الثالث
تمددت زهرة فوق الفراش وهى تغمض عينيها استعدادا للنوم تحت نظرات الطبيب المتعجبة ، لكنها فى حقيقة الأمر تتهرب من تساؤلات عينيه بالتظاهر بالنوم ، لترغمه على مغادرة الغرفة .
وقد كان لها ما أرادت .لقد ظل لحظات يتأملها بتعجب لكنه غادر فى النهاية ، لتعود هى لذكرياتها المشؤومة وتتذكر ذلك الباسم ، لقد ابرحها ضربا ليقتل صرخاتها التى تهدد بفضح أمرهم .
صمتت مكرهة فهى بحاجة إلى قوتها للمقاومة ، نظر السائق لها عبر المرآة ثم نظر ل باسم وقال : ما تلف لنا سجارتين يا برنس .
ليجيبه باسم بتلقائية : البفرة مع أيهم .
يتوقف بجوار كشك ويلتف بنصفه العلوى : الكشك ده بيبيع بفرة ، معاك فكة ؟
هز باسم رأسه وهو يغادر السيارة لينطلق السائق بأقصى سرعة .
نظرت له بأعين متسعة ليتساءل : انت ساكنة فين ؟
نظرت له ببلاهة ليصيح : انطقى قبل ما يحصلونا تانى .
لترتعش شفتيها وهى تقول : الف مسكن .
نظر لها بتعجب : وايه ركبك معايا من الأول ؟
زهرة : كنت خايفة منهم ركبت اول عربية عدت .
زفر بضيق : أنا هوصلك لاقرب مواصلة ، معاكى فلوس ؟
اومأت برأسها ليزيد سرعة السيارة غير عابئ بمخالفة المرور .
***********************
زفر عثمان بضيق فور مغادرة شقيقه غرفته فقد سأم كل هذا ، لقد جاء كالعادة ليسأل عنه و يتفقده ، ثم يخبره بمدى تقصيره ، وأن عليه تحمل المسئولية و الاهتمام بدراسته على أقل تقدير. عينى سليم تحاوطانه ، بل تخترقانه لكنه لم يسأل سؤال مباشر ؛ هو سعيد لأنه لم يفعل ، هو يخشى من ضعفه ، من خوفه ، من كلمات تخرج رغما عنه إلى سليم ..هو فى الحقيقة يرتعب أن يراه سليم بهذه الصورة . لن يسمح بحدوث ذلك مهما كان الثمن .
هو ايضا لا يريد أن يتحمل أية مسئولية ،فإن فعل سيكون عليه إذا تحمل مسئولية ما اقترفت يداه تلك الليلة ، وهل سيسمح أيهم بذلك . لقد كاد يفتك ب باسم تلك الليلة لمجرد أن تمكنت الفتاة من الهرب ، فماذا سيفعل به إن تفوه بكلمة عما حدث!!!
هو هالك لا محالة . لكنه هالك بكل الأحوال ، فإن نجا من بطش أيهم لن ينجو من كوابيسه ومن تلك الصرخة اللعينة التى تصر على مشاركته لياليه .
اتسعت عينيه وهو يتذكر حين اوقف أيهم السيارة لخمس دقائق فقط ، اشترى فيهم مشروبات كحولية ومشروبات الطاقة ليلقى بها على المقعد الخلفي ويعود للقيادة ليتفاجئ بعد قليل ب باسم يقف على الطريق .
أغمض عينيه كما فعل وقتها تماما أثر سماعه صرير العجلات حين أوقف ايهم السيارة ، أسرع هو لاحقا به ليخبرهما باسم ما حدث .
انتفض عثمان كما انتفض ليلتها على تلك الصفعة التى هوى بها أيهم على وجه باسم وهو يجذبه من مقدمة ملابسه بعنف : انت عارف لو البت دى ضاعت من ايدى . هعمل فيك إيه؟؟
لينفض باسم يدى أيهم عن ملابسه ببعض الشجاعة وهو يقول : جرى إيه يا أيهم ؟ هنخسر بعض علشان بنت ؟
لم يري ايهم بهذه الهيئة من قبل ، فقد احتقنت عينيه وهو يعود للسيارة ليتبعاه بصمت وما إن استقر خلف المقود حتى أسرع يبحث عن الفتاة وهو يصيح ب عثمان : افتح لى علبة ... من جمبك
أسرع عثمان ملبيا طلبه وهو يتبع إشارات باسم عن إتجاه السيارة .
وفى خلال دقيقتين ظهرت على وجهه نفس الابتسامة الشيطانية وهو يسترخى بجسده كاملا وعينيه مثبتة على السيارة التى تتقدم سيارتهم بمسافة لا بأس بها وتحول السيارات بينهم وبينها أن يشعر قائدها بمتابعتهم .
*********************
صرخات مكتومة تعبر عن نفسها على شكل أنين يمزق القلوب ؛ هذا كل ما تعبر به زهرة عن تمزقها أثناء مرورها للمرة الأولى بتلك الذكريات .
