَضَضْتُ البَصرَ عَنْهَ ولكِنَّ القَلْبَ أبَىٰ إِلَّا أنْ يتْبعَ خَطَواتِهِ، فالرُّوحُ طَارتْ إِليْهِ كَعُصفُورٍ نَالَ حُرِّيَتهِ بَعْدَ حَبسٍ دَامَ أعْوامًا .
لَمْ أتَمالَكْ أمْريَ فاسْتقْصَيْتُ آثَرَهُ وعَلِمْتُ أنَّهُ يُصَلِّي فِي أحدِ المَساجَدِ إِمَامًا، فَأطَعْتُ نَفْسِي فَلمْ أُصلِّي بعْدَها إِلَّا فِي هذَا المَسجِدِ؛ وكُنْتُ أشْتَاقُ لِتلكَ الفُروضِ الجَهرِيَّةِ فِي لهْفةٍ حتَّىٰ أسْمَعَهُ وهْوَ يترَنَّمُ بِالقُرْآنِ وكَأنَّهُ أُوتِيَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ دَاوُدٍ .
اَتْبَعُ خَطوَاتهِ، أَنتَظِرُ الصَّلواتِ لِسمَاعِ صوْتهِ، أخْتَلِسُ النَّظرَ إليْهِ، أيْقَنْتُ انَّ الرُّوحَ ما عَادَتْ مُلكِي بَلْ مُلكَهُ؛ والقَلْبُ ما عَادَ ينْبِضُ إلَّا لَهُ، فَالرُّوح أُسِرتْ عِندَهُ .
سَمِعْتهُ مرَّةً يَقُول: « مَنْ تَركَ شَيئًا للّٰه، عَوَّضهُ الْمَولىٰ خيرًا! » .
قَالهَا ورَدَّدَها مرَّاتٍ ومرَّاتٍ وكَأنَّهُ يَعنِينِي .آلَمتْنِي نفسِي يا أبِي كثيرًا، كَيْفَ استَحْللْتُ هذَا الفِعلِ؟!، وكَيفَ أطَعْتُ هَوايَا؛ فَعزِمْتُ عَلىٰ البُعدِ، وألَّا أعْصِيَ اللّٰهَ فيهِ فَيحرمَنِي مِنهُ!، خُضْتُ بعْدَهَا حُروبًا مَعَ نفسِيَ وصِراعَاتٍ لَا يَعلَمُ مَداهَا سِوىٰ اللّٰهَ؛ فالرُّوحُ مازَالتْ تَشتَاقُ إليهِ تُنازعُنِي للْقُربِ وإِلىٰ سمَاعِ صَوتِهِ؛ فالْعالَمُ بِدُونهِ مُوحِشٌ وَأنَا بِدُونِهِ كَغريقٍ فِي بَحْرٍ لُجيٍّ، أَوْ تَائِهٍ في صَحارِي الحِجَازِ المُقْفِرَةِ .
مَضَىٰ عَلىٰ ذَلِكَ القَرَارِ يَا أبِي مَا يزِيدُ عَنْ عامٍ كامِلٍ لَمْ أرَه ولَمْ أسْمَعْ صَوتَهُ؛ كُنْتُ أبْكِِي فِي الطُّرقَاتِ لِشوقِي إليهِ؛ وأُمَنِّي النَّفسَ بِلُقيَاهُ وكَأنَّهُ سَلبَ الرُّوحَ رُغمًا .
تَمالَكْتُ وصَمَدْتُ وألْحَحْتُ عَلَىٰ اللّٰهِ فِي الدُّعاءِ، كُنْتُ أبْكِي سَاعَةَ السَّحرِ وأُنادِيهِ كُلَّ ليْلَةٍ: « يَا مَنْ طَوَّعْتَ لَهُ قَلبِي اجْمَعنِي بِهِ » .
وَأنَا اليَوْمَ أرَىٰ إجمابةَ دُعائِي لَمَّا أتَاكَ طالِبًا القُربَ مِنكَ!، فَأزعَنْتُ لِقولِ الحقِّ -جَلَّ فِي عُلاهِ- : « وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِم إِذْ يَشَاءُ قَدِيرٌ » .
فَأنَا أُريدُهُ يَا أبِي؛ أُرِيدُهُ فِي رفقِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي شَجاعَةِ عُمَر، وَحيَاءِ عُثمَان، وَحُبِّ علِيٍّ، أَرَاهُ كَأبِي ذرٍ يَعِيشُ وحِيدًا! .
أُرِيدُهُ يَا أبِي فقَدْ أُمِرْنَا أنْ نَرضَىٖ بِمَنْ نَرضَ خُلقَهُ ودِينهُ؛ فَأنَـا رضَيْتُ بِهِ فارتَضهِ لِي زَوجًا .
أَردْتهُ تقيًّا نَقِيًّا يَرانِي وكَأنَّ العالَمَ فِي عيْنَيَّ وقَدْ كَانَ، أُريدُ أنْ أسْمَعَ صَوتَهُ وهْوَ يتَرَنَّمُ لِي بالقُرآنِ فَالقَلبُ قدْ جفَّ والرُّوحُ أعيَتْهَا المُكابَرةُ، أُرِيدُهُ سنَدًا وزَوجًا وأبًا وأخًا، أُريدُهُ رَفيقًا إلَىٰ الجنَّةِ .
- ارْتضَيتهُ يَا أبِي فَارتَضِهِ لِي! ..
•••••★•••••
- السَّلامُ عليْكُم جُمانِـيـے 💙✨
أسَالُ اللّٰه العظيمَ أنَّكُنَّ بخَيرٍ ؟ .
•••••★•••••• قِصَّةٌ قصيَرةٌ، مارأيكُنَّ بِها، أرَاقتْ لكُنَّ؟! .
٭دُمْتُنَّ بِودٍّ 💙✨
أنت تقرأ
جُـمَـانٌ
No Ficción- لِأنَّكِ خُلقْتِ أُنثىٰ ، فِي داخلكِ أنهارٌ مِن غيْرِ ضِفافٍ تنسابُ عزمًا وشذَىٰ زُهورٍ .. - لِأنَّكِ خُلقْتِ أُنثىٰ ، فإنَّكِ جُمانةٌ مڪنُونةٌ فِي محَارَةِ الطُّهرِ .. - لِأنَّكِ خُلقْتِ أُنثىٰ ، أوجَدَ الخالِقُ بكِ رِقَّة وحنانِ العالمِينَ أجمعِ...