9

134 7 10
                                    

ينظر الى الأراضي الشاسعة الشامخة... كاد العمل أن ينسيه مدى روعة و هدوء البلدة لطالما كانت الأسرة كلها تأتي إلى هنا إلا أنه منذ إنشغل لم يأتي إلى هنا ...أي لم ينل أي راحة تذكر و أكثر ما كان يؤلم قلبه رفض سيرين الدائم للمجيء الى هنا .... لا أجمل من النتقل دون هم ها هنا حيث عبق الطبيعة حيث يكتفي بجلباب فضفاض متخل عن عبء الثياب المتكلفة و الملتصقة .... تنفس بإرتياح لأنه هذه المرة أحضر سيرين معه للتعرف على العائلة التي يدين لها والده بحياته .... سمع فجأة صهيل حصان ليغمض عينيه بفزع للذكرى المراهقة التي لا تزال ترافقه ذكرى طفلة كاد يسحقها فرس ... بصراحة هو نفسه متهرب من البلدة أيضا خوفا من الذكرى التي تلاحقه مما جعله ينفر من الجياد .... زفر هذه المرة بضيق من الذكرى التي تنغص عليه جو الهدوء الذي كان سائدا قبل نصف دقيقة .... كما أن هناك ما يقبض قلبه ... احساس رهيب ان اليوم لن يمر على خير و ان قريب له سيتأذى و لطالما فكر في تلك الطفلة كلما أحس بذلك الإحساس ... احساس ينبئه أنها ليست على ما يرام احساس لازمه منذ اللقاء الوحيد الذي حدث بينهما مضى عقدين و هو لايزال على تلك الحال مضى زمن منذ ان أصابه إحساس كهذا و حتى تفكيره بها كاد يبهت لكنه الآن يجد نفسه قلقا ... عليها ... على التي لن يتعرف عليها ان قابلها الآن لا بد و أنها شابة تملأ القلب قبل العين و ترفع الرأس فخرا و كبرياءا اكتسبته من جدها عثمان الهاشمي .... عاوده نفس الإنقباض هذه المرة لم يستطع الا أن يمسد على صدره لكثرة انقباض قلبه...
( هل عادت الذكرى لتزعجك ....؟ألن تكبر أبدا لقد مضى عقدين على ذلك ....) تأوه و مازالت يده بصدره كان قد نسي وجود جده تماما الرجل السمين الذي أصبح مقعدا لأكثر خمسة عشرة سنة رغم ذلك لا يقبل إلا أن يشاهد الشروق على كرسيه المتحرك أمام الحقول ليبتهل بصوته الوقور ذو البحة و ذلك بعد صلاة الفجر تماما مع أحد أبناءه أو أحفاده و اليوم كان حظ كنان أن يرافقه
نظر إليه كنان قليلا قبل أن يعيد بصره إلى الحقول التي تسللت إليها زرقة السماء لا غير ثم قال
( بصراحة لا أدري كيف السبيل إلى النسيان رغم أني الآن آرى ما هو أسوء ...إلا أن تلك الذكرى ترفض إلا أن تكون الأكثر إزعاجا .... )
ابتسم عثمان قائلا بوقاره المعتاد
( لا يدوم الى الله ...الذكريات مصيرها البهتان و ان لم تختفي المهم أن تحرص على أن لا تكون بنفس التأثير الذي كانت به مفرحة أو محزنة يا بني ) زفر كنان بتوتر و نظراته تتخذ منحا آخر نحو ما قبل العقدين ...
فرس ناصع البياض تمتطيه فتاة صغيرة أنصع من فرسها بياضا بشعر عسلي كثيف متمرد يرفض الترويض ... كان حينها في السادسة عشر من عمره .... كانت الفتاة آية للنظر كيف تمتطي الفرس بحداثة سنها هذا ...؟ لكن الذي حدث بعدها جعله يقشعر من أصهلة الأحصنة ....
فقدت الفتاة السيطرة الفرس فجأة ليسقطها أرضا و مع هيجان الفرس وقع أحد حوافره بنهاية جبهتها ليصنع خطا نحو شعرها الكثيف ... كان قد خرج من تجمدها ليتسلق أحد عيدان الحظيرة و يركض نحوها كان قد هب فوق الصغيرة قبل أن تلمسها حوافر الفرس مجددا ليقع بظهره مسببا جرحا غائرا رفضت العقدين محوه ... في حين يتمسك بها بكل قوته و هي أيضا تتبع غريزة الإحتماء به ... حتى أتى مروضي الأحصنة لينجدوهما ... حملها رغم الألم بظهره ليتوجها بها لأحد غرف الإسعافات التقليدية المبنية من الطين بسقف من النخيل ... مع مصباح البترول الصغيرة التي تنير تلك الغرفة رغم أن الشمي كانت قد شرقت فعلا .... كان يظنها فاقدة للوعي لكنها فاجأته برفع رأسها اليه بعينين حالكتي السواد يظن الناظر أنهما ثلاثية الأبعاد تقول له....
( هل أنت بخير ...؟ هل جرحك ينزف ...؟)
لو كانت فتاة أخرى لجمعت العالم بكاء و عويلا لكن بهذه الفتاة قوة غريبة ....تنحنح و هو يبحث تحت السرير المصنوع من عودان الصنوبر علبة الإسعافاة ليضمض لها الجرح الذي امتد من نهاية الجبين لمنتصف الرأس دون ان تذرف صاحبته دمعه واحدة ... سألها بإستغراب ....
( كم عمرك يا فتاة ...؟ ألا يجب أن تبكي أوما شابه ...) أجابت و هي تقرب وجهها منه بإستسلام ...