لقد اطمأن قلبها وأجزلت الشكر لذلك الشهم الذى أنقذها من براثن هؤلاء الذئاب ، الذين تربصوا بها يوما كاملا وما كانوا ليتنازلوا عن صيدهم الثمين .
توقف السائق وهو يشير لها : العربيات اللى هناك دى توديكى الألف مسكن ،انزل معاكى ؟
تفتح باب السيارة وتقول بإمتنان : كتر خيرك ،ربنا يجازيك خير .
السائق : سامحينى علشان مديت ايدى عليكى ، بس زى ما شوفتى كان معاه سلاح وشكله مجنون .
زهرة : لا محصلش حاجة ، كتر خيرك ، انت اتصرفت صح .
انصرف السائق بينما توجست خيفة من استقلال ميكروباص مرة أخرى ،فقد تأخر الوقت ليحالفها الحظ بمرور تاكسى يعمل بنظام العداد فتسرع وتشير له وتستقل المقعد الخلفي فورا .
تنهدت براحة وهى تغادر التاكسى ، هى بمنطقتها الأن تقريبا ، صارت بمأمن ، مسافة قريبة وتصل للحى .
خطوات سريعة هى كل ما تحتاج إليه فى هذا الوقت ، عليها الإسراع ، وبالفعل حثت قدميها ولم يزل الارتعاش عن ساقيها بعد للتقدم بحثا عن المزيد من الأمان .
شعرت ببعض التوتر أثر صوت صادر من خلفها ، لابد أنه قط أو كلب ، فالمنطقة التى تمر بها عبارة عن مقلب للقمامة ، عليها أن تستمر في التقدم .
شهقت لكن شهقتها مكتومة تحت قبضة حديدية أطبقت على فمها وشلت حركتها أثر ذراع فولاذى جمع ذراعيها للخلف .
تقهقرت خطواتها كرها تبعا لخطوات أيهم الذى يعود للخلف بحذر .
ألقى بها على المقعد الخلفي للسيارة ، لتصرخ فور تحررها من قبضته لكنه لم يسمح لها وأسرع يحاول التحكم بها بينما تقاتله بشراسة .
نظر ل باسم وقال بلهجة آمرة : افتح التابلوه بسرعة .
فتح باسم تابلوه السيارة ليصرخ به : هات السرنجة اللى عندك .
ما إن سمعت ذلك حتى غرست أظافرها برقبته حتى أدمتها وهى تجاهد للتحرر من قبضته التى تكاد تسحق عظامها بينما ناوله صديقه الحقنة والتف يساعده فى التحكم بها لتنتقل أظافرها من رقبة أيهم إلى ذراع باسم لكنهما فى النهاية تمكنا منها وحقنها أيهم بذلك الدواء الذى لا تعرف ماهيته لتبدأ الرؤيا تتشوش وتغيب عن الوعى لتكون ابتسامته الخبيثة هى اخر ما تراه عيناها .
*******************
انتفض عثمان وهو يتذكر صراخ أيهم عليه ليقف بالسيارة ، فقد أصر على أن يتعامل هذه المرة بنفسه ، فهو لم يعد يثق بقدرتهما على تولى هذا الأمر ، لذا اكتفى عثمان بالقيادة ومراقبة ما يحدث على المقعد الخلفي من خلال المرآة .
لقد ساعده باسم لحقنها بهذا الدواء بعد أن جرحتهما سويا ، إنها فتاة قوية لا تستحق هذا المصير ، أوقف السيارة كما أمره أيهم ليتخذ موقعه خلف المقود ويعود عثمان للمقعد الخلفي ، بجوار جسدها الذى يبدو وكأن الحياة تتخلى عنه .
وصلوا لمحافظة السويس ، وتوجه أيهم إلى الشالية الخاص بأبيه وهى لا تزال تحت تأثير هذا العقار .
ألقوا بها فوق الفراش ككومة من القذارة .
ظن عثمان أن ايهم بعد هذه المعركة سيتشوق للحصول عليها وانهاء الأمر ، لكنه فوجئ به يقول : تعالوا نقعد برة .
ليتذمر باسم فورا : برة إيه !!!؟ إحنا عملنا كل ده علشان نقعد برة .
يجذبه أيهم للخارج ويترك الباب مفتوحا ، يجلس فوق أريكة تقابل الباب ويخرج من جيبه كيس يحوى مسحوقا ابيض وينظر لهما بخبث : تعالوا ظبطوا دماغكم على ما الحلوة تفوق .
يسرع باسم ينضم إليه بينما يتردد عثمان قليلا ، يمسك بعلبة من المشروب الكحولى ويقول : لا انا هشرب بس
لتكون اخر ذكريات أليمة من تلك الليلة هى تشوش الرؤية بشكل يصعب معه تميز ما حدث إلا أن أثار أظافرها على صدره ورقبته نبأت بمعركة ضارية كان هو فيها الذئب الوحشي الذى لا يتمنى أن يتذكره مطلقا .