(عمري ثمان سنوات ... ثم لما علي البكاء طالما لن يفيد جدي قال.... يا أمل افعلي فقط ما هو مفيد ...و البكاء لا يفيد..) افلتت منه ضحكة دون قصد و هو يلف الرباط الأبيض على رأسها قال بعد أن لاحظ تجهمها
( حقا و من هو جدك يا أمل ...) قالت بهدوء و هي تمسح أنفها الصغير الذي احمر فجأة
( جدي عثمان الهاشمي ...) اتسعت عينه بتفاجؤ قبل ان يهز رأسه بإستنكار لم يجد بدا من الجهر به
( غير صحيح... أنا أعرف جميع أحفاد جدي و انت لست منهم ....) نظرت إليه للحظات خيل اليه أنه قد لمح الألم بهما بحيث ازداد سوادهما لكنها لم تتخطى اللمحة لتعود لطبيعتها قائلة
( غير صحيح انت لا تعرف كل أحفاده ...)
قال بإعتراض ...
( بلى أنا أعرف كل أحفاد جدي و قد رأيتهم كلهم سوى حفيدة الأ...) كادت عيناه تخرجان من محجرهما و هو يستوعب أن الحفيدة الوحيدة التي لم يرها فقط يسمع عنها هي حفيدة ال ... بصراحة لم يستطع حتى ان ينطقها بينه و بين نفسه لم ينتبه الى الآن الى الفتاة التي تنظر اليه بإستغراب ... سألته ببرائة
( ما معنى الأمة...؟الكل يناديني حفيدة الأمة الا جدي عثمان...او عندما يكونون أمام جدي) لم يدري لما أشفق عليها الآن رغم أنه لا يجب أن يحس هكذا لأنها ببساطة لا تبدو ضعيفة أبدا انها حفيدة الأمة الطفلة التي سبقتها شهرتها في البلدة حفيدة أمة عثمان الذي أعتق أمته و تزوجها لينجب ابنة وحيدة من أمته أثاب التي توفيت بعد بضع سنوات من ولادة ابنتها المتمردة التي نجحت رغم ان الكره كان حلقة تدور حولها و هي لا تجد من يرحمها منه الا والدها عثمان الهاشمي الذي اضطر فيما بعد أن يسمح لها بإكمال دراستها الى بلاد الغرب لتعود بعد سنوات بمصيبة اعتبره أهلها جللا أن تتزوج فلانيا أسمر لا علاقة له بالعرب بأي صلة واضحة يمكن تعريفه لم يكن الا افريقيا و الأسوء أن تكون حاملا منه في شهرها الأخير بل و تأتي مع زوجها الذي كانت البسالة و الفخر و العشق تشعان من عيناه ...العشق لزوجته التي رفض التخلي عنها حتى و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن أنجبت ابنتها الوحيدة أمل التي أخذها والدها بعد أن أمضى سنة كاملة في البلدة محاربا الكل في سبيل الإحتفاظ بآخر بصندوق ذكريات زوجته متمثلة في ابنتهما أمل حفيدة الأمة.... ظن الكل أن ابنة الأمة أرادت الإنتقام من والدها لكنها مجرد شائعات الحقيقة أنها وقعت في حب زوجها و غرقت به حتى الموت .....
لم يدري كيف يشرح لها و لم يكن ليشرح أي شيء لها فقط اكتفى بأن  ضمها لصدره بقوة و كأنه علم ان هذا كل ما تحتاجه حاليا و لم يخطئ فقد أجهشت الفتاة بالبكاء كأنها بالفطرى فهمت أن الكلمة سيئة و لم يفق الا على ضرباتها بصدره بكل غضب فاق ملامح الحزن ليمسك يديها بقوة و هو يسألها عن خطأه ...
( توقفي يا أمل ... ماذا هناك ؟)
أجهشت بالكاء هذه المرة أيضا لم يكن يعرف أنها أول مرة تبكي أمام أحد غريب أبدا الا عندما أخبرته فيما بعد و هما أعائدان الى الدار ... دار عثمان يمسكان يدي بعض كأنهما قرينان و صديقان
( أنا لم أبك أمام أحد غير أبي أبدا لأنه الوحيد الذي يستطع أن يسكتني ... و أنا وعدته أن لا أبك أبدا في غيابه ... أبي يقول أن الوفاء بالعهد هو عنوان الفلان و أنه لا يجب أن نخلف وعدا و أنا خلفت الوعد و انت هو السبب ... و أنا سأخبر جدي و أبي عندما يأتي ليأخذني بعد يومين ...) هذه المرة ضحك من كل قلبه لا ينكر أنه لم يسمع بقبيلة أباها كثيرا و لكنه وعد نفسه ان يبحث فيما بعد ... أحس بسعادة غامرة دون أن يدري له سبب لكنه لاحقا علم ان السعادة كانت في أنه الوحيد غير والدها الذي استطاع احتواء دموعها ... ...
لم يملك الا أن يشهد لها بقلبه أنها فتاة  ذاتها حسنة ....
أجفل عندما سمعها تسأله عفويا
(كيف أصبح ظهرك لقد كان به الكثير من الدم...؟) إبتسم لها بود حقيقي و هو يمد يديه ليحملها على صدره و هي تلف يديها برقبته ضاحكة ....قال مفتونا بضحكتها
( لقد أصبحت بألف خير ... انت ماهرة ستصبحين طبيبة عظيمة يوما ما .... )كان الجرح لا يزال نازفا رغم أنها ضمضته بأصابعها الرقيقة لكنه كان يعلم ان الجرح كان عميقا و يحتاج الى خياطة الصغيرة أجبرته ان يخلع قميصه لترى الجرح و كم كان بكاءها عنيفا أثناء التضميض حتى أنه كان يكون أعنف عندما كان يحاول أن يستدير اليها ليهدئها ... حتى انهت المهمة ليضمها لصدره حتى نام كلاهما و لم يستيقظا الا مع غروب شمس ليعلم أنه بمشكلة مع جده و والده ..... لكنه لم يهتم فقد كان يستحق فعلا العناء تلك الصغيرة التي تتعلق بكتفه أول فتاة جعلته يفكر في الزواج نعم مجرد حلم مراهق أتعبه التخيل فيما بعد .... انه أول غريب تبكي أمامه و أو من يحويها غير والدها و أول من صفعها بحياتها .... ففي الصباح الباكر كان يمر بالحظيرة كعادته دائما حين يأتي للبلدة يهوى مشاهدة الشروق لكنه صدم حين رأى الفتاة أمل مجددا تمتطي نفس الفرس و لكن هذه المرة كانت هي المسيطرة و الفرس طائعة بكبرياء باذخ لفارسته لكن كل هذا لم يستطع منع غضبه من الإنفلات ليفاجئها بحملها من على الفرس أثناء توقفها ليلتقط الفرس أنفاسه و ما إن لمست قدماها الأرض حتى تلقت صفعة أوقعتها أرضا ... لم تتحرك حتى أنه هو من أنهضها ليحملها متوجها بها للمنزل و هو يصرخ بها و يشتمها و ينعتها بالغباء لكنها كانت كالمجمدة و المصدومة حاول أن يصالحها فيما بعد لكنها رفضت الكلام معه بل رفضت حتى النظر اليه ... و كم ألمه الأمر لدرجة أنه قرر الخروج الى الحقول ليشغل باله بشيء آخر غيرها الا أنه فشل ليعود بعد المغرب بقليل فيصدم بخبر رحيلها و لم تعد مجددا الى البلدة و قد مضت عشرين سنة حتى الآن البعض يقول أنها لا تأتي الا لرؤية جدها و لا ترى غيره و أنه أحيانا يسافر اليها بنفسه رغم عجزه و البعض الآخر يقول أن آخر مرة كانت حفيدة الأمة هنا كان من خمس سنوات و أنها قد تغير مئة و ثمانين درجة و كم قضى من وقت و هو يتخيل شكلها .... حتى انها تزوجت و لها طفلة أيضا أسمتها أمل أيضا مهووسة بالأمل ....
لم يعده لأرض الواقع الا صوت ابتهالات جده بصوته الرنان رغم العقود السبع و ما يزيد الا أن الصلابة و السيطرة بصوته لم توهن ...
""ﺃﻏﻴﺐ ﻭﺫﻭ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻻﻳﻐﻴﺐ ﻭﺃﺭﺟﻮﻩ ﺭﺟﺎﺀً ﻻﻳﺨﻴﺐُ
ﻭﺃﻧﺰﻝ ﺣﺎﺟﺘﻲ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﺣﺎﻝ ٍ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﻄﻤﺌﻦُ ﺑﻪِ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏُ
ﻓﻜﻢْ ﻟﻠﻪِ ﻣﻦ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﺃﻣﺮ ٍﻃﻮﺗﻪُ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓِ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏُ
ﻭﻣﻦ ﻛﺮﻡ ٍ ﻭﻣﻦ ﻟﻄﻒٍ ﺧﻔﻲ ٍّ ﻭﻣﻦ ﻓﺮﺝ ٍ ﺗﺰﻭﻝُ ﺑﻪِ ﺍﻟﻜﺮﻭﺏ
ﻭﻣﺎﻟﻲ ﻏﻴﺮُ ﺑﺎﺏِ ﺍﻟﻠﻪِ ﺑﺎﺏٌ ﻭﻻ ﻣﻮﻟﻰً ﺳﻮﺍﻩُ ﻭﻻ ﺣﺒﻴﺐُ
ﻛﺮﻳﻢٌ ﻣﻨﻌﻢٌ ﺑَﺮٌّ ﻟﻄﻴﻒٌ ﺟﻤﻴﻞُ ﺍﻟﺴَﺘﺮ ﻟﻠﺪﺍﻋﻲ ﻣُﺠﻴﺐُ
ﺇﻟﻬﻲ ﻣِﻨﻚَ ﺇﺳﻌﺎﺩﻱ ﻭﺧﻴﺮﻱ ﻭﻣﻨﻚ ﺍﻟﺠﻮﺩُ ﻭﺍﻟﻔﺮﺝُ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ....
.................................................................................
  الأمر بأكمل مرعب تحتاج لأن تأخذ وقت للتفكير و اعادة حسابات التفكير فيما بقي من وجودها و التعامل مع الأمور بحنكة ... انها متعبة.... كم تتمنى لو تقضي بعض الوقت مع صغيرتيها و سفر العائلة فرصة لا تعوض لكنها لا تستطيع... تشعر أنها مراقبة حتى أنها منعت جمزة من المجيء الى المدينة بالصغيرة.... أما الصغيرة الأخرى فقد مرت ثلاث سنوات تقريبا دون أن تراها و كم يزيد ذلك همها و حزنها لما كتب عليها هذا العناء ... اسغفرت ربها في سرها .... انها ببساطة لا تستطيع ان تجازف بآخر ما استطاعت انقاذه من حطام دمار حياتها و موت اسرتها ... فكان يجب أن ينجو شيء من ذاك الدمار.... اي شيء و انت تحافظ عليه مهما كان الثمن ... و كم هو باهض ذاك الثمن .... فثمن الآمان كان الفراق ... فيال صعوبة تقبل الدفع طوال العمر ....
زفرت بقوة و هي تخرج من شرودها و الصيدلاني يعطيها الدواء ... فأميرة تتدلل ... مجددا ... من يراها لا يصدق انها البنت البكر لعادل و أنها تكبر كنان و سهيل ... رغم طيبتها و حميتها العفوية لمن تحب الا أن هذا التدلل ليس سوى منافسا لحبها و حميتها .... يا الله انها تتدلل حتى على أولادها و تبتزهم عاطفيا ليختاروها على زوجها .... ضحكت نادين بخفوت و هي تخرج من الصيدلية متذكرة أمها منسى رحمها الله ... كم كانت تتدلل عليها و على اخوتها و والدها كانت تتدلل حتى على القنوات الفضائية و غالبا لا تتذمر الا حين يكون أنيس هو من يملك جهاز التحكم فتصر انها تريد مشاهدة الرسوم المتحركة ... و لم يكن يستجيب لتدللها عليه و تذمرها الدائما ... تعترف أن حب أنيس لعائلته كان حبا صامتا مختلفا و تعلم عن كل محاولاته السابقة لحمايتها فبدل أن يعين من يحميها أو يطلب مساعدة إحد كان يتسلل ليراقبها عن بعد تأهبا لأي خطر قد يصيب أخته المتهورة .... و حين يعود الكل للمنزل فإنه لا يبدي أي تدخل أو تعليق فيما يخص عملها و منصبها ... لكنه لم ينم يوما دون أن يرقيها حتى لو أضطرت للمبيت في العمل كان يأتي خصوصا ليرقيها و يضمها بقوة لدرجة أنها لا تذكر أنه ضمها يوما و لم تدمع عيناها ... و هي بكل غباء فقدت كل هذا فقط بأنانية و تهور فقدت الكل بلمح البصر و الباقي من دذاك الفقد مازال بحكم الفقد رفم أنها تملك الذي بقي و لا تملكه ....
ابتسمت و هي تتذكر اصرار أميرة عليها لأخذ السيارة الا أنها رفضت و فضلت أخذ موعد مع العقل لساعة ... أجل فالحياة مواعيد و هي قررت أن تتظم في المواعيد لأن التفكير الآن لن يتخطى الساعة ذهابا و إيابا ...
لم تحس أثناء تفكيرها هذا إلا و هي تقع أرضا مع ألم حاد عند ساقها إنها ضربة بغت و كم يؤلمها الجبن يحيي بها كل الغضب الكامن كل الأحاسيس السيئة كل الدمار الذي تهذبه و تروضه .... كالكلب و تقتله إن أحسته أجربا ....
ها هو المباغت قد ظهر بعد أن أسقطها بالعصاة الضخمة أصلا لم يحتج لعصا فضخامته واحدها كانت لتكون كافية لإيقاعها أرضا .... لعل الخوف الذي تراه بمقلتي هذا الملثم هو ما منعه من مواجهة أنثى يفوقها قوة جسدية ثمانين مرة .... لم تملك إلا أن تبتسم و هي تعقد المقارنة لكن الضخم فسرها خطأ و بكل جبن و هلع كان يتقدم نحوها و يرمي العصا بعيدا .... عندها علمت نادين أن الرجل ليس هنا لقتلها إنما لإيلامها ... و كم تحتاج هي هذا الألم لكن الأمر الوحيد الذي دار بخلدها بعدها أن الضخم أفسد موعدها مع التفكير و الله وحده أعلم متى ستحجز موعدا آخر معها فالمواعيد في حياتها لا تنتهي .... تبا
انها تكاد تفقد الوعي .... و في وقت كهذا و حي المدللين هذا الناس لن تستيقظ قبل التاسعة أي أن فرصة مرور منجد ما تكاد تكون معدومة .... و الضخم يوجه لها لكمات و ركلات من كل صوب و حدب...
لكن الله واسع الرحمة إنها تسمع صوته ... لا ليس صوتهإلا أن الصوت له حنان خاص ألفته مؤحرا إنه إبن خالها و زوج أميرة ... نعم إنه سراج كاظم الهاشمي ... الآن تستطيع أن تستسلم للظلام فهي لا تتخيل وجوده بل توقن وجوده .... نعم المعين ... سراج الهاشمي ....
........................... .............ٌ...................................................... .............ٌ...........................
تمضي الساعات الطوال كالدهر و سراج واقف أمام زجاج غرفة العناية المركزة حيث ترقد نادين .... يتناهى لمسامعه نهنهة أميرة .... إنها تحس بالذنب  تظن أن نادين لم تكن لتتأذى لو لم ترسلها لما تأذت أو أصرت على أن تأخذ السيارة لكانت الآن بخير ... قلبه يؤلمه لمرآها هكذا تكاد تنهار أمامه ....ما حدث لنادين كان رهيبا لو لا أنه نسي بعض الأوراق ما عاد ... وربما كانت نادين الآن في خبر كان الحقير الجبان فر هاربا ما إن صرخ به سراج و هو يسرع الخطى إليه و في باله أن رجل يتعرض لإمرأة و كل شيء كان بباله إلا أن تطون نادين هي تلك المرأة .... لا يعلم ماذا ستكون ردة فعل كنان بعد أن يصل و لن يمر وقت كثير حتى يصل فالمسافة بين البلدة و المدينة ستت ساعات و هاهي الساعة تشير للواحدة بعد شاعة على الأكثر سيكون هنا و كم أصبح الوقت سريعا كأنه يسابق أحدهم ... إنها حفيدة الهاشمية المختبئة عن جدها و عائلته ...إبنة عمته يذكر جيد بعد ستت أشهر من إقامتها مع أسرة الرشيد بعد أن توطدت الصداقة بينهما فاجأته بجدية لم يعتدها منها يومها في الحديقة حيث كانت تسقي البستان ... جدية شاردة الذهن ....
(أريد أن أعترف لك بأمر ... يا هاشمي .... ) عندها إتسعت عيناه مستغربا كيف تعلم بالإسم فلا أحد غير جده عثمان يناديه بها و قد خصه باللقب وحده ....و يعلم جيدا أنها لم تعلم من هنا فالكل هنا يناديه ب سراج ... و ما بين تعجبه و تفاجؤ تصدمه بأكثر و هي تعترف له وحده دون غيره من العائلة
( لا تستغرب يإبن الخال ... فأنا نادين حفيدة عثمان الهاشمي حفيدته التي رفضت التواصل مع أي منكم ....) الصدمة باتت صاعقة ليحول لغضب مهول مخيفا .... لكنها عنه كانت لاهية لا يدري سحب الخرطوم من بين يدها و مؤكد قد خدشتا حينها لكنه لم تصدر صوت ينبئ بذلك كاد يهدر بها و يبطش بها معتقا أنها هنا لدوافع إنتقامية لا يدري لها سببا .... إلا أنها سارعت بالقول بنفس الهدوء ....
(لا أظنك يا هاشمي ترضى لنفسك الإساء لأحد دون إصغاء ... أنت لست ممن يستبقون الأحكام و إلا لما كلمني عنك جدي و كذلك حمزة إبن عمك نايف الهاشمي ... و لا داعي لنظرة التأهب و الشك تلك تعلم ذلك و صدقني لو لا أن أقنعني حمزة لما وافقت أن أخبرك لكن الأمر يخص إبني التي إئتمنتها لحمزة و أنا أواجه مشاكل كثيرة لأراها لذا إقترح أن أخبرك لعل و عسى تساعدني دون جذب الأنظار و الإنتباه...) كان كلامها عن حمزة هو بطاقة تعريفها فهو يعرف حمزة و هو إبن عمه نايف كما قالا و نادين هي أخته من الرضاعة إنهم يكبرونها  بسنوات و حمزة لا يملك أختا غيرها و هو الوحيد الذي كان على معرفة بمكانها حتى هو الذي يكون رفيق دربه لم يخبره عنها بل كان بينهما إتفاق صامتا بأن موضوع أخته المتمردة خط لا يجب الإقتراب منه فعندما توفي أخاه في المهد كانت نادين هي من يملأ الخواء بصدر أم حمزة حتى أخذها أباها قبل بعيدا جدا و لم يرضى أن يراها أحد من أسرة الهاشمي ... بعد ذلك الحادث إتصل بحمزة موبخا اياه فكان أضحك حمزة كعادته فلطالما عرف حمزة بالفكاهة و التباسط إلا حين يصادف أن يكون سواد يوم أحدهم فيسيء لأخته نادين ... و أمر آخر أثار ريبه ... و هو كيف سمح لها والدها بعد كل ذلك أن تعاود التواصل مع العائلة بعد أن كانت القطيعة بينه و بين الهاشمية ....
لم يفق إلا على خطوات عجال صاحبها مهموم ... إنها خطوات كنان و من جلبابه هذا يدرك أنه قد أتى كما كان عندما اتصل به و دون يخبر أحد  ... و يفكر مجددا ترى كيف ستكون ردة فعله حين يعلم أن نادين هي حفيدة من كفل والده حين توفى جداه والدا حماه عادل الرشيد ... الكل يحب نادين و هي عملت على حبهم لها لكن هل سيظل الحب بمحله لو علم ربيب عثمان الهشمي أن حفيدة من رباه في عقر داره دون أن يدري و من كلام أميرة له أن نادين كانت تعرف والدها قبل حتى أن تعرف كنان لكنه يعلم ان عادل ليس على علم ....
أثناء شروده هذا تخطاه كنان مع إحساس فظيع بالألم في صدره يحس أن أحدهم يغوص يجذع صدئ في صدره فيدميها فلا يكترث أكان حيا أم ميتا ... وجهها الشاحب شحوب الجثث المكدوم يكاد يغرق في سواد و كثافة شعرها القصير رغم ذلك فقط حجب وسادة المشفى بأكمله شعر لم يتخيل يوما أن يكون هذا قدره تحت الحجاب الذي يظهر صاحبتها عديمة الشعر...و الضماض يلف مقدمة جبينها حتى أخره ....
لا يعلم كيف وصل و لا كيف نفظ يده من الفطور ما إن إتصل به سراج ليخرج و يتكلم معه لم يعد حتى للداخل حتى مفتاح السيارة كان بجيبه كأن كل الأمور كانت مسخرة ليسافر إليها في اللحظة التي أخبره فيها سراج أنها ليست بخير .... لكنه لم يتوقع أن يكون هذا حالها لقد توقعها مريضة لا أن تكون ... تكون تعرضت لحادث كهذا ... إلتفت إلى سراج و أميرة التي تنظر بعيدا عنه بدموعها الغزيرة و هو يطالبه التفسير ...
(كيف تعرضت لهذا الحادث ... ؟) شيء ما كان يخبره أنه لم يكن حادثا و ان السبب سيزعجه
(لم يكن حادثا يا كنان بل تهجم عليها أحدهم. ..) أخذت عينا كنان تتسع أكثر تكاد تخرج من محجرهما ... إنه الهوان و الضياع ... إحساس بربري إنتقامي يستيقظ بداخله ليفاجئه بحقيقة واحدة و أنه لو أمسك الفاعل فسيتلذذ بقتله ... فجأة سارعت خطاه تدب بأرض المشفى الرخامي يكاد يحطمها رقعة رقعة إلى أعلى مكان بها ... ليصرخ معبرا عن غضب لم يظن يوما إنه يمتلكه لتداري الغيوم فجأة سطوع الشمس و تطلق السماء رعدها و هو تحت غيثها الشديد لا يتحرك ... يحس أنه محطم لقد نقض العهد تأذت و هي بحماه هي في الإنعاش بسببه أنبوب الأكسجين الذي بجيبي أنفها يشبه حبل المشنقة بعنقه ظل واقفا تحت المطر حتى العشاء لم يكن يتحرك إلا ليصلي ثم يعود لجموده تحت المطر .... إنه غاضب ... غاضب بحق حتى عندما علم بفعلة سيرين و إجهاضها الطفل لم يغضب كما هو الآن لم يدرك معنى تمني الموت لأحد كما الآن في ظلمة الليل و المطر ينزل مدرار فيبدو كالوقود يشعل غضبه و حقده أكثر ... اذن فقد كانت هي من لأجلها إنقبض قلبه صباحا و هو كالأحمق ربطه بطفلة لم يرها منذ عقدين ... نادين أمانته التي وعد أن يحميها و يصونها تتعرض لهكذا موقف ... لم يكن الأذى الجسدي سر الهجوم هو موقن أن الفاعل يبغى جرح كرامتها و كبرياءها ... ياللحقارة فجأة سمع صوت سراج يناديه قائلا ...
( تعال كنان أسرع لقد أفاقت نادين و الأطباء يفقدون السيطرة و لا تتعرف على أحد منا..)كان سراج يهرول مع كنان الذي هرول ما إن أخبره أنها إستيقظت ... ترى مالذي يحدث مع كنان و لما كل هذا الإنفجار لها ... أيكون ظنه بمحله ....
........................... .............ٌ...................................................... .............ٌ...........................
دخل الغرفة ليجدها تعافر الأطباء تبعدهم و تجرح و تخربش حتى ساقيها لم تدخرا مجهودا رغم يمينها المضمض و هو موقن أن كل حركة تسبب لها مئات الطعنات ... لكنها كما قالت سابقا أنها تتقبل الألم ...
تقدم منها بهودء مشيرا للكل بالإبتعاد ليتقدم منها و هي لا تزال تقاوم كأنها تعيش زمن آخر و ليؤلمه قلبه أكثر بالمعرفة ... أين هي الآن مكانا و زمانا ... يا الله أي جحيم هذا الذي يعيشه الآن .... يضمها لصدره و مع ذلك تحارب لا تزال يدفن سماه بكتان أسود شاء القدر أن يكون شعرا
ناداها بصوت متحشرج تخنقه الغصة الناتئة
(نادين إهدئي ... إنه أنا ... إتبعي الصوت صغيرتي يأت بك نحوي ... حيث جسدك الآن ليس قذرا ... بل بحضن كنان فشدي الهمة و عودي إلي ... لا تهربي إفتحي عينيك و أبصريني ... إنه أمانك لذا هو لك و أنت مستوطنة به ... فأنفظي عنك عباءة الضعف و الهوان ما عاش و لا كان في يفلح في شرخ شجاعة بلقيس ...أنت لها ...) تهدأ فجأة و تتنفس الصعضاء .. تتعرف الصوت و الحضن حضن والدها الدافئ و الحنون لكن الصوت مختلف لا تدري لما دائما لا تميز بين حضن كنان و والدها لا تفلح في ذلك إلا عندما يتكلم .. أو الإستدراك المفاجئ بأنها قد يتمت و والدها لم يعد لها ها هنا تحت سقف السماء التي جمعتهم يوما و أنه غادر الدنيا و أخذ معه كل ما كان قد وهبها يوما ... آه يحسرة القلب على اليتم لو كان والدها مكانها لكان ضحى بنفسه فداء لأهل بيته دون لحظة تفكير .. و هي ماذا فعلت هي قدمتهم قربانا لقاء معتقدات تافهة عن الحق و الباطل الحق أخذ منها كل ما تملك ... أين هو الحق الذي دافعت عنه بشراسة يوما ما ... لقد فر منها ...
لم تدرك أن كلماتها قد أصبحت تمتمات هستيرية ...
ليزيد كنان من ضمها لصدره رغم الألم الذي يعلم بوجوده بقلبه و ليكون جسدها مرآة لتجلي المكبوت ... لكنه قدرهما أن يكونا سند بعض .... قال محتدا دون قصد فحقير من تعرض لعرضه ...
(إخرسي ... نادين...) كان أمرا واضحا من كنان و نفذته منقادة لإحساس الأمان فيأمر مجددا مع إحساسه بمقاومتها الواهنة
( أثبتي و أهدئي ...) مجددا تطيع مندفنة بحضنه أكثر ....
ليقول بصوت فاض حنان و رقة عود نفسه أن لا يكون إلا لها
(إفتحي عيناك ...) رغما عنها تهز رأسها نفيا ...
فلا يعاتبها فقد عودته الرفض حين يتكلم بتلك النبرة ... لكنها تفاجئه بكلام عصر قلبه أكثر ...
( لا ... لا أريد ... أنا ... أنا خا...خائفة ) تسمر مكانه فعلا لا يدري كيف ابعدها عن صدره بحزم و قسوة ليس عليها و حسب بل على خوفها و على نفسه .... و مع ذلك لم تفتح عينيها بل قتلته بإطباقهما أكثر فهدر يقسو أكثر
(خوفك هذا بحضرة زوجك تأدينه ... لا تخافي  لا تخشين شيئا ... لا تخافي إلا ذو العزة و الجلالة ....) مع ذلك لم ترضخ فهزها بغضب متفاقم لم يعهده بنفسه
( قسما بالله ستفتحين عيناك ... الآن حالا و إلا أقسم بالله سأخرج من هنا إلى غير رجعة ...فأختاري ...) شهقة بكاء أفلتت منها فعلم أنه قد ألمها حقا ... و هو يتساءل إن كان من الممكن أن يتألم أكثر ...مع ذلك أبقى على القسوة و حين طال الأمر نهض عن السرير و هو يسحب يديه عنها ... لا يصدق أنه سيجعلها تمر بهكذا أمر عن سبق عمد أي قلب يملك ... تراجع حتى إنسحب تماما متجها صوب الباب ... إذن فهي النهاية لقد فضل خروجه من حياتها ... طوال حياتها قاتلت بشراسة حتى و إن جهل ماهية تلك المعارك إلا أنه بقلبه يدرك ذلك و الآن و هي بعصمته ... تخاف إن كان وجوده يحيي الخوف بها فمن الأفضل أن يرحل ....
( أنت هنا لذا يحق لي الخوف دون قلق ... لا تغادر لأجل الله لا تفعل ...) نبرتها المتوسلة سمرته في حين كلماتها و عمقها قتلته يا يا رب السماوات كم يحبها متى أحبها كيف أحبها و لما أحبها ....؟؟؟ لا يعرف لكنه لن يتنازل عنها و الوعد بعدم التدخل بها قد سحب للتو السماح لها بالإبتعاد لن يحدث ....
شيء ما شد جلبابه الغارق بماء المطر ليلتفت موقنا أنها خلفه ... ليغوص  بعينيها درتين حالكتي السواد ... حزينتين صحيح لكن قويتين ... إنها فقط تريد أخذ إستراحة إنها تريد أن تضعف معه و لو كان هذا خارج إطار الحياة الطبيعية التي رسمتها لنفسها ...
إقترب منها أكثر و انحنى ليحملها عائدا بها إلى الفراش ... وضعها بهدوء باسم إنها متعبة عيناها تأبيان التخلي عن عينيه و هو لا يريد التخلي و لن يتخلى ... يكاد ضحكه يفلت هدى على حق إنها نحيفة جدا ....جدا
تبا عيناها تجولان بالمكان عاد إليها الإرتجاف دون أن تستطيع السيطرة عليه أغمض عينيه يشتم غباءه الذي طلب منها فتح عينيها ... حاول أن يهدئها قبل أن تفطن أو تهلع لكنها قالت بعدم ثبات حاولت جعله مرحا
(سيد كنان أظن أن أفضل ما قد تفعله الآن هو إخراجي من هنا ...) أمسك جانبي وجهها قائلا بثبات ظاهري
(إسمعيني نادين أنت لازلت مريضة عليك البقاء هنا حتى يأمر الطبيب بعكس ذلك ) بدأت الأمر تخرج عن السيطرة و هي ترفض تهز رأسها بقوة أنها لن تبقى بأي مشفى حركاتها كانت تؤلمها و تؤلمه و هو لم يتحمل فحملها ذراع أسفل ساقيها و آخر خلف ظهرها إنه يتفهم ذلك...
خرج من الغرفة تشيعه أنظار أخته و صهره المصدومين إذا فنادين تكون زوجة أخيها لكن.. لكنهما لم يخبرا أحدا نظرت إلى زوجها و هي تقول.
(سراج هل سمعت ذلك أنها زوجة أخي... لكن لما أخفيا الأمر ..؟) لا يمكن أن يقول أنه متفاجئ جدا ففي داخله شك أنه زوجها لذا آثر أن يقول لزوجته
(حبيبتي طالما أنهما لم يخبرا أحدا فالأفضل أن لا نخبر أحد ليس من حقنا ذلك عندما يريدان أن يفعلا فسيفعلان حسنا ...؟) عبست برفض ترفض أن تجيب ... إلا أنه لم يكن ليدعها تفعل هذا لذا حاول أكثر ..
(أميرة أنت لا تريدين المشاكل لهما صحيح ؟؟) لا تزال على نفس العبوس زفر بشدة و هو يعلم أن الصرامة ستكون الحل الوحيد ..
(هيا عديني الآن أنك لن تفتحي فمك بكلمة ...و لا تقولي لن تخبري إلا والدتك فهي بالذات لا يجب أن تعلم هيا أميرة أنا أنتظرك ..) نظرت أي تحاول أن تخرج كل الأسلحة التي تملكها لتقنعه بالتنازل لكن من ملامحه علمت أنه جاد لذا تنهدت بالإستسلام و هي تعده ... الأحمق لذا سألت سؤالا آخر و هي تدرك أت الجواب هو ... لا
(ألن نذهب معهما على الأقل ....)
........................... .............ٌ...................................................... .............ٌ...........................
(أنا لست أفهم لما غادر كنان هكذا ... دون أن يعتذر من جده حتى لقد أخجلنا أمامه هكذا ...) إنها لا تتغير تعتبر عثمان الهاشمي حماها فعلا ... ربما لأنه يعتبر عثمان الهاشمي والده حقا ... لا يزال يتذكر عندما كان مراهقا حين جاء عثمان إلى الدار الذي تم وضعه به بعد وفاة أهله بحادث سيارة ... عندما رآه تعرف عليه و كم بكى بصدره آن ذاك لم يكن الدار سيئا لكن رؤية عثمان كان تذكيرا له بأه قظ فقد أهله حتما و أن من حقه أن يبكي هما و عثمان صديق والده الوفي إهتم به و رباه عوضه كل ما إفتقد كان نعم العون حتى أنه تولى دفع تكاليف دراسته في الخارج و بعد أن عاد قرر الإستقرار بالمدينة و كان عثمان أيضا خير الداعم فأحب لميس و جاء عثمان إليه ليطلب له يدها عثمان يمثل له البشرى بأن الخير موجود مهما عم الظلام و كثر سيظل هناك دائما بصيص أمل نحيا به و يحيا بنا ....
نظر إلى لميس التي لا تزال تدور حول نفسها قال لها بإقتناع
( لا تهتمي عمي أكثر شخص متفهم ... ويعلم أنه لو لم يكن مضطرا لما غادر دون كلمة ...) تنهدت و هي تجلس بجانب حبيبها المستفز إنه لن يتغير لذا الأولاد يتصرفون كما نهوى أنفسهم آه لو كان فقد يجحدهم بنظرة عين لما غادر كنان بقلة إحترام هكذا ... نظرت إليه و هي تزم شفتيها بكل إتجاه مفكرة أن حتى نظته الغاضبة تجعلهم ينفجرون ضحكا بدل الخوف ...إتسعت عيناها و هي تسأله عن أمر خارج الموضوع
(ألا تزال حماتي تخاصمك ... لأنك تزوجتني لا إبنتها لمار التي تنبت لها أجنحة ملائكية ما إن تراك ...؟)إنفجر ضاحكا مغيظا إنها قلب جوز الهند ناصعة البياض قرص خدها برفق قائلا
(توقفي عن كونك شقية غيورة هكذا ... لقد أصبحت جدة ...) زفرت بإحباط و هي تقول ...
(و كم أتمنى لو يزدادون كنان قد برني و تزوج سيرين لكن الله لم يكتب له الخلف بعد و إن في قلبي عليه ملهوف أريده أن يتزوج مجددا ... و هذا حقه لقد أصبح عمره ست و ثلاثون ... أنا لا أحس بالذنب لأني في ما مضى أقنعته بالزواج ب سيرين لكني أظنه سببا يمنعني من الطلب منه أن يتزوج أخرى... كما أنه ليس ذنب سيرين أيضا لكنه يستحق أن سعادة الحصول على الأطفال ...) رمق زوجته بنظرت ذات مغزى تعرف معناه جيدا ... لذا أجابت نظراته بحنق
(كيف لا أتدخل و هو صغيري ...لا ترمقني هكذا ... )
لم يتمالك نفسه و ينفجر ضحكا ... إنها لن تتغير .....
......................................................................................................................................................................................
و أخيرا هدأت محاولة السيطرة عليها أمرا متعبا لكن بعد أن هدأت ... أصبح الوقت مناسبا للكلام فها هي داخل سريرها تتمسك بالغطاء كأنها تموت بردا .... و هو جالس بجانبها
(كيف أصبحت ...؟)سؤال سخيف يعلم أنها ستكذب و تقول أنها أصبحت أفضل ....
(ضائعة كنت أعلم أنه لن يقتلني ..)لا يستطيع أحد تخيل ما يجيش بصدره إنه الجحيم المستعر لكن بدل أن يقسو عليها فتتوتر لما لا يبدأ بإعطائها الجزرة بدل العصا ...
زفر بكبت قائلا
(نادين هل كان معك المسدس ...؟)هزت رأسها إيجابا قبض يده بغضب الله أعلم إلى متى سيسطر عليه إنها الحماقة ...
قال لها و هو يغمض عيناه متوقعا الجواب
(و بالتأكيد أطلقت عليه النار...؟)كانت خارج نطاق إستعابي غضبه و ما يحصل له كانت فعلا ضائعة ظنت أن الألم في تلك الحالة أمر طبيعي بالنسبة لها لكنها الآن تحس أنها لا تتقبل هذا الألم خصوصا و هي تعلم لما هاجمها هذا الرجل و مع ذلك لن تخبر أحدا ...
أجابت بنفس الضياع
(لا لم أطلق عليه النار ....)مجرد سؤال يحاول به أن يمتص غضبه بنفسه
(لا بد أنه باغتك و أبعد المسدس و لم يكن بإستطاعتك الدفاع نفسك ...؟)
هزت رأسها نفيا قائلة (لا كان بإمكاني إطلاق النار لكني لم أدر) فتح عينيه متسائلا بغضب لم يهدأ
(لماذا...؟)نظرت إليه عله يفهمها و لا يعاتبها إنها متعبة ...لكنها لم تجد لا التفهم و لا حتى خلو العتب ...أجابت بالحقيقة
(لأنه كان خائفا ....)تلك كان القسة الأخيرة لينفجر بوجهها و هو ينهض عن السرير صارخا بكل الألم الذي تملكه اليوم و الغضب و كل الأحاسيس السلبية التي لم يعرفها في نفسه
(هل جننت رجل يعتدي عليك يضيبك بأذى كان يمكن أنيقتلك أو يغتصبك ... يغتصب زوجتي ... و أنت بكل غباء لا تدافعين عن نفسك فقط لمجرد أنه خائف هل ... هل جننت أم تريدين أن تصيبيني بالجنون ...؟)إنكمشت على نفسها أكثر و هي تقول ...
(لم يكن هنا لي يقتلني أو يغتصبني كما تقول ... إنه هنا لإشباعي ضربا وحسب ...)إتسعت عيناه بشكل مضحك و هو يسمع هذا الهراء منها لا أمل بها ...
سألها بغموض
(هل هم من تختئين منهم ...)هزت رأسها نفيا بقوة رغم الألم الذي خلفته تلك الهزة
(لو كانوا هم ما كانوا تركوني وةبم يكونوا ليرسلوا جبانا كالذي أرسلوه ...ثم إنهم لا يستطيعون الوصول إلي أبدا ...)إنها تعلم الفاعل إذا... شيء ما يخبره أنها لن تخبره ...
(إذا أنت تعرفين الفاعل ... ستخبرينني من كان و ماذا أراد منك ...)أطالت النظر إليه و هي ترخي الغطاء عنها تخرج له يدها الأيسر الخالي و المليء بالجروح السطحية ....لم يفهم شيء و هو يجابهها النظرات بتحفز ...
بينما هي تجيب على أحد أسئلته
(لقد أخذ خاتمي ...)لن ينكر أنه قد تفاجأ لكنه لم يستسلم لتفاجئه و هو يسأل
(أرجو فقط أن لا تكوني قد أصبت بالصمم حين طرحت الشطر الأول من السؤال و إستعدته عند الثاني ... إتقي شري يا نادين الآن فعلا و أجيبي من كان ...)
أجابت بنفس الحقيقة قائلة
(لم أره لقد كان ملثما بإحكام ....)إنها ترفض أن تجيب و هو غاضب لدرجة أنه فعلا سيؤذيها لو بقي هنا سيكون من الأفضل أن يبتعد خصوصا أن شيطانه الآن يسول له إحداذ الألم لها بكل رقة لكنه لن يسمح بأن يخسرها لمجرد إشباع غريزة تجبره إجبارا على الإبتعاد قبل فوات الأوان خصوصا و أنها لم تعلق على ذكره لموضوع زواجهما حتى الآن و هو متأكد أنها حالما تستعيد تركيزها حتى تذكره بالإتفاقية بينهما تبا لكل هذا ...و بدون إبطاء خرج من غرفتها صافعا الباب بقوة ....
.................................................................................................

أمانك أنا فإستوطنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن